الحدث الذي فجّر هذه الحملة القمعية، وفق تقرير منظمة العفو الدولية (أمنيستي)، كان حملة «#مانيش_راضي» الإلكترونية، التي انطلقت في دجنبر 2024 كامتداد لصوت «الحراك» الشعبي المنتفض ضد استمرار حكم العسكر، في محاولة لإحياء روح الاحتجاج السلمي ضد التضييق على الحقوق المدنية وغياب العدالة الاجتماعية.
رد الدولة جاء قاسيا وسريعا، حسب تقرير «أمنيستي» الصادر يوم الخميس 24 أبريل، حيث تم اعتقال ومحاكمة 23 ناشطا وصحفيا بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم، دون احترام لأبسط شروط المحاكمة العادلة.
القمع كأداة لإدارة الاحتقان
بعيدا عن مزاعم الانفتاح، تكشف أمنيستي أن السلطة الجزائرية اختارت اللجوء إلى القضاء والأجهزة الأمنية كأدوات لتصفية الأصوات المعارضة، لا سيما مع اقتراب الذكرى السادسة لانطلاق الحراك الشعبي.
وتطرقت المنظمة لأبرز ضحايا هذه الحملة، مثل الشاعر محمد تجاديت الذي حُكم عليه بخمس سنوات سجنا بسبب قصائد سياسية، في سابقة تعيد إلى الأذهان عهود محاكم التفتيش الثقافي.
وصدرت أحكام بالسجن تراوحت بين 18 شهرا وخمس سنوات ضد ناشطين بارزين هما صهيب دباغي ومهدي بعزيزي، لمجرد إطلاقهما الحملة الرقمية (الهاشتاغ).
أما الصحفيان عبد الوهاب موالك ومصطفى بن جامع، فقد نالهم العقاب بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، في مشهد يكشف عن تحول الإعلام بدوره إلى هدف سهل لسلطة ترى في الكلمة تهديدا لأمنها الداخلي.
دولة تعلن «التعبئة»... ضد مواطنيها؟
الخطير في هذا السياق أن حملة القمع تتزامن مع إعلان رسمي لـ«التعبئة العامة» بحجة وجود تهديدات خارجية، في مشهد يعكس رغبة السلطة في تحويل الأنظار عن أزمتها الداخلية عبر فزاعة الأمن القومي.
لكن الواقع يكشف أن العدو الحقيقي، بالنسبة للحكم القائم، ليس في الخارج بل في كل تعبير داخلي عن رفض أو احتجاج.
ما وراء القمع: محاولة إخماد الذاكرة
منذ انطلاق الحراك الشعبي في 2019، اتخذ النظام مسارا واضحا قوامه شيطنة الحراك، ثم تفكيكه تدريجيا، وصولا إلى تجريم كل محاولة لإحياء روحه في الفضاء الرقمي.
إقرأ أيضا : الجزائر: النظام العسكري يعيد أساليب العشرية السوداء لقمع حملة «#مانيش_راضي»
فحملة «#مانيش_راضي» لم تكن سوى تعبير رقمي عن امتعاض شعبي متزايد من تدهور الأوضاع المعيشية واستمرار التضييق السياسي. لكن رد السلطة جاء قاسيا، كاشفا عمق الخوف من أي تحرك يعيد طرح سؤال الشرعية في البلاد.
بين دعاوى السيادة وانتهاك الحقوق
لا شك أن النظام الجزائري يتقن التلاعب بخطاب السيادة الوطنية كلما تعرّض للانتقاد من الخارج. غير أن تقارير حقوقية كأمنيستي لا يمكن اعتبارها تدخلا بقدر ما تعكس صدى مظالم داخلية حقيقية يتجرعها المواطن يوميا.
إقرأ أيضا : أمنيستي تدين استخدام سلطات الجزائر لقانون الإرهاب لقمع المعارضين
فحين يُسجن شاب بسبب تدوينة، ويُلاحق صحفي بسبب منشور، وتهرب السلطة من أي مساءلة أو إصلاح، فإن الحديث عن « احترام الحريات » يصبح مجرد ستار لواقع قمعي ممنهج.
أمنيستي تدق ناقوس الخطر
توصيات منظمة العفو الدولية كانت واضحة: الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين بسبب التعبير السلمي، ووقف استخدام القضاء كأداة للانتقام السياسي، وفتح تحقيقات مستقلة في انتهاكات حقوق الإنسان. وهي مطالب تعيد التذكير بأن الجزائر، رغم مرور ست سنوات على حراكها الشعبي، لا تزال رهينة نظام يعادي التعدد والاختلاف، ويفضل السجن على الحوار، والصمت على الحرية.