7 وجوه لـ«الجزائر الجديدة» تحت سلطة تبون وشنقريحة في ظل التعبئة العامة

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى جانب رئيس أركان الجيش سعيد شنقريحة

في 30/04/2025 على الساعة 09:08

بينما يرفع النظام الجزائري شعار « الجزائر الجديدة » كواجهة لعهد ما بعد حراك 2019، تتكشّف ملامح مرحلة تُدار بمنطق « التعبئة العامة » الشاملة، سياسيا وإعلاميا وأمنيا. وعلى الرغم من الخطابات المكرّرة حول الإصلاح والانفتاح، تشير الوقائع اليومية إلى مسار قسري نحو تشديد القبضة، وتضييق الهامش المتاح للحرية، وتسخير مناخ الخوف كأداة لضمان استمرار النظام العسكري في الحكم. فما هي أبرز معالم هذه الجزائر الجديدة تحت حكم الثنائي تبون وشنقريحة؟

1- تعزيز قبضة المؤسسة العسكرية

يمنح مشروع قانون « التعبئة العامة » صلاحيات واسعة للرئيس عبد المجيد تبون (رمز النظام العسكري) في إقرار التعبئة العامة وتسخير الوزارات والموارد في « المجهود الحربي ».

ولا يقتصر هذا القانون على الجوانب العسكرية فحسب، بل يشمل أيضا القطاعات المدنية مثل الصحة والنقل والتعليم، ما يعني أن دور المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية سيشهد توسعا أكبر في مختلف مناحي الحياة.

وفي ظل « التعبئة العامة »، سيصبح التركيز على الأمن القومي أولوية قصوى، مما يمنح المؤسسة العسكرية صلاحيات استثنائية في إدارة بعض الملفات الحساسة.

في الجانب الاقتصادي، ستستمر، بل وربما تتزايد، حصة الميزانية العامة التي تبتلعها المؤسسة العسكرية على حساب قطاعات أخرى مثل تنمية البلاد وتوفير مستلزمات العيش الكريم للعباد.. وهذا التوجه يعكس إصرار النظام العسكري على تقوية سلطته على حساب التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

2- تركيز متزايد على «نظرية المؤامرة»

من أبرز ملامح « الجزائر الجديدة » هو استنساخ سردية الخطاب الرسمي المبني على منطق « التهديد الدائم »، إذ لا تخلو خطابات الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس الجيش سعيد شنقريحة ومعهما كبار المسؤولين، من الإشارة إلى « أيادٍ خارجية » أو « عملاء الداخل » وكأن البلاد تعيش على حافة الغزو. كما يتم توظيف تهم « التآمر » و« التخابر » و« التشويش » لتبرير الإجراءات القمعية ضد المعارضين والنشطاء.

هذه الاستراتيجية، التي تُغذي مشاعر الحصار الوطني وتُبرر عسكرة الحياة السياسية، تؤسس لحالة « تأهب نفسي »، تجعل من أجهزة الدولة في وضع استنفار دائم، وتبرر تضييق الحريات تحت شعار « حماية السيادة الوطنية »، بهدف توحيد الداخل وتبرير الإجراءات الاستثنائية المتخذة في إطار التعبئة العامة.

وفي هذا السياق، لن يجد النظام المهووس بنظرية « المؤامرة » أفضل من « فزاعة المغرب »، الجار الغربي الذي لا يفتأ يعلق عليه فشله على كافة الأصعدة.

وهكذا، ستظل العلاقات المتوترة مع المغرب، خاصة في ما يتعلق بقضية الصحراء الأطلسية، حاضرة بقوة في هذا الخطاب الذي يستخدم كأداة لتعبئة المواطنين بغاية إلهائهم عن المشاكل الداخلية.

3- تحكم أمني في المشهد السياسي والإعلامي

في سياق « التعبئة العامة »، يظهر أن الأجهزة الأمنية، خصوصا المخابرات، أصبحت اللاعب الرئيسي في صياغة السياسة العامة، من توجيه الانتخابات، إلى مراقبة الفضاء الإعلامي، وإسكات الأصوات المعارضة، إضافة إلى تعيين الولاة والتحكم في صناعة النخب السياسية والإعلامية.. كل شيء يُدار بمنطق أمني صارم.

هكذا تم تغييب النقاش العمومي الحقيقي، وجرى تحويل الحياة السياسية إلى مسرح خال من المعارضة الفعلية، تُؤدي فيه شخصيات مكررة أدوارها بلا أي قدرة على التأثير، بينما تتعرض الصحافة المستقلة لمضايقات قضائية ومالية ممنهجة، ما أفرغ مضمون « الإصلاحات » المعلنة.

4- قضاء مُسخر وآلية لتصفية الحسابات

شهدت الجزائر، خاصة في عهد الثنائي عبد المجيد تبون وسعيد شنقريحة، ارتفاعا حادا في استخدام القضاء كأداة لمعاقبة المعارضين، سواء من خلال تهم سياسية مفبركة، أو قرارات توقيف احتياطي طويلة الأمد، أو رقابة قضائية ترهق الناشطين وتكمم أفواههم.

باسم مكافحة الإرهاب أو حماية «السيادة الوطنية»، تُفتح الملفات القضائية وتُغلق حسب الحاجة السياسية، وغالبا ما يستخدم القضاء «المادة 87 مكرر» من قانون العقوبات الجزائري لسجن المعارضين للنظام.

ونتيجة لذلك، تشير تقارير منظمات حقوقية دولية إلى أن ما لا يقل عن 220 شخصا من سجناء الرأي يقبعون في السجون الجزائرية، بينهم معارضون سياسيون وحقوقيون وصحفيون ومواطنون عاديون يتم اعتقالهم بشكل تعسفي وتلفق لهم تهم فضفاضة وثقيلة.. لا لشيء سوى لأنهم تجرأوا على التغريد بغير اللحن الذي يهواه النظام.

5- إعلام عمومي مُعبأ وخطاب دعائي موحد

لم يعد الإعلام في الجزائر سلطة رابعة، بل بات امتدادا لوزارة الدفاع أو رئاسة الجمهورية. يتم التحكم في التغطيات، وتُمنع البرامج الجريئة، وتُمارس الرقابة الذاتية الصارمة داخل غرف التحرير.

القنوات الخاصة التي ظهرت بعد 2012، والتي كانت تُشكل متنفسا للرأي العام الجزائري، أُخضعت تدريجيا لرقابة مالكيها المرتبطين بالسلطة. أما الصحف الورقية فإما أُغلقت، أو تحوّلت إلى منشورات دعائية، تجترّ البلاغات الرسمية فقط.

أما القنوات العمومية والخاصة فقد تم تجنيدها لتروج لخطاب « الاستقرار مقابل الفوضى »، مع شيطنة الحراك واتهام المعارضين بالخيانة. ففي « الجزائر الجديدة »، لا مكان للرأي المخالف في الإعلام الرسمي، حيث تُخضع التغطية لأوامر السلطة وتُحول إلى منابر تمجيد للرئيس والمؤسسة العسكرية.

6- وأد الحركات الاجتماعية في مهدها

لم يسلم المجال الاجتماعي من منطق التعبئة والسيطرة، فقد امتدت الرقابة والضغط إلى النقابات والاحتجاجات الاجتماعية، حيث تُمنع الوقفات السلمية، وتُفض بالقوة، وتُتابع القيادات النقابية أمام القضاء بتهم «إضعاف الروح الوطنية». ويتم تصوير كل تحرك مطلبي كجزء من «مؤامرة» لزعزعة الأمن، وهو تهديد ضمني بتكرار سنوات العشرية السوداء.

وفي ظل هذه القيود، يُجبر المواطن على أن يشتكي همومه عبر القنوات الرسمية فقط، وأن يتخلى عن الشارع كمساحة مشروعة للتعبير، بحجة الأمن والاستقرار.

إن استمرار النظام الجزائري في قمع الأصوات المعارضة والزج بالنشطاء السلميين والصحفيين في السجون يفضح زيف الادعاءات التي تروجها الجزائر أمام المنتظم الدولي.

فبينما يحاول الرئيس تبون إظهار صورة منفتحة وديمقراطية تدعو إلى الحوار الوطني، تتناقض هذه الصورة بشكل صارخ مع الواقع المأساوي الذي يعيشه معارضو النظام. هذا التناقض يعمّق عزلة الجزائر الدولية ويزيد من حجم الانتقادات الحقوقية الموجهة لها، بينما تظل حقوق الإنسان في الجزائر في مواجهة مستمرة مع آلة القمع التي لا تميز بين مواطن يطالب بحقوقه الأساسية ولا معارض أو ناشط سلمي أو صحفي مهني يقوم بمهمته.

7- «الجزائر الجديدة» واجهة دعائية لا تعكس الواقع

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن « الجزائر الجديدة » ليست سوى نسخة محدثة من نظام قديم، يتقن التكيف مع الأزمات، ويُجيد التلاعب بالشعارات، لكنه عاجز عن بناء دولة قانون ومواطنة.

ما يُقدم كـ«جزائر جديدة» ليس سوى إعادة ترميم لواجهة سلطة متهالكة. جرى فقط تحديث الخطاب، وتطوير أدوات الرقابة، بيد أن الجوهر لم يتغير. فما زال المواطن يعاني من التهميش والفقر والخوف من التعبير. ما زالت الدولة ترى في المواطن مشتبهًا به، وفي السياسة حقل ألغام، وفي الديمقراطية تهديدا لا فرصة.

إن فرض قانون « التعبئة العامة » لن يُنتج استقرارا، بل سيهوي بالبلاد إلى قعر أكثر سحقا ويؤسس لهشاشة مزمنة تُغلف بالخطاب الوطني وتُدار بالخوف. فالأنظمة التي تحكم بالهواجس لا تبني مستقبلا، بل تُؤجل الانفجار القادم.

وفي ظل هذا القمع المستمر، يعتقد النظام الجزائري أنه قادر على وأد كل حركة احتجاجية وإسكات كل صرخة تطالب بالحرية والعدالة. لكن التاريخ أثبت مرارا أن القمع، مهما بلغت شدته، لا يمكنه إخماد تطلعات الشعوب إلى التغيير.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 30/04/2025 على الساعة 09:08