وبحسب بيان رسمي لما سمي بـ«تنسيقية قافلة الصمود»، فإن قرار التراجع جاء بعد تعذر الحصول على الموافقة الأمنية لعبور الأراضي الليبية في اتجاه معبر أمساعد المصري.
هذا القرار سبقه توقيف القافلة في مشارف مدينة سرت، حيث منعتها قوات أمن شرق ليبيا من التقدم لعدم توفرها على التراخيص، بل واعتقلت 15 مشاركا من عدة جنسيات (بينهم 3 جزائريين وتونسيين اثنين و10 ليبيين) بسبب بث مقاطع اعتُبرت مسيئة للسلطات الليبية، ما زاد من توتر الأجواء وأضعف فرص الحل السلمي.
«نحس الجزائر» يفشل المبادرة
من أبرز عوامل الإخفاق في مسار « قافلة الصمود » هو محاولة النظام العسكري الجزائري الاستيلاء السياسي على المبادرة. وكما في حالات سابقة، أظهر هذا النظام هوسه بـ« الزعامة » من خلال السطو على ما لا يملكه، محاولا نسب القافلة إلى نفسه رغم أن تنظيمها تم من طرف « التحالف الدولي لمناهضة الاحتلال » وشاركت فيها فعاليات مدنية من تونس وليبيا والمغرب وأوروبا.
وتحول هذا التسييس إلى تشويه صريح عندما أقحمت شعارات سياسية لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية، بما في ذلك تبني خريطة المملكة المغربية مبتورة من صحرائها، في تحدٍّ صارخ لوحدة الصف المغاربي وروح التضامن التي من المفترض أن تسود مثل هذه المبادرات. وهو ما أثار استياء واسعا في أوساط المشاركين، خاصة من المغرب.
وهكذا، يتكرر المشهد مرة أخرى: متى ما تدخل النظام الجزائري في مبادرة، إلا وكتب عليها الفشل. ليس فقط لأن نواياه ليست إنسانية، بل لأن كل ما يلمسه يصيبه «النحس» ولا يكون مصيره سوى الفشل. فلا مبادرة إنسانية نجحت حين ركبها، ولا حراك شعبي حقق هدفه حين حاول السيطرة عليه.
إقرأ أيضا : قافلة جزائرية نحو غزة: حافلات محملة بالبشر والشعارات الجوفاء.. بلا طحين ولا دواء!
لذلك أُجهضت «قافلة الصمود» قبل أن تصل إلى هدفها، وتحولت من أمل لفلسطين إلى حلقة أخرى من مسلسل العبث السياسي في بلاد «القوة الضاربة».
فوضى تنظيمية
ميدانيا، عانت القافلة من ضعف الإعداد اللوجستي والدبلوماسي، حيث واجهت صعوبات شديدة على الطريق الصحراوي، من نقص في المؤن والأدوية، إلى صعوبة في الإقامة خلال التوقف الاضطراري في سرت.
كما فاقم الوضع غياب خطة بديلة وانعدام التنسيق الرسمي مع السلطات المصرية والليبية، ما حوّل القافلة من أداة تضامنية إلى اعتصام محاصر ومُنهك وسط الصحراء الليبية.
في السياق ذاته، أدت انقسامات داخلية بين المشاركين إلى زعزعة وحدة المبادرة، خصوصا بعد عمليات الاعتقال وانسحاب البعض نحو مصراتة في الغرب الليبي، تحت ذريعة «إعادة التموقع».
من مبادرة إنسانية إلى مأزق سياسي
كل هذه المعطيات تُبرز أن ما كان يمكن أن يشكّل لحظة تضامن مغاربية-دولية نادرة مع الشعب الفلسطيني، تحوّل بفعل سوء التدبير وتدخلات نظام الجزائر إلى عبء سياسي وأمني.
إن فشل «قافلة الصمود» لم يكن فشلا لوجستيا فحسب، بل هو إدانة جديدة لأسلوب التسلط والدعاية الذي ينتهجه النظام الجزائري في استغلال القضايا العادلة لمصالحه الإقليمية الضيقة.
ويبقى السؤال الأهم: من سينقذ فلسطين من «أنصارها المزعومين»؟