بعد مقابلته المثيرة للجدل على التلفزيون الجزائري.. النائب الفرنسي سيباستيان ديلوغو يتعرض للتوبيخ من حزبه «فرنسا الأبية»

Sébastien Delogu, député français LFI des Bouches-du-Rhône.

سيباستيان ديلوغو، أحد النواب عن حزب "فرنسا الأبية"

في 03/07/2025 على الساعة 12:14

ليست هذه المرة الأولى التي يدلي فيها نواب عن حزب « فرنسا الأبية» (LFI) بتصريحات مثيرة للجدل في وسائل الإعلام، لكنها المرة الأولى التي يُعلن فيها الحزب، الذي يتزعمه جان لوك ميلانشون، تبرؤه الرسمي من أحد نوابه.

السبب يعود إلى مقابلة أجراها النائب سيباستيان ديلوغو مع قناة كنال ألجيري (Canal Algérie) الجزائرية، حيث تبنّى بشكل واضح خطاب النظام الجزائري الدعائي، من دون أن يذكر ولو بكلمة واحدة قضية الفرنسيَّين المعتقلين في الجزائر: الكاتب والمفكر بوعلام صنصال، والصحفي الرياضي كريستوف غليز.

في 30 يونيو، عبّر النائب عن دائرة بوُش-دو-رون، والمرشح لرئاسة بلدية مرسيليا، عن « تأثره » بالاستقبال الذي حظي به من قناة كنال ألجيري، واصفا إياه بأنه يختلف تماما عن « معاملة وسائل الإعلام الفرنسية التابعة لمجموعة بولوريه».

وأوضح أنه زار الجزائر رفقة والدته ذات الأصول الجزائرية، في إطار «بحث عن جذوره» وتكريما لذكرى أجداده.

وقال خلال المقابلة:«حين تصل إلى هنا، تشعر بمدى الترحيب الشعبي، بطريقة لم أختبرها من قبل. الجميع لطفاء، يبتسمون، ويهتمون بي« ، معبّرا عن رغبته في بناء « حوار نِدِّي » مع نظام عبد المجيد تبون، وداعيا إلى اتباع « نهج بديل » للسياسة الفرنسية تجاه الجزائر، قائم على « الاحترام »، و«السيادة»، و«الشرعية الدولية».

غير أن هذه المقابلة ذات الطابع الحميمي، كشفت عن مدى التودد الذي أبداه النائب الفرنسي لقناة رسمية تُعرف بعدائها الممنهج للمغرب. إذ انساق دون أي اعتراض مع أسئلة الصحفية الجزائرية، وتبنّى ما ورد فيها من أفكار ومواقف.

فمن مهاجمته لليمين الفرنسي ووصف أعضائه بـ« ورثة منظمة الجيش السري (OAS) »، إلى انتقاداته لرئيس كتلة الجمهوريين برونو ريتايو، متّهما إياه بخلق « أزمة دبلوماسية » بين فرنسا والجزائر، مرورا باتهامه للحكومة الفرنسية بازدراء الشعب الجزائري... بدا ديلوغو وكأنه يخطب ودّ النظام الجزائري، خاصة أنه سبق له أن قبّل العلم الجزائري في مظاهرة مؤيدة لفلسطين في يونيو 2024، ما اعتبره مراقبون محاولة لاستقطاب أصوات الجالية الجزائرية في مرسيليا.

وفي خضم سعيه لتلميع صورته لدى النظام الجزائري، أعاد ديلوغو تكرار نظريات مؤامرة تتماشى مع سردية «الدولة الضحية» التي يروّج لها نظام تبون، وأظهر جهلا فاضحا في ملف الصحراء المغربية.

فردا على سؤال حول الموضوع، أعرب عن « خيبة أمله » من زيارة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه إلى جنوب المغرب، وقال: « فيما يخص هذا الملف المعقد المتعلق بالصحراء الغربية، أنا أتبنى موقف أكبر كيان سياسي في العالم، وهو الأمم المتحدة، التي تعمل على تنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعوب المحلية».

هذا التصريح إما يعكس سوء نية أو جهلا أو مزيجا من الاثنين.فبحسب ما أورد موقع Le360 في تقرير سابق، فإن الادعاء بأن الأمم المتحدة بصدد تنظيم استفتاء في الصحراء غير صحيح على الإطلاق.

فمنذ سنة 2007، جميع قرارات مجلس الأمن تدعو إلى حل سياسي واقعي وعملي وتوافقي، ما يجعل مقترح الحكم الذاتي المغربي هو الإطار الوحيد الذي يحظى بدعم دولي متزايد، وليس خيار الاستفتاء الذي أُقصي فعليا من النقاش الدبلوماسي منذ سنوات.

أثار الموقف الذي تبناه النائب الفرنسي سيباستيان ديلوغو، والذي ردد فيه دعاية النظام الجزائري، جدلا واسعا في أوساط الجالية المغربية في فرنسا. فقد أعلن العديد من المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي سحب دعمهم لحزب « فرنسا الأبية » (LFI) بسبب هذا التصريح الذي اعتُبر مساسا بوحدة التراب المغربي. وردا على ذلك، لجأ ديلوغو إلى حظر عدد كبير من الحسابات المغربية على منصاته، بما في ذلك حساب الوسيلة الإعلامية التي نشرت الخبر.

لكن الجدل تجاوز الجالية المغربية، ليصل إلى الوسط الإعلامي والسياسي الفرنسي، خاصة بسبب صمت ديلوغو التام تجاه سجن اثنين من المواطنين الفرنسيين في الجزائر:

  • بوعلام صنصال، الكاتب والمفكر الفرنسي الجزائري، الذي أُدين استئنافيا يوم فاتح يوليوز بخمس سنوات سجنا نافذا بتهمة « المساس بالوحدة الوطنية »،
  • وكريستوف غليز، الصحفي الرياضي، الذي صدر في حقه حكم بسبع سنوات سجنا نافذا بتهمة « تمجيد الإرهاب ».

موقف غير مسبوق من حزب «فرنسا الأبية»

أمام عاصفة الانتقادات، اتخذ حزب «فرنسا الأبية» خطوة غير معهودة، عبر النأي بنفسه عن ديلوغو، وهو أحد المقربين من زعيم الحزب جان لوك ميلانشون، خاصة وأن زيارته إلى الجزائر تزامنت مع ذروة الأزمة الدبلوماسية بين باريس والجزائر.

وأعلن الحزب موقفه عبر حسابه الرسمي على منصة X ، حيث كتب: «تصريحات النائب سيباستيان ديلوغو في الجزائر تعبر عن موقف شخصي، ولا تُلزم لا الكتل البرلمانية لحزب فرنسا الأبية، ولا الحركة ككل.»

واستغل الحزب المناسبة للتعبير عن احتجاجه على اعتقال الصحفي كريستوف غليز، مطالبا بـإطلاق سراحه الفوري، ومجددا مطالبته بالإفراج عن بوعلام صنصال.

داخل الحزب، ساد الإرباك والارتباك، حيث سارع بعض النواب إلى التعبير عن مواقفهم الشخصية قبل صدور البيان الرسمي، مثل النائب إيريك كوكرال، الذي دعا بعد ظهر الثلاثاء إلى الإفراج عن الصحفي كريستوف غليز، مشيرا إلى أنه لا ينتمي إلى التيار المتشدد في علاقاته مع الجزائر، بل بالعكس، وأكد أن « لا شيء يبرر استمرار اعتقال هذا الصحفي، الذي لم يكن في الجزائر إلا لإنجاز تقرير عن شغفه بكرة القدم».

لكن المثير أن كوكرال لم يذكر بوعلام صنصال، الذي لا يحظى بالإجماع داخل اليسار المتطرف الفرنسي. ففي وقت أدانت فيه معظم الأحزاب الفرنسية (من اليمين والوسط إلى الحزب الاشتراكي) الحكم الصادر بحق صنصال، ظل موقف « فرنسا الأبية » غامضا أو متحفظا، الأمر الذي لم يفاجئ أحدا.

ويُذكر في هذا السياق أنه في 6 ماي الماضي، رفض نواب « فرنسا الأبية » في البرلمان الأوروبي التصويت على قرار يطالب بالإفراج عن بوعلام صنصال، حيث امتنعت النائبة مانون أوبري عن التصويت بحجة أن النص «قاسٍ جدا» تجاه الحكومة الجزائرية، فيما صوتت زميلتها ريما حسن ضد القرار، ضاربة عرض الحائط بكل خطابها الحقوقي من أجل عدم انتقاد الجزائر، التي تعتبرها «قبلة الثوار».

في2 يوليوز الجاري، خرج جان لوك ميلانشون عن صمته ليعبّر عن موقفه بوضوح وسط حالة التخبط التي يعيشها حزبه.وقال على منصة X: « هل تعلمون أن الصحفي الرياضي كريستوف غليز معتقل منذ عام في الجزائر؟ هذا الصمت الفرنسي الانتقائي جعله غير مرئي. آن الأوان للاستيقاظ! »وأضاف: « نحن، في حزب فرنسا الأبية، الذين سعينا دوما إلى حل يقوم على الاحترام المتبادل في علاقاتنا مع الحكومة الجزائرية، لا نفهم الحكم الصادر بسجنه سبع سنوات! نطالب الرئيس تبون باستخدام صلاحياته الدستورية لإعادة مواطننا إلينا.»

وفي ختام رسالته على منصة X، أشار جان لوك ميلانشون إلى بوعلام صنصال، قائلا: «كريستوف غليز وبوعلام صنصال قد حوكما وسبق أن تم احتجازهما، وهما لا يُشكلان أي خطر على الجزائر. الإبقاء عليهما في السجن لا يُعدّ إلا توتيرا غير ضروري للعلاقات بين بلدينا، ويجسّد قسوة غير مبرّرة. يجب أن تتمكن الجزائر وفرنسا من العيش معا دون صدامات. هذا ما يريده غالبية الفرنسيين، وأعتقد أن الجزائريين يرغبون في ذلك أيضا. لقد آن الأوان لطيّ الصفحة. فهذا هو الخيار الأكثر نفعا ومردودية لشعبينا».

إنها بالفعل رسالة تذكير وانضباط صادرة عن زعيم الحزب، في محاولة منه لاحتواء تداعيات الانقسامات الداخلية والتصريحات الانفرادية، واستعادة تماسك خطاب « فرنسا الأبية » في خضم أزمة غير مسبوقة مع الجزائر.

تحرير من طرف زينب ابن زاهير
في 03/07/2025 على الساعة 12:14