وكان سيفاوي قد نشر في 10 ماي تحقيقا في صحيفة Le Journal du Dimanche بعنوان: «أعمال استخباراتية جزائرية في فرنسا: كل ما يدين تبون ونظامه»، وهو المقال الذي أثار غضب نظام الجزائر. لكن هذه المرة، خصص سيفاوي تدخله على المنصة التلفزيونية لتحليل الوضع السياسي في الجزائر، مسلطا الضوء على قضايا خطيرة تُثار في الخفاء.
تجميد ممتلكات مسؤولين جزائريين في فرنسا
بعد استعراضه الطويل لخلفيات قضية المدون «أمير دي زاد»، تطرق سيفاوي أيضا إلى قضية تجميد أموال مسؤولين جزائريين في فرنسا، والتي كُشف عنها حصريا في مجلة L’Express بتاريخ 28 ماي في مقال بعنوان: «الجزائر: فرنسا تفكر في تجميد ممتلكات عشرين مسؤولا في النظام».
وبحسب ما نقلته المجلة، فإن وزارتي الاقتصاد والداخلية الفرنسيتين تدرسان فرض عقوبات مالية على نحو « عشرين مسؤولا جزائريا رفيع المستوى » في حال حدوث تصعيد جديد في العلاقات بين البلدين. جميع هؤلاء يشغلون مناصب رفيعة في الإدارة أو الأجهزة الأمنية أو السياسية في الجزائر، ولديهم ممتلكات أو مصالح مالية في فرنسا. وتشير المعلومات إلى أن معظمهم متورطون إما في قضية «أمير بوخُرس» (أمير دي زاد) أو في ملفات متعلقة برفض إصدار تصاريح قنصلية للترحيل.
وردا على هذا التهديد المحتمل من فرنسا، سارع النظام الجزائري عبر وكالة الأنباء الجزائرية إلى إصدار بيان جاء فيه: « تفضلوا ونفذوا! »، في نبرة تحدٍ صريحة، زاعما أن الأملاك التي قد تُصادر تعود لمسؤولين سابقين لم يعودوا في السلطة، وأن لا أحد من المحسوبين على فترة حكم عبد المجيد تبون معنيّ بهذا الإجراء. لكن هل هذا الادعاء صحيح فعلا؟
خلف دخان التصريحات الرسمية
بحسب محمد سيفاوي، فإن هذه التصريحات الرسمية من الجزائر هي مجرد «مسرحية». ويؤكد أنه اطلع على المذكرة السرية التي استندت إليها L’Express في تقريرها، ويؤكد أن المعلومات الواردة فيها صحيحة. كما صرح سيفاوي أنه بصدد كتابة مقال خاص يتضمن نشر الأسماء الواردة في القائمة خلال الأيام المقبلة.
وبينما استغرب في البداية من صدور رد رسمي جزائري على مجرد « نية » فرنسية في اتخاذ إجراء قانوني، كشف لاحقا أن القائمة تضم في الحقيقة نحو 54 مسؤولا جزائريا، وليس 20 فقط كما قيل، منهم 20 مسؤولا لا يزالون في مناصبهم، و34 آخرون متقاعدون.
إقرأ أيضا : تحقيق صحفي يكشف التورط المباشر لعبد المجيد تبون في العمليات الجزائرية القذرة بفرنسا
ويقول سيفاوي إن هذه الشخصيات « شغلت مناصب مهمة وتدور حولها شبهات قوية في ما يخص اقتناء ممتلكات بطريقة احتيالية، سواء بانتهاك القوانين الجزائرية أو القوانين المالية الفرنسية ».
تبون « النظيف » و« العصابة » القديمة
طرح عبدو السمّار سؤالا استفزازيا: هل من الممكن أن تكون « الجزائر الجديدة » بقيادة تبون، التي لا تكف عن تحميل النظام السابق مسؤولية كل الأزمات، تتصرف بنوايا حسنة؟ هل من الممكن أن تكون قائمة الـ54 اسما نفسها التي أرسلت بشأنها السلطات القضائية الجزائرية 51 إنابة قضائية دولية في إطار « استرجاع الأموال المنهوبة من نظام بوتفليقة »؟ وإن كان الأمر كذلك، لماذا كل هذا الغضب الرسمي تجاه تقرير فرنسي؟
الإجابة، بحسب سيفاوي، واضحة: النظام الجزائري يفتقر للمصداقية، ويستغل العدالة لتصفية الحسابات السياسية. ويُذكّر بأن « تبون نفسه كان جزءا من تلك العصابة » – وهو الاسم الذي يطلقه الجزائريون على مجموعة من رجال السلطة ورجال المال المحيطين ببوتفليقة، الذين يُتهمون بنهب ثروات البلاد.
تبون، الذي أُقيل من رئاسة الحكومة عام 2017، يزعم اليوم أنه يقود حملة لاسترجاع أموال الدولة المنهوبة، لكنه يفعل ذلك لأسباب انتقامية، بحسب سيفاوي، لأنه لم يغفر لزملائه السابقين إبعاده من المشهد.
أرقام متناقضة وممتلكات غامضة
لكن رغم الخطابات الرنانة، تبقى الوقائع غامضة. فبينما أعلن تبون أن الجزائر استرجعت 20 مليار دولار في 2022، ثم 30 مليارا في 2023، أظهر تقرير Jeune Afrique أن الرصيد الفعلي لصندوق الأموال المصادرة في 31 ديسمبر 2023 لم يتجاوز 159 مليون دولار فقط.
ويتساءل التقرير: كيف للنظام أن يزعم هذا النجاح، في حين أن أصول كبار رجال الأعمال السابقين والجنرالات لا تزال مجهولة المصير؟ بل إن السلطات الجزائرية، التي أرسلت أكثر من 220 طلب إنابة قضائية إلى ثلاثين دولة منذ 2019، لا تبدي أي استعداد للتعاون مع فرنسا إذا قررت هذه الأخيرة تجميد هذه الأصول!
باسم الأب.. والأبناء
فيما يتعلق بالرئيس تبون نفسه، يقول سيفاوي إن « تبون لا يملك ممتلكات في فرنسا، لكن ولدَيه، محمد وخالد، يملكان أموالا هناك »، معلنا هذه المعلومة لأول مرة على الهواء مباشرة.
ولمن لا يتذكر، فإن خالد تبون سبق أن سُجن في سجن الحراش، لكنه خرج بسرعة بفضل تدخل والده بعد انتخابه رئيسا للبلاد مطلع عام 2020، رغم خطورة التهم الموجهة إليه: «استغلال النفوذ»، «سوء استخدام الوظيفة»، «الفساد» و«تلقي هدايا غير مستحقة»، في قضية «البوشي»، المتعلقة بضبط شحنة كوكايين تزن 701 كلغ في ميناء وهران عام 2018.
أما محمد تبون، فقد منحه والده منصب مستشار في شؤون الدولة رغم افتقاره للتجربة، ويقال إنه على علاقة برجال أعمال أتراك، وقد يطاله القضاء عندما يفقد والده الحصانة الرئاسية.
إقرأ أيضا : فرنسا تستعد لتجميد أصول «20 شخصية نافذة» من نظام الجزائر
لهذا، فإن إدراج اسميهما على قائمة تجميد الأصول في فرنسا ليس بالأمر المستبعد. ويؤكد سيفاوي أن « السلطات الفرنسية أكدت له هذه المعلومات »، ويبقى فقط أن نعرف طبيعة هذه الممتلكات: هل هي حسابات مصرفية؟ أملاك عقارية؟ أسهم في شركات؟ استثمارات في العقارات التجارية أو البورصة؟ لا شيء مؤكد حتى الآن، لكن المعلومات قادمة لا محالة.
نفاق النظام الجزائري
واستطرد سيفاوي قائلا إن «هذا هو نفاق النظام الجزائري»، الذي لا يتوانى عن شتم فرنسا صباحا ومساء، ومهاجمة لغتها وثقافتها، بينما يعيش أبناؤه و«أبناء العصابة» هناك، يتمتعون بالتعليم والخدمات الصحية والإقامات الفاخرة.
ويتساءل سيفاوي: لماذا تأخرت فرنسا كل هذا الوقت في التحرك، وهي تملك هذه المعطيات الحساسة عن أبناء تبون؟ ويُرجع ذلك إلى «علاقة سامة وغير صحية بين فرنسا والجزائر منذ سنوات»، داعيا إلى إنهائها فورا. «فرنسا الديمقراطية لا يجب أن تتواطأ مع الديكتاتورية الجزائرية. كفى!»، يختم سيفاوي.