لم يبخل بأي شيء لإرضاء البلد الذي قال إنه قبّل علمه بـ« فخر وتأثر« ، حتى وإن تطلّب الأمر ترديد الأكاذيب الأكثر وقاحة. ففي 30 يونيو، أطلق النائب الفرنسي تصريحات خارجة عن الواقع على قناة « كنال ألجيري »، المعروفة بتخصيص بثها اليومي للتحريض ضد المغرب.
وقد ظهر سيباستيان ديلوغو متأثرا بدعوة القناة له، وأضفى على الحوار طابعا شخصيا عندما تحدث عن مرافقة والدته الجزائرية الأصل له في هذه الزيارة« العائلية والحميمية» إلى الجزائر العاصمة ووهران، لزيارة قبور أجداده.
ديلوغو، النائب عن دائرة « بوش دو رون » والمرشح لرئاسة بلدية مرسيليا، لا يخفي علاقاته بالجزائر، إذ سبق أن قبّل العلم الجزائري وهو يرتدي وشاحه النيابي خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين في مرسيليا في يونيو 2024، وهو ما دافع عنه بفخر على نفس المنصة، تحت ابتسامات المذيعة المشجعة. ولم يتردد كذلك في التحريض على الانقسام داخل المجتمع الفرنسي، زاعما أن « الحكومة الفرنسية تسيء إلى الشعب الجزائري وتحتقره »، معتمدا في ذلك خطاب الضحية الذي يروج له النظام الجزائري.
وبنفس الحماس للترويج لنظريات المؤامرة، كما يفعل النظام الذي استضافه، اعتبر النائب أن عملية التفتيش القضائي التي خضع لها في فرنسا بشأن سرقة وثائق، ليست سوى « تضييق قضائي »، مؤكدا بذلك تطابق خطابه مع « بروباغندا » السلطات الجزائرية.
الصحراء.. بين الأكاذيب والتضليل
وبالإضافة إلى صمته المطبق حيال سجن الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال، الذي أيدت محكمة الاستئناف الحكم عليه بالسجن خمس سنوات، وسجن الصحافي الرياضي الفرنسي كريستوف غليز لسبع سنوات بتهم « تمجيد الإرهاب » و« حيازة منشورات تضر بالمصلحة الوطنية« ، ذهب ديلوغو أبعد من ذلك، مستعرضا خنوعا كاملا لإرضاء بلد والدته.
ولم يكن مفاجئا أن يُطرح عليه سؤال حول قضية الصحراء. وسارع النائب إلى ترديد معلومات مغلوطة، حيث قالت له مقدمة البرنامج:"في 26 فبراير الماضي، صوّت مجلس الأمة لدينا على تعليق العلاقات مع مجلس الشيوخ الفرنسي بسبب الزيارة التي وُصفت بالمستفزة والمخالفة للقانون الدولي، والتي قام بها رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه إلى مدينة العيون، وهي منطقة محتلة وغير متمتعة بالحكم الذاتي في الصحراء الغربية« .
ورد ديلوغو بأنه « شعر بخيبة أمل كبيرة » من هذه الزيارة، مضيفا: « في هذا الملف الحساس للغاية، أنا أضع نفسي خلف أكبر هيئة سياسية في العالم، وهي الأمم المتحدة، التي تعمل حاليا على تنظيم استفتاء يضمن تقرير المصير للشعوب في المنطقة ».
فسألته المقدّمة: « هل تعتقد إذن أن تصرفات المسؤولين الفرنسيين تخالف القانون الدولي؟ »فأجاب قائلا: « أحيانا نعم، القانون الدولي يُداس بالكامل ».
لكن، وعلى عكس ما يعتقده ديلوغو، فإن تصريحه حول سعي الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء غير صحيح. فمنذ عام 2007، أصبحت كل قرارات مجلس الأمن تدعو إلى حل سياسي وواقعي، وهو ما يعني دعم خيار الحكم الذاتي.
والأدهى أن النائب ديلوغو، الذي يدّعي احترامه لقرارات الأمم المتحدة، يجهل أن القرار الأممي الأخير رقم 2756 الصادر في 31 أكتوبر 2024، دفع النظام الجزائري، عضو مجلس الأمن غير الدائم، إلى الغضب الشديد، لدرجة أنه رفض التصويت عليه.
والجدير بالذكر أن رفض التصويت على قرار داخل مجلس الأمن أمر نادر، إذ عادة ما تُعبّر الدول عن اعتراضها بالامتناع عن التصويت، لا بالمقاطعة.
فكيف يُفسر ديلوغو هذا السلوك المسرحي – أو لنقل العصبي – الذي صدر عن الممثل الجزائري بالأمم المتحدة، عمار بن جامع، إذا كانت الأمم المتحدة قد دعت فعلا إلى الاستفتاء؟ وللتذكير فقط، فإن كلمة « استفتاء » قد اختفت من قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2002.
باختصار، وحده النظام الجزائري، الغارق في الإنكار والمغالطات الموجهة لشعبه، ما زال يردد هذه الأسطوانة المشروخة.
وعليه، فإن النقاش اليوم لم يعد يدور حول الاستفتاء، بل حول الخيار الوحيد الممكن والواقعي: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.ولا وجود لأي بديل سياسي قابل للتطبيق سوى هذا الخيار، مهما حاول النظام الجزائري ومَن يروّجون لدعايته التمسك بسراب تجاوزه الزمن.
من سكت فقد وافق…
ما يلفت الانتباه أيضا في هذا الحوار المنفصل عن الواقع، هو غياب أي إشارة إلى اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء، الذي تم الإعلان عنه رسميا في 30 يوليوز 2024.ففي حين يتم توجيه اللوم بسهولة إلى جيرار لارشيه (رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي)، لا يتم بأي حال من الأحوال ذكر الرئيس إيمانويل ماكرون ولا قراره التاريخي. فكيف يمكن فعل ذلك دون إحراج عبد المجيد تبون، ساكن قصر المرادية، الذي وبعد أشهر طويلة من التوتر بين الجزائر وباريس عقب هذا الاعتراف الفرنسي بالصحراء المغربية، يسعى جاهدا الآن لترميم علاقته مع الرئيس الفرنسي؟
ومن يشاهد هذه المقابلة، يدرك تماما أن سيباستيان ديلوغو هو منتَج خالص من منتجات دعاية النظام الجزائري. فالنائب الذي يسعى على الأرجح إلى استمالة الجالية الجزائرية الكبيرة المقيمة في مرسيليا، يتحدث بنفس اللغة السياسية التي تعتمدها الطغمة الحاكمة في الجزائر. لكن هذا الحماس الزائد في التملّق ليس بلا ثمن.
فمن جهة، رغم أن عدد المغاربة في مرسيليا لا يقارن بعدد الجزائريين، فإنهم يعتبرون أن قضية الصحراء الغربية مسألة وجودية. ومن جهة أخرى، حتى داخل الجالية الجزائرية نفسها، هناك كثيرون، بمن فيهم « القبائليون »، لن يمنحوا أصواتهم لنائب خاضع لنظام عجوز، يحكم بعقليات وأفكار تعود إلى ما قبل سقوط جدار برلين.