وقد صدر الحكم بعد محاكمة وصفها كثيرون بأنها مهزلة قضائية، إذ أُدين صنصال بالسجن لخمس سنوات لأنه قال في مقابلة مع أسبوعية فرنسية بتاريخ 2 أكتوبر 2024:« عندما استعمرت فرنسا الجزائر، كان الجزء الغربي من الجزائر جزءا من المغرب.« وهو تصريح يُعد بديهيا من وجهة نظر تاريخية، لكن النظام الجزائري اعتبره خيانة عظمى تستوجب السجن المؤبد.
في الحقيقة، لم يقل بوعلام صنصال سوى الحقيقة، فمناطق توات، تيديكلت، قورارة، تندوف، بشار، وتبلبالة كانت أراضي مغربية عبر التاريخ، تُدار من طرف قياد يُعيِّنهم سلاطين المغرب.
أما تلمسان، فقد كانت، من سنة 790 حتى 1554، أي لحوالي ثمانية قرون – مع فترات استثناء قصيرة في أواخر القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر – تابعة للمغرب. فقد خضعت لأربع فترات حكم مغربي:
- تحت حكم الأدارسة من 790 إلى 931،
- ثم المرابطين من 1078 إلى 1143،
- ثم الموحدين من 1143 إلى 1236،
- وأخيرا المرينيين من 1337 إلى 1358.
أما غرب الجزائر في زمن الأمير عبد القادر، فكان كذلك في صلب المجال المغربي. فعبد القادر، المولود عام 1808 في معسكر، يمكن اعتباره مغربيا من حيث الانتماء، لأنه ينتمي إلى قبيلة هاشم العربية التي تتحدر من السلالة الإدريسية، مؤسسة أول دولة مغربية في القرن التاسع.
إقرأ أيضا : المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان يكتب: بوعلام صنصال مُذنب لكسره «طابو» التاريخ الجزائري
علاوة على ذلك، فإن والده محـي الدين، كان في عشرينيات القرن التاسع عشر خليفة السلطان المغربي في تلمسان، المدينة التي، كما سبق ذكره، كانت طوال قرون تحت النفوذ المغربي. وكان محي الدين يعترف بسلطة السلطان المغربي الدينية، وبالتالي السياسية. وقد لاحظ الجنرال الفرنسي المستقبلي لويس دو لاموريسيير سنة 1831 أن سكان وهران كانوا « يدعون في الصلاة لملك المغرب »، في إشارة إلى ولائهم الديني والسياسي للمغرب.
كما أن عبد القادر تزوج بإحدى بنات السلطان المغربي مولاي عبد الرحمن (1822–1859).
وفي سنة 1818، سُجن محي الدين لأول مرة بسبب معارضته للسلطة العثمانية. وفي 1824، اعتُقل رفقة ابنه عبد القادر من طرف الداي التركي لوهران بتهمة التمرد، بسبب ارتباطهما بالمغرب.
وعقب الإنزال الفرنسي في يوليوز 1830 وانهيار الحكم العثماني في الجزائر، ناشد سكان تلمسان السلطان المغربي مولاي عبد الرحمن لحمايتهم. واستجابة لهذا النداء، عيّن السلطان ابن عمه مولاي علي بن مولاي سليمان خليفة له في تلمسان، وسي بنّونة باشا. وسيطر الخليفة المغربي على أجزاء من بايليك وهران العثماني، ومنها تلمسان. كما اعتُبر الأمير عبد القادر، مثل والده من قبله، خليفة للسلطان في المنطقة، وقد دعمه المغرب بالسلاح والتموين.
وعليه، فإن بوعلام صنصال كان محقا تماما، فقبل الحقبة الاستعمارية، كان المغرب المركز السياسي والديني والاقتصادي والتجاري لكل غرب الجزائر ومناطق من الصحراء.
لكن مع التقسيمات الاستعمارية، رُسمت حدود جديدة تجاهلت الحقائق التاريخية والاجتماعية، وأسفرت عن ميلاد الجزائر الحالية بحدودها الموروثة عن الجزائر الفرنسية، والتي استُقطعت من المغرب، وهو أمر يرفض النظام الجزائري الاعتراف به.
وبتذكيره بهذه الحقائق التاريخية، وجّه بوعلام صنصال ضربة قاصمة لـ« النظام » الجزائري، إذ كسر المحرّم الأكبر الذي تقوم عليه الرواية التاريخية الزائفة التي صُنعت منذ سنة 1962، والتي لا يزال يتمسّك بها الشيوخ الحاكمون في الجزائر.