هذا التمرين، الذي سخّر فيه الجيش الجزائري جزءا كبيرا من ترسانته المتقادمة، المتكونة في أغلبها من أسلحة روسية وصينية لم تعد تواكب تحديات الحروب الحديثة، قدّمه الإعلام الرسمي الموالي للنظام كـ«استعراض للجاهزية»، في توقيت متزامن مع مناورات «الأسد الإفريقي» التي تُجرى على الضفة الأخرى من الحدود المغربية.
غير أن الواقع يكشف أن ما جرى لم يكن سوى استعراضا أجوف، أُهدرت فيه ملايين الدولارات من الذخيرة الحية في مشهد أقرب إلى «الجعجعة بلا طحين»، هدفه الأوحد تغذية نرجسية نظام لا يزال يراهن على القوة النارية بدل التنمية، والدبابات بدل لقمة العيش.
تفقير الشعب لتسمين الجيش
لم تُعلن الجزائر رسميا عن تكلفة تمرين «الحصن المنيع 2025» الذي نُفّذ في منطقة تندوف، غير أن بعض المراقبين رجحوا أن تتجاوز الكلفة 600 مليون دولار، وهو رقم مذهل بالنسبة لدولة تُصنّف من بين الاقتصادات الريعية التي تعتمد بشكل شبه كلي على صادرات النفط والغاز، وتفتقر إلى تنمية حقيقية في قطاعات الصحة والتعليم والتصنيع.
في المقابل، تعيش فئات واسعة من الجزائريين على الهامش، حيث تراجعت القدرة الشرائية بشكل غير مسبوق، وارتفعت نسب البطالة والفقر، وتفاقمت أزمة المواد الغذائية الأساسية، وسط عجز الحكومة عن إيجاد حلول اقتصادية هيكلية أو تحسين مناخ الاستثمار.
وأثار هذا « التبذير » غضب فئات واسعة من المواطنين الجزائريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذين انتقدوا صرف ملايين الدولارات على « فيلم حربي ممل » لن يشاهده –حسبهم- سوى الجنرالات المهووسين بالحرب، بدل أن تُصرف على المستشفيات التي تئن، أو المدارس التي تحتضر، أو الطرقات التي تتهاوى...
استعراض فارغ... لا يُطعم خبزا
أظهرت الدعاية الجزائرية تمرين « الحصن المنيع » كأنه « عرض عسكري فاخر » على رمال تندوف، لا يوازيه أي إنجاز على مستوى تنمية الداخل أو تحسين حياة المواطن.
إقرأ أيضا : مناورات الأسد الإفريقي بالمغرب ترعب جنرالات الجزائر
وبينما تحوّل المغرب، الخصم الجغرافي والسياسي التقليدي للجزائر، إلى حليف استراتيجي للولايات المتحدة وأوروبا من خلال تنظيمه لمناورات « الأسد الإفريقي » التي تراهن على التعاون الدولي وتدريب الجيوش على مكافحة الإرهاب، اختار النظام الجزائري أن يرد عبر استعراض تقليدي يُغذّي الخطاب العدائي، لكنه لا يحمل أي أفق عملي واضح.
وهكذا يظهر أن « الحصن المنيع » هو بالفعل مَنيع... ضد العقل والمنطق، وضد مصلحة الشعب، الذي لا يُطربه قرقعة السلاح بقدر ما يُهمه توفير القوت والغذاء بدون طوابير ولا عناء.
رسائل في غير محلها
لا تعكس مناورات « الحصن المنيع » سوى عمق المأزق الذي يعيشه النظام الجزائري، الذي يفضّل الانخراط في استعراضات جوفاء بدل مواجهة التحديات الحقيقية التي تهدد استقرار البلاد من الداخل. ففي ظل اقتصاد هش، وتفشي البطالة والهجرة السرية، وتردّي الخدمات الأساسية.. تبدو هذه المناورات أشبه بمحاولة يائسة لإلهاء الرأي العام وصرفه عن واقع مرير يتفاقم يوما بعد آخر.
وبينما يواصل النظام العسكري (المستولي على الحكم) تبديد ثروات البلاد على العتاد والسلاح، يبقى المواطن الجزائري هو الخاسر الأكبر، يُترك ليصارع وحده أزمات المعيشة في بلد يملك من الإمكانيات ما يكفي لأن يكون قوّة تنموية لا عسكرية، لو توفرت الإرادة السياسية لتغليب العقل على نظرية « المؤامرة ».