تحقيق صحفي يكشف التورط المباشر لعبد المجيد تبون في العمليات الجزائرية القذرة بفرنسا

Le président algérien Abdelmadjid Tebboune.

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. APP/NurPhoto

في 12/05/2025 على الساعة 12:07

بناء على ملاحظات سرية وتقارير مفصلة، تمكّنت الصحيفة الأسبوعية الفرنسية «لو جورنال دو ديمانش» ، في إطار تحقيق حصري، من إثبات التورط المباشر للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في العمليات الاستخباراتية القذرة التي نفذها النظام الجزائري في فرنسا، وإسبانيا، وحتى داخل الجزائر نفسها. وكانت أهداف هذه العمليات هي المعارضين للنظام وكل من يشكك في سلطة تبون.

التحقيق الذي نُشر في عدد الصحيفة الأسبوعية الفرنسية Le Journal du Dimanche بتاريخ 10 ماي يُعدّ تحقيقا ناريا، ويأتي في وقت تمر فيه العلاقات الفرنسية-الجزائرية بأسوأ أزماتها منذ استقلال الجزائر. نقطة الانطلاق في هذا التحقيق كانت قضية أمير دي زاد، المعارض الجزائري الذي اختُطف وتم احتجازه في فرنسا خلال شهر أبريل 2024 في عملية فاشلة، أسفرت عن وضع دبلوماسي جزائري مشتبه بتورطه في العملية قيد الحجز الاحتياطي من قبل السلطات الفرنسية.

انطلاقا من شهادات مصادر أمنية ودبلوماسية في كل من فرنسا والجزائر، أعادت جريدة «لو جورنال دو ديمانش» تتبع خيوط هذه القضية التي تبيّن أنها ليست حالة معزولة. فقبل اختطاف أمير دي زاد، تعرّض معارضون آخرون للمصير نفسه في فرنسا وإسبانيا، في حين يعيش المعارضون داخل الجزائر، مثل الكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال، المحتجز تعسفيا منذ نونبر 2024، تحت التهديد الدائم بالاعتقال لمجرد تجرؤهم على معارضة النظام. ويوجد حاليا نحو 250 معتقل رأي في السجون الجزائرية، غالبيتهم من الصحافيين، والشعراء، والكتّاب، والناشطين، بتهم ملفقة مثل «تمويل الإرهاب» أو «المساس بأمن الدولة».

ماذا يجمع بين هؤلاء؟ معارضتهم للنظام وانتقادهم للسلطة التي يمثلها عبد المجيد تبون. موضوع كهذا سبق أن تطرقت إليه القناة الفرنسية «فرانس 2» في تحقيقين ضمن برنامج «عين الأخبار»، حيث سلطت الضوء على التهديدات والضغوط التي يتعرض لها المعارضون الجزائريون في فرنسا من قبل السلطات الجزائرية. وقد أثارت تلك التقارير حينها غضب النظام الجزائري الذي سارع إلى وصفها بالأكاذيب وحملة إعلامية معادية ضد الجزائر.

لكن تحقيق «لو جورنال دو ديمانش» جاء ليغرس مسمارا جديدا في نعش مصداقية الرئاسة الجزائرية. فإذا كانت التحقيقات الفرنسية قد أثبتت تورط الاستخبارات الجزائرية في اختطاف أمير دي زاد، فإن الجديد هنا هو الكشف، بالأدلة، عن هوية من يقف خلف هذه العمليات: عبد المجيد تبون شخصيا. هكذا يُرسم في التحقيق بورتري قاتم للرئيس الجزائري: رجل بممارسات مافيوزية، كان قد عرض في غشت 2024، ضمن وعوده الانتخابية، خطته لـ«الجزائر الجديدة»، قائلا إنه سيعمل على استرجاع المعارضين السياسيين في الخارج «بجميع الوسائل»، أولئك الذين «يتكلمون خارج الوطن»، على حد تعبير الصحيفة.

مدمن على الكحول، حاقد، ومندفع... الوجه الحقيقي لـ«عمي تبون»

في الجزائر وفي أوساط الجالية، يُطلق عليه لقب «عمي تبون». عبارة تحمل طابعا ودودا على ألسنة مؤيدي النظام، لكنها تكتسي طابعا تهكميا عند من يرون في تبون مجرد دمية عيّنتها الطغمة العسكرية لكتم أصوات الحراك وخدمة مصالح الفساد.

بعيدا عن الصورة الأبوية المتزنة التي يحاول تبون تقديمها، يرسم تحقيق «لو جورنال دو ديمانش» صورة مختلفة تماما للرجل، إذ يصفه وزير سابق في حكومته بأنه «مندفع للغاية». وهو توصيف مخفف، حسب الصحيفة، لشخص يتّسم بسلوك غير متوقَّع ويفتقر تماما إلى السيطرة على نفسه، لدرجة أن «نوبات غضبه ترعب حتى أعلى دوائر السلطة»، كما ورد في التحقيق.

وفي الجزائر، لا يبدو أن السبب وراء مزاج تبون المتقلّب سرّ كبير: إنه إدمانه على الكحول. وقد اعتبر التحقيق أن هذا التفصيل ليس عابرا بل «أساسي». ويضيف الوزير الجزائري السابق أن «كل من يعمل معه يعيش في رعب من طباعه النارية، التي ازدادت حدّة منذ أن أقلع عن الكحول والسجائر».

منحدر سلس ينزلق عليه الرئيس الجزائري منذ عام 2020، وهو العام الذي أصيب فيه بنوع خطير من فيروس كوفيد-19 استدعى نقله إلى ألمانيا من أجل العلاج.وعند عودته، اضطرّ ساكن قصر المرادية إلى التخلي عن عاداته، والتي تشمل « جرعات الويسكي وعلبتين من السجائر يوميا »، كما يواصل المصدر، في إشارة إلى رجل أصبح منذ ذلك الحين « يستسلم لنوبات غضب تهز جدران المرادية ».

وبين معاناته من الحرمان وانقطاعه القسري عن عاداته، « لم يعد يتحمل النقد »، كما يوضح أحد الأطر الذين كانوا مقرّبين من الرئيس، في تصريح لصحيفة « لو جورنال دو ديمانش »، مُسجلا حادثة حديثة تمّ خلالها إقصاء مستشار لمجرّد أن تبون علم بأنه لا يشاركه الرأي، خصوصا في ما يتعلق بمطاردة المعارضين.أما دبلوماسي آخر، تحدث بدوره للصحيفة محاولا التخفيف من حدة هذه الصفات، فلم يتوانَ عن وصف تبون بأنه رجل لا يعرف التمييز بين الأمور: « مشكلته أنه عاطفي. إما أن يُحب أو يكره. وإذا كرهك، تصبح عدوه الشخصي ويسعى للإضرار بك ».

سياسة جزائرية قائمة على منطق شخصي بحت: «إما معي أو ضدي!»

وهكذا، فإن الخط السياسي لعبد المجيد تبون يبدو بعيدا كل البعد عن مصلحة بلاده. « في الدوائر العليا، لا يخفى على أحد أن العديد من شخصيات النخبة السياسية، الذين يوجدون اليوم خلف القضبان، قد تصادموا مع الرئيس في وقت من الأوقات »، كما توضح الصحيفة الأسبوعية.

وفي الجزائر، تدفع المعارضة ثمنا باهظا، وتُقابل، على أقل تقدير، بمنع من مغادرة التراب الوطني، وهو إجراء يُوزّع بشكل عشوائي حسب مصدر أكد أن « مذكرات المنع تصدر أحيانا دون معرفة السبب ». المستهدفون الرئيسيون بهذه التدابير هم: مدونون، صحفيون، سياسيون أو حتى مجرد مثيرين للقلق، يبدو أن « تبون قد ثبّت عليهم هوسا واضحا »، إلى درجة « أصبحت فيها المسألة أشبه بهوس مرضي ».

أمير دي زاد.. العدو اللدود لتبون

لكن هناك معارض واحد ينجح بشكل خاص في إثارة غضب الرئيس: أمير دي زاد. كراهية تبون لهذا « اليوتيوبر » بلغت ذروتها منذ أن هاجمه هذا الأخير في مارس 2021، متهما السيدة الأولى بضلوعها في اختلاسات مالية، ومتحدثا عن علاقات نجل الرئيس، خالد تبون، بأحد أباطرة المخدرات. « كان التأثير فوريا: دخل الرئيس في نوبة غضب عارمة »، حسب ما جاء في التحقيق الصحفي.

وناسيا دوره كرئيس دولة، حوّل تبون المسألة إلى قضية شخصية، إلى درجة أنه كلف، منذ عام 2021، مدير ديوانه والمقرّب منه، بوعلام بوعلام، بمهمة استرجاع أمير دي زاد بأي وسيلة، وفقا لما جاء في المقال.

ولكي ينجح فيما فشل فيه سلفه عبد العزيز بوتفليقة، الذي لم يتمكن من ترحيل أمير دي زاد رغم سبعة طلبات قدمت بين 2013 و2019، صعّد تبون من خطورة الاتهامات الموجهة إلى اليوتيوبر.

فاتهامات التشهير، والمسّ بالوحدة الوطنية، أو الاحتيال، لم تكن كافية لإقناع القضاء الفرنسي، إذ أوضحت مصادر قضائية أن « العناصر التي قدمتها الجزائر لا تبرر إطلاق مسطرة الترحيل »، هذا بالإضافة إلى أن بعض الطلبات كانت تتضمن تزويرا فاضحا.في أبريل 2021، انتقل رئيس « الجزائر الجديدة » إلى مرحلة تصعيد جديدة، من خلال تقديم طلبين جديدين للترحيل عبر موفده الخاص، استندا هذه المرة إلى تهم أكثر خطورة: « تمويل الإرهاب ». لكن مرة أخرى، فشل النظام الجزائري بسبب غياب الأدلة الكافية لدعم هذا الاتهام.

وبالنسبة لعبد المجيد تبون، الذي فقد السيطرة على أعصابه، فإن هذا الرفض كان غير مقبول، وكان لا بد من تجاوزه. وهنا، اختارت الجزائر « تفعيل أجهزتها »، كما جاء في تحقيق « لو جورنال دو ديمانش »، لوضع حد للأصوات المعارضة بأي ثمن، تنفيذا لإرادة الرئيس.

انطلاق حملة مطاردة المعارضين

وما تلا ذلك معروف: موجة من الاعتقالات التعسفية تجتاح الجزائر، لم تعد هناك صحافة مستقلة، وأصبحت حرية التعبير مجرد ذكرى من الماضي، وبدأ الخناق يضيق على من لا يزالون يجسدون شكلا من أشكال الحرية من خلال الإبداع، مثل الكتّاب، الشعراء، والفنانين.وهذه الحملة لم تتوقف داخل البلاد، بل امتدت إلى الخارج، لكن تنفيذها الرديء جعلها تتحول إلى فشل ذريع، واحتلت عناوين الصحف.

في غشت 2023، كما يسرد تحقيق «لو جورنال دو ديمانش»، كان الصحفي عبدو سمار، المحكوم عليه بالإعدام غيابيا في بلده، ضحية اعتداء في منطقة باريس، نُفّذ على يد شخص سافر - في مصادفة غريبة - بعد أربعة أيام فقط إلى الجزائر، قبل أن يُلقى عليه القبض في فرنسا عند عودته في دجنبر 2023. « وفقا لمعلوماتنا، كان هدفه الوصول إلى الهاتف المحمول لسمار من أجل التعرف على جهات اتصاله »، كما تشير الصحيفة الفرنسية.

ثم جاء دور أمير DZ، الذي اختُطف واحتُجز في أبريل 2024. قضية متفجرة دقّق فيها تحقيق صحيفة «جورنال دو ديمانش»، لكشف تشعباتها التي تقود إلى ممرات قصر المرادية، مستندا إلى عمل المحققين الفرنسيين. إذ بات من المؤكد أن: « قضية أمير DZ ليست من تدبير مجرمين معزولين. لقد تم التفكير فيها وتخطيطها في الجزائر، بمشاركة مباشرة من ضباط يعملون تحت غطاء دبلوماسي»، كما يؤكد المقال.

وفي 17 أكتوبر 2024، جاء دور هشام عبود، الصحفي والعسكري السابق، الذي اختُطف في برشلونة على يد رجال مسلحين كانوا يعتزمون نقله على متن يخت، قبل أن تنقذه تدخلات عاجلة من الحرس المدني الإسباني في اللحظة الأخيرة. وبعد توقيف اثنين من الخاطفين، « نسب المحققون الفرنسيون والإسبان، هذه العملية أيضا، إلى الجزائريين »، كما يوضح المقال، مشيرا إلى أن « السلطات الجزائرية تكنّ له عداء بسبب علاقاته المزعومة مع الأجهزة المغربية ».

رجال عبد المجيد تبون لكل المهمات القذرة

لأداء المهام القذرة، اختار الرئيس الجزائري رجلا ورد اسمه مرارا في الوثائق والشهادات التي جمعتها الصحيفة الفرنسية. «الجنرال صادق هو من نسق كل شيء في قضية أمير DZ»، بحسب ما أفاد به إطار رفيع في أحد الأجهزة المتخصصة. ويوضح التحقيق أن «الاسم المستعار صادق يخفي وراءه الجنرال رشدي فتحي موساوي، رئيس المديرية العامة للتوثيق والأمن الخارجي (DGDSE)، وهي الهيئة القوية التي تشرف على عمل عملاء الجزائر في الخارج». وكان هذا الأخير يشغل منصبا في باريس بين عامي 2022 وأكتوبر 2024، وقد كُلّف بـ«الإشراف على العمليات القذرة التي نُفذت على الأراضي الفرنسية».

وترسم الصحيفة الفرنسية في تحقيقها صورة مفصلة لهذا الرجل، «الطموح والملفت بحبه للبذخ، والذي لم يكن في عام 2020 سوى عقيد يبلغ من العمر 48 عاما، قبل أن تدفعه إصابة الرئيس بالمرض إلى الدخول في دوائر السلطة العليا».

وبصفته صديقا لمحمد تبون، نجل الرئيس، فقد «أصبح هذا الضابط الصغير، الذي كان مكلفا سابقا بتحقيقات التأهيل الأمني في المديرية العامة للأمن الداخلي الجزائري، أحد أقوى المسؤولين في البلاد خلال أقل من أربع سنوات»، كما يورد التحقيق، ليصبح «رجل ثقة الرئيس وذراعه الضاربة، بل وركيزة ما يُعرف في الجزائر بـ«الطائفة الرئاسية»، في إشارة إلى الحلقة المقربة من تبون والتي تمسك بزمام السلطة الفعلية»، وفقا لأحد مصادر الصحيفة.

تورط مباشر للرئيس الجزائري

بيد أن «العقيد صادق لا يعمل بمفرده» في عمليات ملاحقة ومعاقبة معارضي تبون، كما تكشف هذه التحقيقات التي تسلط الضوء أيضا على أحد أصدقائه المقرّبين الذي عيّنه، في أبريل الماضي، بصفة مؤقتة «بموافقة من الرئاسة». ويتعلق الأمر بمحمد وسيم عبلول، المعروف أيضا بلقب «عبد الغني»، وهو ضابط في الأربعينات من عمره ينتمي إلى المديرية العامة للأمن الداخلي الجزائرية، وكان مكلفا بـ«الملفات الخاصة»، أي بالعمليات السرية، وخصوصا مراقبة المعارضين، وتحييدهم، واختراق الحركات المعارضة في الخارج.

وتعتبر الصحيفة أنه أصبح «خليفة الجنرال صادق في باريس»، مشيرة إلى أنه لم يقدّم نفسه بعد، كما تقتضي الأعراف، إلى مصالح DGSI الفرنسية، ما يدلّ على «ازدراء واضح تجاه فرنسا».

وأخيرا، لاستكمال «عصابة تبون»، هناك بوعلام بوعلام، مدير ديوان الرئاسة والرجل القوي في القصر، «الذي يصدر التعليمات الرئاسية»، والتي تتضمن، «حسب الحالات، مراقبة، أو شراء الذمم، أو ترهيب، أو تحييد الناشطين».

وتوضح صحيفة «لو جورنال دو ديمانش» أن الآثار التي خلّفها العملاء الجزائريون سهّلت تتبّع خيوط القضية حتى الوصول إلى الجزائر. حتى ذلك الشخص الذي وُضع لتتبع سيارة أمير DZ كشف عن معطيات، رغم أن العملاء الجزائريين أضرموا النار في سيارته.

ما تقوله مصادر الأسبوعية الفرنسية، ضمنا، هو أن عملاء المخابرات الجزائرية كانوا هواة، وتركوا ما يكفي من الأدلة لإثبات تورط عبد المجيد تبون شخصيا في العمليات القذرة التي نُفذت على الأراضي الفرنسية.

تحرير من طرف زينب ابن زاهير
في 12/05/2025 على الساعة 12:07