الجزائر: 5 أسرار وراء وسم «#عمي_تبون_لا_تذهب_إلى_العراق»

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

في 28/04/2025 على الساعة 18:00

فيديواجتاح هاشتاغ «#عمي_تبون_لا_تذهب_إلى_العراق» شبكات التواصل الاجتماعي في الجزائر بشكل لافت خلال الأيام الأخيرة، بالتزامن مع الحديث عن مشاركة مرتقبة للرئيس عبد المجيد تبون في القمة العربية المقررة في 17 مايو المقبل بالعاصمة العراقية بغداد. ظاهريا يبدو الأمر كموجة «عاطفية» تطالب الرئيس بعدم السفر «خوفا على سلامته»، لكن في الواقع فإن هذه الحملة الافتراضية تبدو أقرب إلى عملية «بروباغندا» منظمة بدقة تهدف إلى تلميع صورة الرئيس وإعادة تأهيل حضوره داخليا. فما الذي يخفيه هذا الهاشتاغ؟

الوسم «#عمي_تبون_لا_تذهب_إلى_العراق» الذي اجتاح منصات التواصل الاجتماعي في الجزائر مؤخرا، أراده مروجوه أن يبدو وكأنه حالة من القلق الشعبي تجاه زيارة الرئيس عبد المجيد تبون، المرتقبة إلى بغداد، بعد تلقيه دعوة من الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد لحضور اجتماع القمة العربية المقررة في 17 مايو المقبل.

استخدم مروجو الهاشتاغ عبارة «عمي تبون» (وهي كنية سبق أن صرح الرئيس بأنه يحب أن ينادى بها) للتعبير عن قربهم منه ومخاوفهم عليه. ويحث الوسم «عمي تبون» على تفادي السفر إلى العراق، بسبب مخاوف عبّر عنها ناشطون ومواطنون، تتعلق بالوضع الأمني والسياسي في العراق، إضافة إلى خلفيات تاريخية تزعم وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين مسموما بعد عودته من القمة العربية المنعقدة في بغداد عام 1978، وكذلك مقتل وزير الخارجية الجزائري الأسبق محمد الصديق بن يحيى عام 1982 خلال مهمة وساطة لوقف الحرب العراقية الإيرانية، عندما سقطت طائرته في ظروف وُصفت آنذاك بـ«الغامضة».​

وبغض النظر عن أن هذه المخاوف واهية، لكونها غير واقعية، واستحضارا للواقع السياسي في الجزائر، فالرئيس عبد المجيد تبون يُعاني من أزمة شرعية حادة منذ انتخابه سنة 2019، إذ قاطع أكثر من 80% إلى 90% من الشعب الانتخابات الرئاسية.

وهكذا فإن «عمي تبون» ليس نتاج إرادة شعبية حقيقية، بل جاء نتيجة صفقة داخل النظام العسكري لإعادة ترتيب البيت الداخلي بعد الحراك الشعبي.

وعندما نرى «هبّة» مفاجئة لهاشتاغ عاطفي مثل هذا، فيبدو غريبا أن قطاعا واسعا من الجزائريين الذين لا يعترفون أصلا بشرعيته يتوسلون إليه بهذه العبارات الحنونة. وبلغة السياسة، فإن هذه ليست ردة فعل طبيعية في مجتمع يعيش أزمة عميقة مع نظامه السياسي.

فيما يلي خمسة أسرار قد تفسر بروز هذه الحملة الرقمية المفاجئة:

1- تلميع صورة الرئيس الفاقد للشرعية الشعبية

لا يمكن فهم هذه الحملة بعيدا عن السياق السياسي الذي يطوق عبد المجيد تبون. فالرجل وصل إلى السلطة في خضم أزمة سياسية عاصفة بعد حراك 22 فبراير 2019، ولم يحظَ بانتخاب شعبي حر وواسع. بل العكس، أظهرت الانتخابات الرئاسية، التي سجلت واحدة من أدنى نسب المشاركة في تاريخ الجزائر، رفضا شعبيا عاما لمسار السلطة.

ولم يدخر النظام الفاقد للشرعية أي جهد للتغطية على هاته الفجوة العميقة بين السلطة والمجتمع، حيث يبحث باستمرار عن طرق لإعادة تأهيل صورة الرئيس داخليا من خلال محاولة إظهاره محاطا بـ«محبة شعبية« .

وفي هذا الإطار، يمثل الهاشتاغ محاولة مفضوحة لإعادة صياغة صورة تبون كشخصية محبوبة من قبل « الشعب »، عبر تضخيم مظاهر التأييد الافتراضية، رغم أن الواقع الاجتماعي والسياسي يقول غير ذلك.

2- استحضار الخطاب الأبوي كسلاح دعائي

لم يكن اختيار عبارة «عمي تبون» وليد الصدفة. فاستعمال كلمة «عمي»، التي تحيل في المخيال الجماعي إلى الحنان والحكمة والأبوة، هو جزء من تكتيك مدروس يستهدف تلطيف صورة رئيس مثقل بالقرارات القمعية والأزمات الاقتصادية.

واستدعاء هذا الخطاب يخدم هدفا نفسيا: بث إحساس بأن تبون شخصية أبوية محبوبة، رغم أن الواقع السياسي يظهر خلاف ذلك. هذه التقنية معروفة في الحملات الدعائية التي تستهدف الشعور الجماعي أكثر من العقل النقدي.

هنا تتحول اللغة العاطفية إلى أداة سياسية تهدف إلى خلق علاقة وجدانية مصطنعة بين الحاكم والمحكومين، متجاوزة فجوة الشرعية الفعلية التي لم تستطع السياسات الواقعية ردمها.

3 - تبرير محتمل لعدم المشاركة في قمة بغداد

من اللافت أن انتشار الحملة الرقمية تزامن مع تزايد الشكوك حول قدرة الرئيس تبون على حضور قمة بغداد، سواء لأسباب صحية أو بسبب ضغوط دبلوماسية إقليمية.

ولا يمكن إغفال سوابق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في التخلف عن حضور بعض قمم جامعة الدول العربية، التي بررها خلال لقائه الإعلامي الأخير بـ«عدم إشراكه في التحضير«... كما يتظاهر النظام الجزائري بأنه «مصلح» و«يدافع عن مصالح الدول العربية« ، غير أن واقع البلاد التي تعيش عزلة في محيطها، أثبت أن ذلك مجرد شعارات فارغة ليس إلا.

لذلك ففي حال تعذر على تبون حضور قمة بغداد، فسيكون النظام قد هيأ مسبقا خطابا دفاعيا: «الرئيس استجاب لمطالب شعبه الرافض لسفره»، بدل أن يظهر بمظهر الرئيس المعزول أو المرفوض عربيا.

وهنا يتحول الهاشتاغ إلى أداة تبرير محسوبة بدقة، في محاولة لقلب الإخفاق إلى انتصار وهمي.

4- إلهاء الرأي العام عن قضايا معيشية خانقة

تزامنت حملة الهاشتاغ مع تصاعد الغضب الشعبي إزاء ظرف داخلي بالغ التوتر: مشكلات اقتصادية خانقة، وفضائح فساد جديدة، وحراك احتجاجي خامد تحت القمع.

وفي مواجهة هذا الواقع القاتم، يسعى النظام إلى خلق «موجة بديلة» تشغل الرأي العام وتعيد ترتيب الأولويات العاطفية لدى المواطنين.

فالهاشتاغ بهذا المعنى ليس مجرد تعبير عفوي، بل جزء من استراتيجية «الإلهاء السياسي» لصرف أنظار الرأي العام عن الأزمات الحقيقية، عبر إثارة مواضيع جانبية تدغدغ العواطف.

5- اختبار مدى التحكم في المزاج الرقمي

لا ينبغي تجاهل أن الأجهزة الأمنية الجزائرية أصبحت تراقب المشهد الرقمي بدقة، وتسعى إلى التدخل فيه عبر موجات ممنهجة من التعليقات والحملات الافتراضية.

لذلك فإن تفعيل هذا الهاشتاغ قد يكون أيضا جزءا من تجربة ميدانية لاختبار مدى قدرة النظام على التحكم في المزاج العام عبر أدوات رقمية، تحضيرا لاستحقاقات قادمة قد تكون أكثر حساسية، سواء على مستوى الانتخابات، أو أي قرارات سياسية كبرى قد تثير رفضا شعبيا واسعا.

إن وسم «#عمي_تبون_لا_تذهب_إلى_العراق» يكشف عن مأزق حقيقي يعيشه النظام الجزائري: مأزق شرعية مفقودة يسعى لتجاوزها عبر أدوات اصطناعية، ومأزق داخلي يحاول التغطية عليه باللعب على العواطف.

كما يمثل هذا الوسم نموذجا على تطويع الفضاء الرقمي — الذي كان يوما ما منصة للحراك الشعبي — ليصبح اليوم أداة بيد السلطة لصناعة صورة وهمية عن العلاقة بين الشعب والنظام المستولي على الحكم بلا شرعية.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 28/04/2025 على الساعة 18:00