المشاركة في مناورات «الأسد الإفريقي»: ماذا يعني انسحاب الجزائر؟

خلال عمليات مناورات الأسد الإفريقي 2023 على التراب المغربي

في 14/04/2025 على الساعة 19:50

جعلت الجزائر من نفسها أضحوكة مرة أخرى بانسحابها في اللحظة الأخيرة من مناورات «الأسد الإفريقي»، بعد أن أعلنت في السابق مشاركتها بصفة مراقب. بين التخبط الدبلوماسي، والتأرجح بين موسكو وواشنطن، والتوتر مع باريس، يبدو أن الجزائر وكأنها تسير على غير هدى. إن النظام الجزائري لا يفتقر إلى بوصلة فقط، بل يفتقر إلى قيادة أيضا.

نشر هذا الخير يوم السبت من قبل «ميناديفانس» (Menadefense)، وهو موقع دعائي يعمل لصالح الجيش الجزائري. وكشف مشاركة الجزائر في المرحلة التونسية من مناورات الأسد الإفريقي العسكرية، التي انطلقت الاثنين 14 أبريل الجاري، وتعد الأكبر من نوعها في إفريقيا. واقتصرت هذه المشاركة على إرسال مراقب. ولكن المثير للاستغراب أن النظام الجزائري غير رأيه مرة أخرى وتراجع في نهاية المطاف، قبل 24 ساعة فقط من بدء المناورات. وتم حذف الإعلان السابق منذ ذلك الوقت.

ماذا يعني هذا التغير المفاجئ؟ يعني بكل بساطة الارتجال الذي يسود حاليا هرم السلطة الجزائرية، التي تسير على غير هدى، دون مرجعية واضحة ودون النظر إلى خرائط الطريق التي استخدمتها منذ عام 1962. ومن وجهة نظر العلاقات الدولية، أحاط النظام نفسه بحلقة من النار. في سعيه لإقامة تحالفات جديدة، يخسر على جميع الأصعدة. إن المجانين المتواجدين على رأس النظام غير قادرين على الخروج من الأزمات التي لا تعد ولا تحصى التي أثاروها. وفي محاولتهم لأن يظهروا لروسيا أنهم قادرون على تنويع شركائهم، وقعوا على فصل يظهر مدى اضطرابهم وضياعهم.

ولم يصدر أي تفسير رسمي أو غير رسمي، سواء لإعلان مشاركتها في مناورات الأسد الإفريقي أو لإلغائها. إن حجة مقاطعة الجزائر بسبب الوجود الإسرائيلي غير مبنية على أساس، فتل أبيب غير موجودة في تونس. بمشاركة ثماني دول (مصر، وغانا، وكينيا، وليبيا، ونيجيريا، وإسبانيا، وتونس والولايات المتحدة)، فإن المناورات التونسية تمثل جزءً صغيرا فقط من مناورات 2025، والتي من المقرر أن تتم أيضا في السينغال وغانا، بالإضافة إلى المغرب، حيث تم التخطيط للجزء الأكبر من العمليات بحضور ما لا يقل عن 16 دولة (الكاميرون، والرأس الأخضر، وجيبوتي، وفرنسا، وغامبيا، وغانا، وغينيا بيساو، والمجر، وإسرائيل، وكينيا، والمغرب، وهولندا، ونيجيريا، والبرتغال، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة).

وفي تونس، كانت الجزائر من بين ست دول مراقبة أخرى وهي: بلجيكا، والهند، وقطر، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية الكونغو، وغينيا الاستوائية. إن سبب تراجع الجزائر يكمن في عدم قدرتها على تحديد مسار جيوسياسي أو استراتيجي واضح. فمن ناحية، وأمام حدودية ترسانتها الروسية واعتمادها الكبير عليها، انخرطت الجزائر في محاولة لمغازلة الإدارة الأميركية الجديدة من خلال الحديث مؤخرا عن إمكانية شراء الأسلحة الأميركية. والدليل على ذلك الخرجة الإعلامية لسفير الجزائر لدى الولايات المتحدة، صبري بوقادوم، يوم 7 مارس الماضي على أعمدة الموقع الأمريكي «DefenseScoop».

وبعد أن اكتسب زخما بفضل مذكرة التفاهم العسكرية التي وقعت في 22 يناير الماضي بين الولايات المتحدة والجزائر (ممثلة على التوالي بقائد القيادة الإفريقية الجنرال مايكل لانغلي وسعيد شنقريحة، قائد الجيش الوطني الشعبي)، تحدث الدبلوماسي الجزائري مطولا عن الانتقال من الاعتماد العسكري شبه المطلق على روسيا إلى التسليح الأميركي الشامل. سابقة تاريخية. وقال السفير ردا على سؤال للوسيلة الإعلامية الأمريكية حول أولويات الجزائر في هذا التعاون العسكري: «السماء هي الحد». ومن أجل ذلك، شكلت البلدان ثلاث مجموعات عمل للتخطيط لتنفيذ مذكرة التفاهم.

ومن ناحية أخرى، تخشى الجزائر بشدة من الأعمال الانتقامية التي قد تنجم عن خيانتها لحليفها السابق. إن عقد اتفاق مع الولايات المتحدة والمشاركة في «مناوراتها» في إفريقيا لهما دلالة رمزية قوية تنضافان إلى العملية التي قامت بها ضد مالي، حيث تتم محاربة الانفصاليين الطوارق، المدعومين من النظام الجار، من قبل روسيا نفسها. إن المشاركة في مناورة أميركية في «المنطقة» بمثابة تقديم مؤشرات على نقطة تحول محتملة. بين تحالفاتها الماضية وطموحاتها الحالية، تفقد الجزائر توازنها. إن المخاطرة بفقدان الغطاء الروسي لا تضمن الحصول على غطاء الولايات المتحدة الأميركية. على العكس تماما. فقط قادة الجزائر يعتقدون أنهم قادرون على تحرير أنفسهم من 65 عاما من التبعية للأسلحة الروسية من خلال الرغبة المفاجئة في تغيير المورد.

ولكن هذا ليس المجال الوحيد الذي تتخبط فيه الجزائر، بسبب الافتقار إلى الخيارات الواضحة والحسابات الحكيمة. فهناك دليل آخر: إن الانبطاح المهين الذي أظهره النظام الجزائري تجاه فرنسا، في نهاية أزمة استمرت ثمانية أشهر على خلفية الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، لا يضاهيه إلا استمرار عملائه في فرنسا وردود الفعل الهستيرية التي أعقبت اعتقال عميل جزائري يحمل صفة دبلوماسي مؤخرا.

إن الحس السليم يقتضي من الدبلوماسية الجزائرية أن تتريث وتدرس مخرجا يحافظ على مظهر المصالحة التي بدأت بين البلدين. لكن المنطق ليس جزائريا. فقد قرر النظام الجزائري طرد اثني عشر موظفا فرنسيا متواجدين في الجزائر، وذلك إثر الهجمات اللفظية التي وردت في بيان نشر السبت الماضي، حسب ما أعلن عنه وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، يومه الاثنين. وأضاف «أدعو السلطات الجزائرية إلى التخلي عن إجراءات الطرد هذه التي لا علاقة لها بالمسطرة القضائية الجارية». وهكذا، فإن النظام الجزائري لم يعد يعرف إلى أين يتجه، ويتأرجح بين الانبطاح وردود الفعل الهستيرية. وإذا كانت القرارات الخرقاء لا تقتل، فإنها قد تدمر بلدا. وفي ظل العلاقات مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، كما في ظل العلاقات مع فرنسا، هل تملك الجزائر فعلا القدرة على الاستمرار في تخبطاتها الاستراتيجية المتكررة؟ وفوق كل ذلك، إلى متى يستطيع «النظام» الصمود أمام هذه الوضعية؟


تحرير من طرف طارق قطاب
في 14/04/2025 على الساعة 19:50

مرحبا بكم في فضاء التعليق

نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.

اقرأ ميثاقنا

تعليقاتكم

0/800