لا يحدث سوى في الجزائر: النظام يلفق تهمة الإرهاب لمواطن احتج ضد الظلم

صورة مركبة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والمواطن الشاب فوزي زقوط

في 15/06/2025 على الساعة 07:00

فقط في الجزائر وحدها يمكن أن تتحول مأساة إنسانية إلى قضية إرهابية. ذلك ما حدث مع الناشط الجمعوي فوزي زقوط، الذي حاول إضرام النار في جسده أمام وزارة العدل احتجاجا على ما وصفه بالظلم القضائي، بيد أن السلطات، وبدل أن تفتح تحقيقا نزيها في أسباب محاولة الانتحار هاته، سارعت إلى تكييف الحادثة كجناية « إرهابية ». هذا التحول الصادم في مسار القضية يعكس واقعا مريرا تعيشه الجزائر، حيث تتحول المطالب بالعدالة إلى ذرائع للزج بالمزيد من الأصوات الحرة في السجون، وتحكم قبضة العسكر على البلاد حتى باتت أشبه بزنزانة جماعية تضيق بكل من يجرؤ على رفع صوته.

في الجزائر الجديدة التي يبشر بها النظام العسكري، لم يعد الانتحار شكلا من أشكال اليأس أو الصرخة الأخيرة للكرامة، بل أصبح «مخططا تخريبيا»، وتحوّل فعل فردي احتجاجي إلى «تهديد للأمن القومي».

هذا ما أكدته النيابة العامة بمحكمة سيدي امحمد في بيان صادم، الذي تحدث عن «مجموعة إجرامية منظمة» وزعم أن التحقيقات كشفت عن تواصل زقوط ورفاقه مع أطراف في الخارج، وتلقي تحويلات مالية، بل وصل الأمر إلى اتهام من صوّر الواقعة بامتلاك حسابات بنكية مشبوهة.

من ضحية إلى متهم

في ساعة مبكرة من صباح يوم الأحد فاتح يونيو 2025، كان الشاب فوزي زقوط، المعروف في ولاية تيارت بنشاطه التطوعي، قد قرر الخروج عن صمته بعد خمس سنوات من المضايقات القضائية، ليقرر إشعال النار في نفسه أمام وزارة العدل، احتجاجا ضد « قاض ظالم »، كما قال.

يعود مسلسل معاناة زقوط إلى سنة 2020، حين سُجن بسبب نشاطه الجمعوي، قبل أن تبدأ سلسلة متابعات قال إنها « ملفقة » من طرف القاضي نفسه، الذي اتهمه بـ« ممارسة نشاط بدون ترخيص » و« انتحال صفة » و« التحريض على التجمهر« . وهي تهم وصفها كثير من المتابعين بأنها مجرد ذريعة لكتم صوت شاب تحدّث كثيرا عن الفساد المحلي وسوء التسيير في ولايته.

وقبل لحظات من إضرام النار في جسده، ظهر الشاب في فيديو بثه على فيسبوك، يتحدث بهدوء عن القهر والإهانة التي تعرض لها، مؤكدا أنه لم يعد قادرا على التحمل، وأنه يفضل الموت بكرامة على العيش بذل.

فيديو الواقعة وثّق لحظة الرعب، حيث سار زقوط بهدوء، رش البنزين على جسده، تحدث إلى الكاميرا، ثم أضرم النار أمام أعين الشرطة والمارة. ولحسن الحظ، تدخل رجال الأمن وأخمدوا النيران، ليُنقل بعدها إلى مستشفى زرالدة للحروق الكبرى، حيث يرقد في حالة حرجة.

غير أن النظام لم يكتفِ بإطفاء النار، بل صب زيت الاتهامات على من تبقّى حول الضحية. وبدل فتح تحقيق في مزاعم الظلم والاضطهاد، تحركت النيابة العامة لتصنع «قضية أمنية» من مشهد إنساني مؤلم، ليتحول زقوط من ضحية إلى متهم بـ«التآمر»، ومرافقه إلى «عميل»، والفيديو إلى «أداة مساس بالنظام».

كما وجهت النيابة للمتهمين تهما ثقيلة من قبيل «عرقلة سير المؤسسات»، و«تعريض حياة الغير للخطر»، و«نشر أخبار كاذبة»، و«سوء استغلال الوظيفة». وبلغ عدد المتهمين خمسة، أربعة منهم أودعوا السجن، والخامس وُضع تحت الرقابة القضائية.

زنزانة جماعية

ليس غريبا أن يحدث هذا في بلد تحوّل في عهد عبد المجيد تبون والمؤسسة العسكرية الداعمة له، إلى ما يشبه زنزانة جماعية، حيث لا يكاد يمر يوم دون اعتقال ناشط أو صحافي أو معارض بتهم جاهزة، تبدأ بـ«المساس بوحدة الوطن» وتنتهي عند «الانتماء إلى منظمة إرهابية».

وتبدو اليوم الجزائر التي حلم بها الحراك السلمي في 2019 – جزائر الحقوق والعدالة والكرامة –أبعد ما يكون عن ذلك، وقد أصبحت آلة السلطة فيها توظف القضاء كأداة لقمع الأصوات الحرة وتصفية الحسابات.

فبدل أن تكون وزارة العدل ملاذا للعدل، تحولت إلى رمز للألم والقهر بالنسبة لضحايا التسلط القضائي. أما من يحاول كشف المستور، أو حتى إطلاق نداء استغاثة من نار الجسد، فإن مصيره أن يُلاحق بتهم إرهاب وتخريب وتواطؤ مع الخارج!

ولطالما حذرت منظمات حقوقية محلية ودولية من تحويل الجزائر إلى «سجن كبير»، حيث تنعدم الضمانات القانونية، وتُستغل المحاكمات لتصفية النشطاء. واليوم، يقف فوزي زقوط كرمز لهذه المأساة، وقد يتحول اسمه إلى شاهد جديد على عدالة مفقودة في دولة تُساق بالقمع وتُدار بمنطق الزنازين.

المعارضة تفقد الأمل

نددت منظمة شُعاع لحقوق الإنسان بما وصفته بـ«التعسف القضائي» و«الانحراف في استعمال السلطة»، مطالبة بتحقيق شفاف ومستقل، وإيقاف سياسة تحويل المظالم إلى تهم أمنية.

أما المعارضة السياسية، فقد رأت في الحادثة دليلا إضافيا على انهيار منظومة العدالة، وعلّق حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بأن لا أمل في إصلاح القضاء طالما ظل خاضعًا لنفوذ السلطة التنفيذية، مؤكدًا أن العدالة في الجزائر أصبحت وسيلة لإسكات المعارضين بدل أن تكون حصنًا لحمايتهم.

وفي ظل هذه الأوضاع، تحول فوزي زقوط الذي كاد يفقد حياته احتجاجا على الظلم، من ضحية إلى متهم، ومن شاهد على قسوة النظام إلى متورط في «مؤامرة خارجية». أما الجزائر، فقد غاصت أكثر في مستنقع القمع، وتكرّس فيها واقع مأساوي يجعل من الاحتجاج جريمة، ومن الصراخ ألما يُقابل بالحديد والنار. وفي بلاد تحترق فيها الكرامة قبل الجسد، لا عزاء لحقوق الإنسان.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 15/06/2025 على الساعة 07:00