أعلنت الجزائر اليوم الإثنين 14 أبريل عن طرد 12 موظفاً في السفارة الفرنسية بالعاصمة الجزائر، وطالبتهم بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة، في رد فعل «انفعالي» ضد توقيف السلطات الفرنسية لأحد موظفيها القنصليين بتهم ترتبط بالإرهاب.
وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، في تصريح صحفي مكتوب، أن قرار الجزائر جاء مباشرة بعد توجيه الاتهام لثلاثة جزائريين في فرنسا، من بينهم موظف في قنصلية الجزائر، على خلفية الاشتباه في ضلوعهم في اختطاف المؤثر والمعارض الجزائري أمير بوخرص المعروف بـ«أمير DZ ».
ووفقا لتصريحات وزير الخارجية الفرنسي فإن جميع المطرودين من السفارة الفرنسية موظفون تابعون لوزارة الداخلية الفرنسية، ما يشير إلى أن الجزائر تستهدف بشكل مباشر الأذرع الأمنية الفرنسية العاملة على أراضيها.
فتيل الأزمة
تفجر هذا الخلاف الجديد بعد يومين من اتهام النيابة العامة الفرنسية المختصة بمكافحة الإرهاب لثلاثة أشخاص – أحدهم موظف دبلوماسي جزائري – بالضلوع في عملية اختطاف واحتجاز أمير بوخرص، المؤثر الجزائري اللاجئ في فرنسا، نهاية أبريل الماضي على الأراضي الفرنسية، وهي الاتهامات التي تعتبرها الجزائر «لا أساس لها» وتمثل «انتهاكا صارخا للحصانة الدبلوماسية».
ولطالما طالبت سلطات الجزائر نظيرتها الفرنسية بتسليم بوخرص لمحاكمته بتهم الاحتيال والإرهاب – وفق روايتها الرسمية – واصطدمت برفض القضاء الفرنسي، الذي منح بوخرص اللجوء السياسي سنة 2023، بعد أن اعتبر أن تسليمه ينطوي على تهديد لحياته وحريته.
وفي يوم السبت الماضي، استدعت وزارة الخارجية الجزائرية السفير الفرنسي في الجزائر، وأبلغته بـ«احتجاج شديد اللهجة» على خلفية توقيف الموظف القنصلي.
وعلى الرغم من تأكيد القضاء الفرنسي تورط الموظف القنصلي الجزائري في فضيحة دبلوماسية، لم تخجل السلطات الجزائرية من الحديث عن «انتهاك الأعراف الدبلوماسية»، والمطالبة بالإفراج الفوري عن موظفها، بدعوى تمتعه بـ«الامتيازات القنصلية».
كما وجّهت الجزائر اتهاما غير مباشر لوزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، بأنه «يقوّض جهود تهدئة العلاقات الثنائية» بين البلدين.
إقرأ أيضا : فضيحة دبلوماسية: دبلوماسيون جزائريون متورطون في مخطط إرهابي لتصفية معارض فوق التراب الفرنسي
وفي المقابل، تمسكت فرنسا بمبدأ استقلالية القضاء، رافضة التدخل في المسار القضائي، وهو ما اعتبرته الجزائر «تجاهلا» لاتفاقيات سابقة وروح التهدئة التي كانت قد بدأت تتشكل بين البلدين.
ولم تتردد باريس في الرد على القرار الجزائري بتهديد صريح، حيث قال وزير الخارجية: « أطلب من السلطات الجزائرية العودة عن إجراءات الطرد هذه التي لا علاقة لها بالإجراءات القضائية الجارية » في فرنسا.
وأضاف: «في حال الإبقاء على قرار طرد موظفينا لن يكون لنا خيار آخر سوى الرد فورا»، في إشارة إلى احتمال طرد دبلوماسيين جزائريين من فرنسا.
نحو قطيعة جديدة
تتزايد المؤشرات على أن العلاقات بين الجزائر وفرنسا تدخل نفقا مظلما جديدا، بعد محاولات متكررة لترميمها، سواء عبر زيارات رسمية أو تصريحات ناعمة من الإليزيه.
وتوترت العلاقات بين باريس والجزائر على مر سنوات، لكنها شهدت تدهورا أكبر في يوليوز الماضي بعد تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أثار غضب الجزائر بدعمه « خطة للحكم الذاتي في الصحراء الغربية » تحت السيادة المغربية.
كما أجج الخلاف بين البلدين سجن سلطات الجزائر للكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال بتهمة تقويض الوحدة الوطنية، ما دفع ماكرون إلى المطالبة بالإفراج عنه.
لكن المفارقة تكمن في أن هذا التصعيد الجديد يأتي بعد أسبوع واحد فقط من إعلان « المصالحة » بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون، حيث اتفقا خلال مكالمة هاتفية يوم 31 مارس على خارطة طريق لإعادة تنشيط العلاقات الثنائية، التي كانت قد شهدت قطيعة شبه تامة خلال الأشهر الماضية. وتوّجت هذه المصالحة بزيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر يوم 6 أبريل، حيث أعلن عن إعادة تفعيل التعاون بين البلدين.
لكن يبدو أن هذه المصالحة كانت هشة وغير محصنة أمام أي طارئ أمني أو قضائي. وبحسب مراقبين، فإن الحادث الأخير يعكس عمق التباين بين العاصمتين حول ملفات كبرى، من أبرزها الهجرة، والتعاون الأمني، وملف الذاكرة الاستعمارية.
وفي حال تمسكت الجزائر بقرار الطرد، وردّت باريس بالمثل، فإن البلدان سيدخلان في أزمة مفتوحة تشمل تقليص التعاون الأمني، وتجميد الزيارات الثنائية، وربما استدعاء السفراء، وهو سيناريو سيعمّق عزلة الجزائر الدولية ويزيد من تعقيد علاقاتها مع حليف استراتيجي سابق.
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا