رغم محاولات السلطات الجزائرية إدراج ملف الصحراء المغربية ضمن جدول أعمال الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس رواندا بول كاغامي إلى الجزائر، لم يصدر عن الضيف أي تصريح أو تلميح يدعم الطرح الانفصالي، لا خلال الندوة الصحفية التي جمعته بنظيره عبد المجيد تبون في قصر المرادية، ولا عبر منشوراته الرسمية على منصة « إكس ». الأمر الذي فسره مراقبون بفشل ذريع للدبلوماسية الجزائرية في استقطاب تأييد جديد لمشروعها المنهار.
بيد أن النظام الجزائري لم يكتف بالصمت أمام هذا الإحراج، بل لجأ كعادته إلى سياسة التضليل، إذ روّج عبر أبواقه الإعلامية، وفي مقدمتها ما يسمى «وكالة الأنباء الصحراوية»، التي بثت قصاصة زعمت فيها أن الرئيسين كاغامي وتبون عبّرا عن دعمهما لما وصفته بـ« حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره عبر استفتاء حر ونزيه». وهي رواية ملفقة سرعان ما سقطت أمام الحقائق، لتكشف حجم التناقض بين ما يُروّج له إعلام النظام وبين الحقيقة.
وخلافا لما روجته وسائل إعلام جزائرية ومصادر تابعة لجبهة البوليساريو الانفصالية، فإن الموقف الصريح للرئيس الرواندي، الذي حرص على تفادي الخوض في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، فُسر من قبل مراقبين بأنه رسالة واضحة تعكس وعي رواندا بخلفيات التحركات الجزائرية ضد وحدة المغرب الترابية، كما يعزز موقع المغرب دبلوماسيا في القارة الإفريقية، خاصة في ظل تزايد عدد الدول التي سحبت اعترافها بـ«الجمهورية الوهمية».
ويرى محللون أن تبون تلقى صفعة دبلوماسية جديدة، تكشف حدود المناورات الإعلامية والسياسية التي يعتمدها النظام الجزائري، والتي كثيرا ما تصطدم برفض واقعي من زعماء القارة لزجهم في نزاع لا يخدم مصالحهم ولا مستقبل التعاون الإقليمي. لكن يبدو أن السلطات الجزائرية لم تتعلم من إخفاقاتها المتكررة في إقحام قضية خاسرة في أجندات زيارات رؤساء الدول.
ويجدر التذكير بأن رواندا كانت قد سحبت اعترافها بما يسمى « الجمهورية الصحراوية » سنة 2015، في خطوة شكلت آنذاك مؤشرا على التحول العميق في مواقف عدد من الدول الإفريقية تجاه هذا الكيان غير المعترف به من قبل الأمم المتحدة.
إن هذه الواقعة ليست سوى دليل إضافي على العزلة المتزايدة التي باتت تحاصر الطرح الجزائري، في مقابل الزخم الدولي المتصاعد لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، التي تحظى بدعم قوي من قوى دولية كبرى وعدد متزايد من الدول الإفريقية.
ما جرى خلال زيارة كاغامي إلى الجزائر يفضح بشكل واضح نهج الكذب السياسي الذي يعتمد عليه النظام الجزائري لتلميع صورته داخليا، وادعاء مكاسب دبلوماسية زائفة أمام الرأي العام. غير أن تكرار هذا الأسلوب يكشف إفلاسه وعجزه عن مواكبة التحولات الإقليمية والدولية التي تجاوزت أطروحاته البالية.
مرة أخرى، يُثبت النظام الجزائري أنه لا يتردد في اللجوء إلى فبركة التصريحات وتزوير المواقف لخلق إنجازات دبلوماسية وهمية في ملف بات يشكل عبئا سياسيا واقتصاديا عليه، فيما تُدير دول إفريقية عديدة ظهرها للأوهام الانفصالية، وتقر بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ضمن مقاربة تنموية وسلمية تعكس واقعية الرباط ومصداقيتها.