فضيحة معاشات المتقاعدين الجزائريين: فرنسا تعلن الحرب على تحايل يكلفها 80 مليون يورو سنويا

صورة مركبة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

في 29/05/2025 على الساعة 18:43

تتجه السلطات الفرنسية خلال عام 2025 نحو تنفيذ إجراءات رقابية غير مسبوقة على معاشات التقاعد الموجهة لآلاف المتقاعدين الجزائريين المقيمين في بلدهم، وذلك في أعقاب اكتشاف تحايلات واسعة النطاق، من بينها صرف المعاشات لمتوفين أو عبر وثائق مزورة. هذه الخطوة التي وُصفت بـ«الحازمة»، تأتي في إطار محاولات باريس لوقف ما تعتبره «نزيفا ماليا» يقدر بـ80 مليون يورو سنويا.

ووفقا لتقرير صادر عن مجلس المحاسبة الفرنسي بتاريخ 26 ماي 2025، تعتزم صناديق التقاعد تعليق صرف المعاشات لحوالي15 ألف متقاعد جزائري خلال هذا العام، للاشتباه في استفادتهم من هذه الأموال بطرق غير قانونية.

كما أعلنت السلطات الفرنسية عن خطة لاستدعاء50 ألف متقاعد جزائري لإثبات بقائهم على قيد الحياة، على أن يرتفع العدد إلى 60 ألف مستفيد سنويا ابتداء من عام 2026، بهدف تغطية جميع الحالات خلال ست سنوات.

الجزائر في مرمى التدقيق

رغم أن خطة التدقيق تشمل أيضا دولا أخرى بينها المغرب وتونس وتركيا، فإن الجزائر نالت الحصة الأكبر من هذه الرقابة. إذ يُنتظر أن يخضع 60 ألف جزائري سنويا للإجراءات التدقيق، مقارنة بـ8 آلاف مغربي، و800 تركي، و2000 تونسي فقط.

ويرجع هذا التركيز على الجزائريين، حسب التقرير، إلى الحجم الكبير للخسائر المرتبطة بملفات المتقاعدين الجزائريين، بالإضافة إلى ما كشفت عنه المراقبة الميدانية من أن 44% من المتقاعدين في عينة تمثل 10% من فئة عمرية معينة لم يُصرّحوا بوفاتهم.

وتشير المعطيات إلى أن فرنسا تعتزم وضع حد نهائي للثغرات التي تسمح باستمرار استفادة متقاعدين جزائريين من أموال عمومية بغير وجه حق، في إطار سياسة محاسبية أكثر صرامة ورقابة رقمية متطورة.

ردود غاضبة في الجزائر

انتقدت الصحافة الجزائرية هذا الإجراء بشدة، معتبرة أنه « يعرّض الآلاف لخطر فقدان معاشاتهم دون آليات واضحة للاستئناف ».

وذهبت بعض المنابر المتخصصة في الترويج لأطروحات النظام، مثل جريدة الشروق، إلى حد اتهام فرنسا بـ«التحامل» على الجزائريين، مشيرة بطريقة لا تخلو من خبث إلى أن نسب التحايل أعلى لدى المتقاعدين المغاربة، لكن المغاربة لم يواجهوا بالصرامة نفسها.

وفي السياق ذاته، تساءلت وسائل إعلام مقربة من النظام الجزائري عن الأبعاد السياسية الكامنة خلف هذه الإجراءات، في ظل توتر العلاقات بين باريس والجزائر منذ أشهر، على خلفية ملفات الهجرة، والتعاون الأمني، و«ذاكرة الاستعمار».

وليد كبير: «النظام يُقحم الجالية في صراعات لا تخصها»

حذر المعارض الجزائري وليد كبير من تبعات التصعيد السياسي الذي يتبناه النظام الجزائري، مؤكدا أنه يهدد مصالح الجالية الجزائرية في فرنسا، لا سيما المتقاعدين وكبار السن.

وقال كبير في مقال نشره على موقعه الإلكتروني: «في ظل تلويح باريس بإجراءات ردعية تشمل التأشيرات والمعاملات القنصلية وحتى تجميد الأصول، تأتي مثل هذه الفضائح لتُعمق الهوة وتدفع الجزائريين إلى قلب صراع لا علاقة لهم به».

وأضاف متسائلا: «أليس من الأولى أن تُركز السلطات الجزائرية على حماية مصالح مواطنيها بالخارج، بدلاً من الدفع بهم في معارك عبثية؟».

تصعيد متواصل وتبعات متداخلة

يندرج هذا الإجراء الجديد ضمن سلسلة قرارات تصعيدية اتخذتها باريس ردا على قرارات انفعالية -غير محسوبة العواقب- من طرف النظام العسكري، من بينها تشديد منح التأشيرات وتقليص عددها بشكل ملحوظ، وتعليق مشاريع تعاون ثنائية في مجالات متعددة. كما شهدت العلاقة بين البلدين خفضا في التمثيل الدبلوماسي وتبادل رسائل سياسية مشحونة أعادت إلى الواجهة توترات الحقبة الاستعمارية.

وفي ظل هذه الأوضاع، يبدو أن ملف معاشات التقاعد قد تحول إلى ساحة جديدة للتجاذب السياسي، يُوظف فيها العامل الإنساني والاجتماعي كورقة ضغط متبادلة. وبينما تُصر باريس على فرض الانضباط المالي، تتصاعد مخاوف من أن تستغل الحكومة الجزائرية هذه الإجراءات لتأجيج المشاعر المعادية لفرنسا، في وقت تزداد فيه الضبابية حول مستقبل العلاقة بين البلدين.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 29/05/2025 على الساعة 18:43