شتائم نارية من التلفزيون الرسمي الجزائري ضد دولة الإمارات العربية المتحدة

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ومحمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة في قمة مجموعة السبع في باري بإيطاليا في يونيو 2024

في 03/05/2025 على الساعة 11:37

فيديوبثّ التلفزيون الرسمي الجزائري، يوم الجمعة 2 ماي 2025، بيانا مليئا بالشتائم ضد دولة الإمارات العربية المتحدة وقادتها. السبب المباشر يعود إلى تصريح أدلى به مؤرخ جزائري، خلال مقابلة أجرتها معه صحفية جزائرية أيضا، على قناة ممولة من الإمارات. غير أن هذا الهجوم ليس وليد اللحظة، إذ أن النظام الجزائري يعادي منذ أشهر الدولة الخليجية القوية. واعتُبرت فظاظة الشتائم التي صدرت عن التلفزيون الجزائري مؤشرا إضافيا يسلط الضوء على الحالة النفسية المثيرة للقلق للرئيس عبد المجيد تبون.

«دويلة»، «كيان مصطنع»، «أقزام».. هذه بعض من بين الأوصاف التي تكررت بشكل مقزز خلال خمس دقائق من البيان المذاع بصور مرافقة على نشرة الأخبار الرئيسية للتلفزيون الجزائري الرسمي، كلها كانت موجهة ضد الإمارات العربية المتحدة وقادتها.

بداية القصة كانت مقابلة أجراها المؤرخ وأستاذ الجامعة الجزائري محمد الأمين بلغيث مع قناة «سكاي نيوز عربية»، عبّر فيها عن رأيه الشخصي حول الأصل العربي المزعوم للأمازيغ، معتبرا أن الأمازيغية مجرد «صناعة إيديولوجية من قبل المستعمر لفصل دول المغرب الناطقة بالفرنسية عن بقية العالم العربي».

وبالرغم من محاولات الصحفية لتصحيح مساره، أصرّ بلغيث على إنكار الوجود الأمازيغي، وهو ما يُعدّ بطبيعة الحال إنكارًا للواقع، ونتاجًا لرواية وطنية زائفة يروج لها « النظام ». ومع ذلك، فإن رأيه هذا يبقى ضمن النقاش الفكري، ويمكن للمؤرخين والباحثين المغاربيين دحضه بحجج علمية موثقة.

لكن ما هو « جُرم » الإماراتيين، الذين هاجمهم النظام الجزائري بعنف بعد بث هذه المقابلة يوم الخميس فاتح ماي، والتي جرت بين جزائريَين؟ يبدو أن الذنب الوحيد هو أن قناة « سكاي نيوز عربية » ممولة من أبوظبي. وقد استغل النظام الجزائري هذا العنصر لينقضّ مباشرة على الدولة الإماراتية وقادتها ومؤسساتها.

المسؤول عن هذا البيان، المرفق بصور والذي قرئ في نشرة الثامنة على التلفزيون الجزائري (ENTV)، لم يكن سوى رئاسة الجمهورية نفسها، عبر مديرية الاتصال التابعة لها، برئاسة كمال سيدي سعيد، المستشار النافذ لعبد المجيد تبون.

استغلّت الرئاسة الجزائرية موجة الغضب التي اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي ردا على تصريحات المؤرخ، لترى فيها فرصة ثمينة لإظهار أن النظام يتماهى مع « الرأي العام » المحلي، رغم أن هذا الأخير لا يزال يدير ظهره له.

لكن هذه العجلة اليائسة دفعت بالنظام إلى ارتكاب سقطة دبلوماسية خطيرة، إذ استخدم ألفاظًا مبتذلة لا تليق بدولة تحترم نفسها في الهجوم على دولة ذات سيادة، ذات نفوذ داخل العالم العربي.

فقد وُصف قادة الإمارات مرتين بأنهم « أقزام »، ووُصفت بلادهم تسع مرات (!) بأنها « دويلة مصطنعة ». وقرأت البيان مذيعة بدا وكأنها تصرخ في مشاجرة داخل حمام شعبي أو في مجلس سكارى، حيث وصفت مقابلة محمد الأمين بلغيث بأنها « تصعيد إعلامي خطير من الدولة المصطنعة الإماراتية التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء فيما يخص وحدة وهوية الشعب الجزائري ».

وتابع البيان بوصف ما حدث بأنه « هجوم خطير على المبادئ المتجذرة للشعب الجزائري، ومحاولة للتشكيك في أصله وتاريخه العميق. (...) إن هجوم الدولة المصطنعة الإماراتية على الجزائر، التي لها تاريخ مقاومة، ليس سوى محاولة يائسة لكيانات هجينة تفتقر إلى الجذور والسيادة الحقيقية ».

وفي صيغة تهديد صريح، تباهى النظام الجزائري بتضحيات « ملايين الشهداء من أجل وحدة البلاد »، مؤكدًا أن « التحريض الإعلامي الذي يمس بهوية الشعب الجزائري لن يمر دون عقاب، أخلاقيًا وشعبيًا »! فليفهم من يفهم…

وأضاف البيان أن « الهجوم على وحدة الشعب الجزائري ليس مجرد إهانة إعلامية، بل طعنة خنجر، وعدوان على القيم والسيادة والمصير المشترك »، واختُتم بتأكيد أن الجزائر سترد فورًا على هذا « العدوان » الإماراتي.

ليست هذه المرة الأولى التي يهاجم فيها النظام الجزائري الإمارات، لكن حدة الخطاب وبثه على قناة رسمية يميزان هذا الهجوم عن سوابقه.

يُذكر أن المجلس الأعلى للأمن الجزائري عقد اجتماعا في 10 يناير 2024، بحضور الرئيس تبون ورئيس أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة، « للتعبير عن أسفه إزاء تصرفات معادية للجزائر من طرف دولة عربية شقيقة »، في إشارة إلى الإمارات.

وسبق هذا الاجتماع هجومان شرسان ضد الدولة الخليجية: في 30 ماي 2023، نشرت صحيفتا « لكسبريسيون » (بالفرنسية) و« الخبر » (بالعربية)، وهما محسوبتان على النظام، مقالين متشابهين حول « مؤامرة » تحاك ضد الجزائر من طرف المغرب وفرنسا وإسرائيل، بزعم عقد لقاء بين أجهزة استخبارات الدول الثلاث في تل أبيب.

وفي 21 يونيو 2023، نشرت قناة « النهار » خبرا عن « الطرد الوشيك » للسفير الإماراتي في الجزائر، على خلفية « اعتقال أربعة جواسيس إماراتيين يعملون لصالح الموساد الإسرائيلي »، قبل أن تنفي وزارة الاتصال الخبر وسط فوضى إعلامية لا تطاق.

ومع ذلك، فإن الهستيريا الموجهة هذه المرة ضد الإمارات بلغت مستوى غير مسبوق، سواء من حيث الفظاظة أو الاعتراف بها علنًا عبر التلفزيون الرسمي. هذا المستوى المنحط من الشتائم لا يليق بدولة، ولا يمكن أن يصدر إلا عن الرئيس الجزائري الذي اعتاد على ردود فعل هستيرية ونوبات غضب حادة.

إن الحالة النفسية للرئيس عبد المجيد تبون تثير القلق فعلا. بين تراجعات وهمية نسبها إلى إسبانيا في ملف الصحراء، وجنون العظمة بإعلانه الجزائر « ثالث قوة عالمية »، والتصريحات المضحكة عن تحلية 1.3 مليار متر مكعب من مياه البحر يوميا، واندلاع الأزمات مع معظم الدول المجاورة، وتدهور العلاقات غير المسبوق مع فرنسا، وشتائم غاضبة ضد الإمارات، والدعوة إلى « تعبئة عامة »، كلها مؤشرات تطرح أسئلة جدية حول القدرات الذهنية للرئيس الجزائري، وتثير مخاوف حقيقية من أن يقود جنونه إلى إشعال المنطقة بأكملها.

تحرير من طرف محمد ولد البواه
في 03/05/2025 على الساعة 11:37