تتوالى تحليلات المحللين المرموقين الذين يمثلون مراكز تفكير رفيعة المستوى في الولايات المتحدة، تحليلات تحذر من المخاطر التي تمثلها جبهة البوليساريو، وهي عصابة فاقدة للبوصلة مشكلة من المرتزقة، والتي تحولت إلى وكيل للإرهاب الدولي. وآخر هذه التحليلات تحليل روبرت غرينواي، مدير مركز أليسون للأمن القومي في هيريتيج فوندايشن، القاعدة الأيديولوجية لإدارة ترامب. وتحظى هذه الشخصية المتميزة بدعم أمين غوليدي، الباحث في معهد شيلبي كولوم ديفيس للأمن القومي والسياسة الخارجية التابع للمؤسسة نفسها. أمين غوليدي يواصل حاليا دراسته للحصول على درجة الدكتوراه في الجغرافيا السياسية والأمن في مدرسة الدراسات الأمنية في كينجز كوليدج بلندن.
وفي مقال نشر يوم الأربعاء 21 ماي في موقع «ديلي سيغنال» (The Daily Signal)، وهو موقع إلكتروني محافظ معروف في الولايات المتحدة، وصل الباحثان إلى حقيقة جلية واضحة. البوليساريو منظمة إرهابية ويجب اعتبارها كذلك من قبل الغرب والمجتمع الدولي برمته. تحت عنوان واضح: «لماذا يجب على الولايات المتحدة مواجهة جبهة البوليساريو، الوكيل الإرهابي»، فإن المقال كان صريحا للغاية.
وبعد التذكير بالوعد الذي قطعه عضو الكونغرس الأمريكي جو ويلسون في أبريل 2025 باقتراح قانون يصنف جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر كمنظمة إرهابية، يؤكد التحليل على أنه منذ خرق وقف إطلاق النار لعام 1991 (من قبل البوليساريو) في عام 2020، كثفت الجبهة الانفصالية عملياتها المسلحة ضد المغرب، وأعلنت منطقة الصحراء منطقة حرب. واستأنفت هذه الجماعة هجماتها الصاروخية على طول جدار المغرب الذي يبلغ طوله 1700 كيلومتر، وأطلقت تهديدات صريحة ضد الشركات الأجنبية والدبلوماسيين والسياح، بما في ذلك في التظاهرات التي ستقام في عامي 2024 و2025.
ونقرأ في التحليل: «اليوم، يستخدم مقاتلو البوليساريو طائرات مسيرة إيرانية، ويتشاركون ممرات صحراوية مع قوافل لوجستية لوكلاء الروس، ويفرضون رسوم على طرق التهريب التي تساهم في تمويل الجهاديين في منطقة الساحل. كل هذا يحدث في مرمى الصورايخ من مضيق جبل طارق، أحد أكثر المعابر البحرية استراتيجية في العالم».
لقد تجاهلت الولايات المتحدة هذا التهديد في عام 1988 عندما أسقطت صواريخ البوليساريو طائرتين تابعتين للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، مما أسفر عن مقتل خمسة أميركيين. ولم ترد الولايات المتحدة بفرض عقوبات. وأضاف التحليل قائلا: «إن مشروع القانون الذي اقترحه ويلسون اليوم يجبر واشنطن على الاختيار بين مواصلة غض الطرف أو الاعتراف أخيرا بجبهة البوليساريو باعتبارها وكيلا إرهابيا».
ملاذ جزائري وثلاثة ركائز دعم
ويوضح الباحثان أن تهديدات البوليساريو تتم تحت رعاية الجزائر وتعتمد ثلاثة ركائز مترابطة: المساعدة العسكرية الإيرانية، وشبكة متنامية من النفوذ الروسي، والاقتصاد غير المشروع في منطقة الساحل والذي يتقاطع مع دوائر تمويل الإرهاب.
وأشار التحليل: «لطالما مثّلت الجزائر ملاذا آمنا. إذ تعمل قيادة البوليساريو وعدة وحدات بحجم لواء من مخيمات تندوف، في الأراضي الجزائرية، بعيدا عن عيون القوات المغربية والمراقبين الدوليين. وتتيح هذه المنطقة للمنظمة تخزين الذخائر، وتجريب أنظمة جديدة، والحصول على دعم خارجي دون مخاطر كبيرة».
إن المساعدات العسكرية والدعم المالي الجزائري، بما في ذلك ميزانيات التي تصرف للضغط في واشنطن، تساهم في التدبير الإداري ودفع الرواتب. ويقول روبرت غرينواي وأمين غوليدي: «بدون هذا الدعم، لن تتمكن المنظمة المسلحة من الحفاظ على مثل هذه البنية التحتية العسكرية».
والأكثر من ذلك أنه على الرغم من أن نحو 8 آلاف مقاتل من جبهة البوليساريو ينشطون حاليا، فإن التقييمات العسكرية تقدر أن المخيمات المتمركزة في الجزائر قادرة على تعبئة ما يصل إلى 40 ألف رجل. إن هذا المخزون البشري موضوع رهن إشارة قادة البوليساريو، وقد استفادت منه بالفعل الجماعة المسلحة العاملة في المنطقة.
إيران: دعم موثق
وتلعب إيران أيضا دورا متزايدا في دعم جبهة البوليساريو. ويشير التحليل إلى أن «هذه العلاقة تعود إلى عام 1980 على الأقل، عندما وقف مقاتلو البوليساريو أمام الكاميرات الدولية حاملين صورة آية الله الخميني، في إطار سعيهم المبكر للحصول على الشرعية الثورية والدعم الإيراني».
وفي الآونة الأخيرة، كان هناك على الأقل ثلاثة مدربين إيرانيين يعملون في تندوف. «وحتى وفاته في غارة جوية إسرائيلية في سوريا في نونبر، كان أحدهم خاضعا للعقوبات الأميركية بسبب تورطه في غارة كربلاء سنة 2007، التي أسفرت عن مقتل خمسة جنود أميركيين»، كما جاء في التحليل.
وانتقلت طهران من التدريب إلى توفير المعدات. في عام 2022، أعلن ما يسمى بـ«وزير داخلية» البوليساريو عمر منصور خلال بث مباشر أن مقاتليه «يتدربون على تجميع وتشغيل طائرات مسيرة مسلحة». وبعد ثلاثة عشر شهرا، نشرت وسائل تواصل تابعة للبوليساريو صورا لذخائر أكد المحللون أنها إيرانية الصنع.
هذا النوع من الذخائر هو نفسه المستعمل في الضربات التي أسفرت عن مقتل ثلاثة مدنيين في السمارة في عام 2023. وكشفت المخابرات الغربية، وفق ما ذكرته صحيفة دي فيلت الألمانية، عن مكالمة مشفرة في 23 أكتوبر 2023، حيث هنأ مبعوث البوليساريو مصطفى محمد لمين الكتاب أحد ضباط حزب الله على الهجوم الذي قادته حماس يوم 7 أكتوبر، ووعد بأن «المقاومة...(ستشتعل) في الصحراء» بمجرد وصول التمويل والتكنولوجيا الجديدة.
وفي خلال ذلك، تنخرط موسكو بشكل خفي ولكن منتظم مع جبهة البوليساريو. وجاء في التحليل: «تظهر صورة التقطت عام 2016 ممثل البوليساريو في موسكو، علي سالم محمد فاضل، إلى جانب قدامى المحاربين في الميليشيات الانفصالية في دونباس، وهي المجموعة الأولية التي جندت منها فاغنر العديد من مقاتليها الأوائل إلى سوريا».
قطع الطرق، «الدور التاريخي» للبوليساريو
إن الدور التاريخي الذي لعبته جبهة البوليساريو في الاقتصاد غير المشروع في منطقة الساحل والصحراء يغذي الآن قنوات التمويل والتجنيد الجهادية بشكل مباشر. ويؤكد البحث أن «القادة الصحراويين ينقلون الحشيش إلى الشرق، والكوكايين إلى الشمال، والأسلحة الليبية إلى الغرب، ويجمعون الرسوم التي يتم دفعها لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
ويثير هذا الأمر قلق المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية، التابع لوزارة الدفاع الأميركية، الذي يحذر من أن هذه الديناميات قد تشكل دفعة جديدة للجماعات الإرهابية.
ويشير التحليل أيضا إلى تقرير صادر عن «Small Arms Survey» في عام 2010 والذي تعقب مخابئ الأسلحة التي تم اكتشافها في موريتانيا حتى وصل إلى جبهة البوليساريو، في حين رسمت دراسة أجرتها مؤسسة كارنيجي في عام 2012 خريطة لقوافل الكوكايين التي تشرف عليها ميليشيات الجبهة، والذين قاموا بعد ذلك بتمويل الخلايا المتطرفة. «تلتقي هذه الطرق دائما في تندوف، التي أصبحت اليوم مفترق طرق يتبادل فيه المهربون ومسؤولو البوليساريو والإرهابيون الحمولات والمعلومات الاستخباراتية».
ويجسد هذا التلاحم عدنان أبو الوليد الصحراوي، الذي تدرب داخل جبهة البوليساريو قبل أن يؤسس «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى». قاد هجمات في مالي والنيجر قبل أن تقتله القوات الفرنسية في عام 2021. وقد ربطت عمليات الاختطاف ومصادرة المخدرات السابقة الفدية بهذه الشبكات الصحراوية نفسها، مما يكشف كيف أصبحت فصائل الحركة الانفصالية مركزا لتمويل الإرهاب.
وإذا كانت إدارة ترامب قد دعمت مخطط الحكم الذاتي المغربي باعتباره «الحل الواقعي الوحيد» لحل قضية الصحراء، فإن هذا المقاربة الدبلوماسية يجب أن تكون مصحوبة بسياسة أمنية تواجه شبكة البوليساريو المسلحة والعنيفة المرتبطة الآن بشبكة وكلاء إيران، والنفوذ الروسي، وشبكات الإرهاب والتهريب في منطقة الساحل، كما خلص روبرت غرينواي وأمين غوليد.
تحرك النخبة المثقفة الأمريكية
وكانت هناك عدة دعوات مماثلة في الأشهر الأخيرة. ومن بين العديد من التحليلات الأخرى، يمكننا الاستشهاد بتحليل قوي ومعبر تحت عنوان: «الحجة الاستراتيجية لتصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية»، والذي نشر في أبريل الماضي، حيث قام مركز التفكير معهد هدسون بتفكيك ادعاءات المنظمة الانفصالية بشكل منهجي من خلال الكشف عن طبيعتها الحقيقية. فالأمر لا يتعلق بحركة تحرير شرعية كما تدعي الجزائر، بل هي ميليشيا شبه عسكرية تخدم أجندات معادية للاستقرار الإقليمي.
وفي تحليل نشره يوم الاثنين 7 أبريل منتدى الشرق الأوسط، وهو مركز تفكير مؤثر، سار مايكل روبين، الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد أميركان إنتربرايز (American Entreprise Institute)، في الاتجاه نفسه. وأكد أن «الوقت قد حان لوضع حد للوهم القائل إن جبهة البوليساريو تمثل الصحراويين ولجعل أحد آخر آثار الحرب الباردة ينتمي نهائيا إلى التاريخ». وتُعرف عنه انتقاداته لبعثة المينورسو، حيث يدعو بشكل لا لبس فيه إلى إنهاء مهمتها. وقال: «من الواضح أن بعثة المينورسو فشلت بمليارات الدولارات: هذا الكيان التابع للأمم المتحدة الذي يبلغ عمره 34 عاما لم يحقق بعد المرحلة الأولى من مهمته، وهي تنظيم الاستفتاء».
ويوم الأربعاء 9 أبريل، دافعت سارة الزعيمي، الباحثة في شؤون شمال إفريقيا في مركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط التابع لمركز التفكير الشهير «The Atlantic Council»، عن الفكرة نفسها. وكتبت قائلة: «كما يوحي اسمها، أُنشئت بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء عام 1991 بموجب قرار مجلس الأمن رقم 690 للتحضير لاستفتاء يختار فيه الصحراويون بين «الاستقلال» والاندماج في المغرب. إلا أن البعثة فشلت في الوفاء بمهمتها، ولم تسهم إلا في استمرار حالة الشلل. وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن بعثة المينورسو تراقب وقف إطلاق النار -الذي استمر قرابة خمسة وثلاثين عاما بين المغرب وانفصاليي جبهة البوليساريو- إلا أنها لا تشكل بأي حال من الأحوال بعثة حفظ سلام فاعلة».