مباشرة بعد تلقي الجزائر صفعة دبلوماسية جديدة من باريس، سارع النظام إلى تكليف كاتب الدولة المكلف بالجالية الوطنية في الخارج، سفيان شايب، بالظهور الإعلامي للرد على التصعيد الفرنسي، باللغة الفرنسية، حيث شنّ هجوما لاذعا على روتايو، متهما إياه بـ«فبركة الأزمة بالكامل»، في تجاهل واضح لكون قرار طرد الموظفين اتخذته الرئاسة الفرنسية، لا وزارة الداخلية.
وفي تصريحات أثارت الكثير من التساؤلات، قال شايب إن التوتر الحالي نتيجة لـ« تمثيلية » من طرف وزير الداخلية الفرنسي، واصفا توقيف موظف قنصلي جزائري في باريس بـ«الاستعراضي» و«الخرق الصارخ لاتفاقيات الحصانة القنصلية»، رغم تأكيد الخارجية الفرنسية على أن روتايو لا علاقة له بالقضية القضائية التي فجرت الخلاف.
إلا أن الإصرار الجزائري على تحميل وزير الداخلية مسؤولية التصعيد، يعكس وفق محللين، محاولة فاشلة لتحويل الخلاف إلى شخصية سياسية فرنسية معروفة بتشدّدها حيال ملف الهجرة والجزائر، وإبعاد الأنظار عن عمق الخلافات بين البلدين، والتي تراكمت في ملفات عدة، أبرزها دعم باريس لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، وملف الهجرة، وتوقيف الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال.
ولا تبدو تبعات التصعيد مقتصرة على الساحة الدبلوماسية، بل امتدت لتطال المواطنين الجزائريين أنفسهم، إذ تسبب طرد الموظفين الفرنسيين، الذين كانوا مكلفين بتسيير خدمات التأشيرات، في تعقيد الإجراءات أمام الطلبة والمرضى الراغبين في السفر إلى فرنسا، ما فجّر احتجاجات متزايدة داخل الجزائر، في وقت يلقي فيه النظام باللائمة على «المؤامرات الخارجية»، متجاهلاً عواقب قراراته.
وبينما أكدت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان هجومي أن «روتايو يجيد الممارسات القذرة لأغراض شخصية»، لم تترك باريس التصعيد دون رد، إذ استدعت سفيرها في الجزائر للتشاور، في إشارة إلى أن الأزمة دخلت منعطفًا أكثر حدة، خصوصا في ظل ملفات شائكة لا تزال مفتوحة.
المفارقة أن هذا التصعيد يأتي بعد أيام فقط من إعلان مصالحة هاتفية بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون، وعودة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر في السادس من أبريل لإحياء التعاون الثنائي. إلا أن هذه المصالحة الهشة لم تصمد أمام أول اختبار قضائي-دبلوماسي، ما يدل على هشاشة العلاقات التي طالما وُصفت بـ«المعقدة والمتشابكة» بسبب التاريخ الاستعماري والجالية الجزائرية الكبيرة في فرنسا.
وبين تصريحات رسمية تصب الزيت على النار، وتحركات دبلوماسية مرتجلة، يكرّس النظام العسكري الجزائري سياسة الهروب إلى الأمام في كل أزمة، دون مراعاة تداعيات قراراته على المواطنين أو على صورة البلاد في الخارج. وبينما تدعو باريس إلى «الحوار كسبيل وحيد»، يصر النظام الجزائري على التصعيد.
ومع استمرار هذا الوضع المتشنج، تبدو العلاقات الجزائرية الفرنسية مقبلة على مرحلة أكثر برودة وتوترا، ما لم يخرج صناع القرار في الجزائر من دائرة ردود الفعل الانفعالية، ويفكروا مليا في عواقب قراراتهم على مصالح الشعب قبل مصالح النظام.