اسم عزوز ناصري، القاضي السابق ورئيس المحكمة العليا الأسبق، ليس طارئا على مؤسسات الدولة، لكنه لم يكن يوما ضمن الصف الأول من النخب السياسية.
ورغم أن ناصري يحظى باحترام بعض الأوساط بفضل خبرته القانونية وتاريخه في الجهاز القضائي، من رئاسة مجلس قضاء قسنطينة إلى المحكمة العليا ثم عضوية المجلس الدستوري، إلا أن انخراطه المتأخر في العمل السياسي — أولا من خلال حزب علي بن فليس ثم انسحابه منه — يجعل منه شخصية ظلّت إلى حد كبير في الظل حتى أعاده تبون إلى الواجهة بتعيينه عضوا في الثلث الرئاسي لمجلس الأمة سنة 2022.
واليوم، يرتقي ناصري إلى قمة الغرفة العليا للبرلمان، بقرار لم يكن مفاجئا للمراقبين الذين يعرفون العلاقة الشخصية التي تربطه بالرئيس تبون منذ ستينات القرن الماضي، حين كانا طالبين في المدرسة الوطنية للإدارة.
هذه «الزمالة القديمة» تحوّلت اليوم إلى رافعة سياسية تصعد بناصري إلى قمة هرم الدولة، متجاوزا أسماء لها حضور سياسي أوسع وتجربة برلمانية أعمق.
ويطرح هذا المسار سؤالا محوريا: هل كان لاختياره منطق مؤسساتي قائم على الكفاءة والخبرة؟ أم أن اعتبارات الثقة الشخصية والعلاقة الخاصة مع الرئيس رجّحت الكفة لصالحه؟
تدوير العجزة في السلطة
بعيدا عن خلفيات التعيين، أثار انتخاب عزوز ناصري غضب الكثير من الجزائريين الذين لم يترددوا في التعبير عن صدمتهم في تعليقات لاذعة على صفحة مجلس الأمة على منصة فيسبوك.
وقد تحوّلت منصات التواصل الاجتماعي إلى منبر للاستهجان والسخرية من ما وصفه البعض بـ«تدوير العجزة في السلطة».
كتب مواطن جزائري ساخرا من الخبر: «إنها بلاد الشيخوخة... لهذا يهاجرها الشباب لأنهم لا يجدون أية فرصة للشغل»، ورد عليه آخر قائلا: «الدولة المتطورة يسيّرها الشباب.. ونحن يحكمنا شيوخ تزيد أعمارهم عن 80 و90». بينما علّق آخرون بمرارة: «المشعل للشيوخ والسجن للشباب»، وتساءل أحدهم مستنكرا: «هل هذا مجلس الأمة أم دار للعجزة؟»، بل وذهب البعض للسخرية من الوضع بعبارة لاذعة: «رائحة الحفاظات تفوح بشدة من هذه المؤسسة»، في إشارة إلى كثرة الطاعنين في السن ضمن تركيبة المجلس.
ولم يكن سن الرئيس الجديد لمجلس الأمة وحده محل الانتقاد، بل أيضا أداؤه اللغوي؛ إذ تداول نشطاء مقطعا مصورا له أثناء إلقائه كلمة باللغة العربية بمناسبة تنصيبه، حيث وقع في أخطاء لغوية فادحة أثارت موجة سخرية واسعة، واعتبرها كثيرون انعكاسا لعجزه عن تولي هذا المنصب، و«رمزية تدهور الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد».
قراءة في دلالات التعيين
اختيار ناصري، الذي لا يمتلك قاعدة حزبية أو حضورا جماهيريا، لرئاسة مجلس الأمة، يعكس توجها متصاعدا لدى تبون في إحاطة نفسه بشخصيات تكنوقراطية أو ذات ولاء شخصي أكثر من اعتمادها على وزنها السياسي. وهي سمة بارزة في « حكومة الكفاءات » التي شكّلها منذ تعيينه (وليس انتخابه) في الرئاسة من طرف النظام العسكري، لكنها أثارت انتقادات حادة بشأن ضيق هامش المشاركة السياسية وتهميش الفاعلين الحزبيين التقليديين، والكفاءات الشابة على وجه الخصوص.
إقرأ أيضا : تحقيق صحفي يكشف التورط المباشر لعبد المجيد تبون في العمليات الجزائرية القذرة بفرنسا
ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة من تبون لتحصين مؤسسة الرئاسة من أي ارتدادات محتملة في حال حصول شغور مفاجئ في منصب الرئيس، بما أن رئيس مجلس الأمة هو من يتولى مهام الرئاسة مؤقتا لمدة 90 يوما وفق المادة 102 من الدستور. وبذلك، يضع تبون « الرجل المناسب » في « الموقع الحساس » لضمان استمرار الخط السياسي ذاته في حال حدوث طارئ دستوري.
الولاءات بدل الكفاءات
إن تعيين عزوز ناصري على رأس مجلس الأمة يبعث برسالة سياسية واضحة مفادها أن الولاء الشخصي والثقة العمياء باتا ركيزتين أساسيتين في إعادة تشكيل هرم السلطة في الجزائر، وهو ما يعزز من مركزية القرار داخل دائرة ضيقة تحيط بالرئيس عبد المجيد تبون.
وما يلفت في هذا الاختيار، أنه يتم في ظل مناخ سياسي يتسم بضمور الأحزاب، وتراجع دور المؤسسات المنتخبة، وتنامي هيمنة المؤسسة العسكرية على مفاصل الدولة. في هذا السياق، يبدو أن تبون –بالأحرى النظام العسكري- لا يراهن على تجديد الحياة السياسية عبر التعددية والمنافسة، بل على تثبيت ما يسميه «الاستقرار المؤسساتي» من خلال أشخاص يثق في ولائهم قبل كفاءتهم.
وهكذا، فإن تعيين ناصري لا ينفصل عن منطق إدارة تبون للسلطة، والذي يقوم على «تأمين النظام من الداخل» بأشخاص يحظون بثقة الرئيس، وليس بثقة الشعب عبر صناديق الاقتراع.
وفي ظل غياب مشروع سياسي لدى العسكر المستولي على السلطة، يظل النظام يراهن على الولاءات بدل الكفاءات، وعلى الأسماء المألوفة بدل الوجوه المجددة. وهكذا، ستظل الجزائر رهينة حسابات ضيقة، في وقت تُطالِب فيه أغلبيتها الصامتة بإنجازات حقيقية بدل الشعارات وتدوير النخب.