روسيا تشطب الجزائر من قائمة حلفائها.. والنظام في حالة تيه تام

Le président russe Vladimir Poutine et l'homme fort de l'est libyen, Khalifa Haftar  lors de leur rencontre à Moscou le 10 mai 2025.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتن والقائد العسكري في شرق ليبيا خليفة حفتر خلال لقائهما في موسكو في 10 مايو 2025

في 12/05/2025 على الساعة 10:44

في إقصاء مهين من احتفالات موسكو بالذكرى الـ80 لنهاية الحرب ضد النازيين، تلقّت الجزائر، التي كانت تُعدّ حليفا تاريخيا مفترضا، صفعة دبلوماسية مدوّية. غيابها عن « يوم النصر » الرمزي في موسكو كشف حقيقة مؤلمة: روسيا لم تعد تعتبر الجزائر لا صديقة ولا حليفة. إنها صفعة جيوسياسية جديدة لنظام معزول، يعاني من جنون الارتياب، ويتّسم بردود أفعال متسرعة، وقد فقد بوصلته وكل مصداقيته أمام العالم.

الاحتفالات أُقيمت يومي الجمعة والسبت الماضيين في موسكو، وسط أجواء من البذخ والفخامة التي تتقنها روسيا، حيث دعا الرئيس فلاديمير بوتين حلفاءه وشركاءه للاحتفال بمرور 80 سنة على انتصار الجيش الأحمر على ألمانيا النازية، في فعالية أُطلق عليها اسم «يوم النصر».

وقد خلّفت الحرب العالمية الثانية أكثر من 20 مليون قتيل في الاتحاد السوفياتي. وشملت الاحتفالات استقبالا رسميا وعرضا عسكريا أقيم يوم الجمعة في الساحة الحمراء.

واعتبرت موسكو المناسبة فرصة لإحصاء أصدقائها في ظل حربها المفتوحة مع الغرب. وكانوا كُثرا بالفعل: 29 رئيس دولة أو حكومة لبّوا الدعوة، بينهم الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا. كما حضر قادة إثيوبيا وكازاخستان وبيلاروسيا وفيتنام وأرمينيا وكوبا وفنزويلا. ومن المنطقة، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، ورئيس بوركينا فاسو إبراهيم تراوري.

Le président russe Vladimir Poutine et le président burkinabé Ibrahim Traoré arrivent pour leurs entretiens à Moscou le 10 mai 2025.

وفي خضم هذا الحشد، كانت الغائب الأبرز هي الجزائر، التي لطالما وصفت نفسها بأنها الحليف رقم واحد لروسيا في إفريقيا، وأحد زبائنها الرئيسيين في مجال التسلح. لم تُوجَّه أي دعوة إلى الرئيس تبون، ولا لأي من وزرائه، ولا حتى لممثل عن الجيش. وكان غياب الجزائر مفاجئا للمراقبين والدبلوماسيين الأجانب، خاصة في الغرب. وكانت الرسالة الروسية واضحة: الجزائر لم تعد صديقة ولا حليفة. بل العكس تماماً.

وباستقبال رسمي للمشير الليبي خليفة حفتر، العدو اللدود لتبون، الذي لم يتوانَ عن مهاجمته مرارا، ولرئيس بوركينا فاسو إبراهيم تراوري، الذي يمثل مع مالي والنيجر ثلاثي الساحل الذي يعيش قطيعة دبلوماسية مع الجزائر، مع سحب متبادل للسفراء، أوضح بوتين أنه يقف في المعسكر المعادي للجزائر. وكل من كان يعتقد العكس في الجزائر، عليه أن يعيد حساباته: يبدو أن الجزائر فقدت موسكو إلى الأبد.

الكلمات تحولت إلى أفعال، وروسيا لم تتوقف عن توجيه الصفعات إلى نظام تعتبره غير موثوق. ولا يزال الرفض الروسي القاطع لانضمام الجزائر إلى مجموعة «بريكس+» في غشت 2023 ماثلا في الأذهان. آنذاك، صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بوضوح: للانضمام إلى بريكس يجب امتلاك وزن اقتصادي ونفوذ إقليمي، وهو ما لا تمتلكه الجزائر. واليوم، لم تعد لها حتى مكانة بين «الدول الصديقة» لموسكو. بينما يُستقبل أعداؤها، حفتر وتراوري، بالأحضان.

يقول أحد المتخصصين في الشأن الجزائري: «ما حدث هو تجسيد درامي لفقدان روسيا الثقة في الجزائر، التي تفتقر قيادتها إلى الاستقرار والثبات. روسيا بحاجة إلى حلفاء موثوقين وذوي عمق استراتيجي، وهو ما تفتقده الجزائر منذ بروز ثنائي تبون-شنقريحة عام 2020».

الخلاصة: في ظل صراع مفتوح مع المغرب، وتوتر مع معظم الدول العربية، وفرنسا (ومن خلالها الاتحاد الأوروبي)، ومع جيرانها في الساحل، لم تعد الجزائر قادرة حتى على الادعاء بأي تقارب ولو وهمي مع موسكو. الاستثمارات الضخمة في شراء الأسلحة الروسية، والتي بلغت وحدها 25 مليار دولار لعام 2025، لم تُغيّر شيئا. بل على العكس: «هذا الاعتماد المفرط على السلاح الروسي هو فخ يغلق على النظام الجزائري تدريجيا. فتوقف بسيط في تزويد قطع الغيار كفيل بتحويل هذا الترسانة إلى خردة»، وفقا لأحد المراقبين.

فماذا بقي للجزائر بعدما أدارت لها روسيا ظهرها؟ لا شيء.

السفينة التائهة

الجزائر اليوم تبدو كأنها سفينة بلا بوصلة ولا وجهة، تسير حتما نحو الاصطدام بالصخور. هذا الإهمال الروسي العلني ما هو إلا تعرية كاملة لفقدان النظام الجزائري لآخر غطاء دولي له. ومن الصعب تخيّل أي دعم محتمل في حال اندلاع أزمة كبرى. فتبون، بسوء إدارته، جعل بلاده تخسر حليفًا قويًا، وعضوا دائما في مجلس الأمن. وما يسمّى بـ« التعبئة العامة« ، التي أطلقها تبون في موقف يبدو أنه يضر بمصالح بلده من حيث لا يدري، لم تكن سوى نداء استغاثة يائس.

وفي تحرك يائس من الرئاسة الجزائرية، حاول السفير الجزائري في واشنطن، صبري بوقادوم، استمالة الإدارة الأمريكية بكل الوسائل، واعدا إياها بـ« السماء » في مجال التعاون العسكري. لكن، هل يمكن تغيير عقيدة عسكرية عمرها ستة عقود بلمح البصر؟ وإن كانت روسيا نفسها، رغم مرونتها، قد فقدت صبرها تجاه تقلبات النظام الجزائري، فهل ستتقبله الولايات المتحدة؟

هل يدرك الرئيس الجزائري عزلة بلاده المتزايدة؟ قطعا لا. بل إن ظهوره التلفزيوني بات أكثر هذيانا من أي وقت مضى، وأكاذيبه صارت فجّة بشكل غير مسبوق. والأسوأ، أنه أصبح أكثر عصبية وتقلّبا. تحقيق ناري نشرته اليوم صحيفة "لو جورنال دو ديمونش" الفرنسية يكشف الكثير عن شخصية رجل يُفترض به أن يكون حكيما واستراتيجيا، لكنه يُقدَّم على أنه ببساطة « غاضب وحقود ».

«إنه شديد الاندفاع»، يقول وزير سابق في حكومة تبون للصحيفة، مضيفا أن نوبات غضبه تُرعب حتى أعلى الدوائر في السلطة. ويؤكد المصدر نفسه أن «كل من يعمل معه يعيش في حالة شلل من طباعه النارية، التي ازدادت حدتها منذ توقفه عن الكحول والتدخين».

رهينة لرئيس مريض بالكذب ويبلغ 80 عاما، لا يزال يصارع إدماناته، تبدو الجزائر اليوم كأنها تكرار مأساوي لتجربة بوريس يلتسين في روسيا. مع فارق زمني يناهز الأربعين عاما. وإن كان على العالم يوما أن يقلق من الجزائر، فاليوم بات لزاما أن يقلق لأجلها.

تحرير من طرف طارق قطاب
في 12/05/2025 على الساعة 10:44