فبعد سنوات من التدبير المتعثر لشركة « أوزون » التي شهدت أزمات متكررة وتراجعًا واضحًا في جودة الخدمات، دخلت الشركتان الجديدتان مطلع العام الجاري في مرحلة انتقالية لتدبير قطاع جمع النفايات، لتبدأ منذ فاتح يوليوز مرحلة التدبير الرسمي ضمن صفقة مالية ضخمة تجاوزت قيمتها أزيد من 22 مليار سنتيم، وُصفت حينها بأنها المفتاح لطي صفحة التدهور التي ميزت عهد الشركة السابقة. غير أن الجدل يعود مجددًا حول مدى فعالية هذه المقاربة الجديدة، ومدى جدوى المبلغ الكبير من المال العام المخصص لهذا القطاع.
المشهد اليوم يعكس بوضوح مرحلة انتقالية لم تنتهِ فعليًا، رغم الإعلان الفعلي عن انطلاق العمل بأسطول ومعدات حديثة، فجل البؤر السوداء لا تزال على حالها، وحاويات مهترئة لم تُستبدل بعد، ما يُذكي مشاعر الإحباط لدى المواطنين الذين ينتظرون تحسنًا ملموسًا، لا مجرد وعود مؤجلة.
وفي خضم هذا الوضع المقلق، عبّر عدد من المواطنين في تصريحات متفرقة لموقع Le360، عن تذمرهم الشديد من استمرار تدهور الوضع البيئي في العاصمة العلمية، محمّلين الجهات المسؤولة مسؤولية تفاقم معضلة النفايات التي باتت تسيء إلى صورة المدينة وتؤرق ساكنتها، وأكدوا أن مظاهر تراكم الأزبال في الأزقة والساحات العامة خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة، لم تعد مجرد اختلالات ظرفية، بل تجسّد أزمة هيكلية في تدبير هذا القطاع الحيوي.
أحد الفاعلين الجمعويين استغرب كيف تتهيأ فاس لاحتضان تظاهرات وطنية ودولية في ظل هذا المشهد البيئي المتردي، متسائلًا عن مبررات صرف عشرات المليارات على شركتين جديدتين، دون أن يلمس المواطن أي تحسن ملموس، قائلا: «الفترة الانتقالية انتهت، والمفروض أن نلمس تحوّلًا فعليًا، لكن الواقع يناقض التطلعات، ما يشكّل إساءة لصورة مدينة عريقة بحجم فاس».
كما عبّر أحد السكان عن إحباطه بعد محاولات متكررة لمراسلة الجماعة بشأن الوضعية المهترئة للحاويات في حيّه، دون تلقي أي تفاعل يُذكر، مضيفًا: «نحن نؤدي ضريبة النظافة، وننتظر خدمة تتماشى مع حجم الاعتمادات المخصصة لهذا القطاع، لا وعودًا تجد طريقها للتنفيذ».
وللوقوف على رأي رئيس مجلس جماعة فاس بخصوص مستجدات هذا الملف الحيوي، حاولنا التواصل معه، لكنه رفض التجاوب مع طلباتنا، رغم إعلانه في وقت سابق أن الشركتين الجديدتين ستعتمدان على أسطول حديث مزود بتقنيات متطورة، من بينها نظام تتبع عبر GPS، إلى جانب إطلاق خطوط اتصال مباشرة مع المواطنين لاستقبال الشكايات والملاحظات، غير أن ما يُعاين ميدانيًا لا يعكس، حتى اللحظة، تلك الوعود المُعلنة، حيث لا تزال مظاهر العجز عن رفع النفايات تتكرر في عدة أحياء ومقاطعات، وسط مؤشرات ضعيفة على تفعيل آليات الرقابة الميدانية أو التجاوب الفعلي مع شكاوى الساكنة.
Fès croule sous les ordures. (Y.Jaoual/Le360). le360
واعتبر علي لقصب، عضو بمجلس جماعة فاس، أن ملف تدبير قطاع النظافة في المدينة يعد من الملفات الحيوية التي عانت طيلة السنوات الماضية من اختلالات كبيرة، سواء على مستوى تقادم الآليات أو ضعف الإمكانيات الموضوعة رهن إشارة الفرق العاملة.
وأوضح في تصريحه ل le360، أن دخول شركتين جديدتين لتدبير هذا القطاع كان محل ترحيب وانتظارات كبيرة لدى الساكنة، خاصة بعد الرفع من الميزانية المخصصة له من 13 مليار إلى حوالي 23 مليار سنتيم، مبرزا في السياق ذاته أن المرحلة الانتقالية التي امتدت لأزيد من ستة أشهر، كان من المفترض أن تُخصص لتأمين أسطول متكامل من الشاحنات والمعدات الحديثة، غير أن ما تم تسجيله على أرض الواقع لا يرقى إلى مستوى الالتزامات المنصوص عليها في دفتر التحملات.
وشدد المتحدث ذاته، على ضرورة تفعيل بنود دفتر التحملات بشكل صارم ابتداءً من فاتح يوليوز، بما في ذلك تطبيق الجزاءات المالية المرتبطة بأي تأخير أو تقصير، حفاظاً على المال العام وضماناً لحقوق الساكنة. واعتبر أن المدينة لا تزال تعاني من ارتباك واضح في تدبير مرافقها الأساسية، مثل النظافة والنقل الحضري، محذراً من أن غياب الصرامة في تتبع أداء الشركات المفوض لها قد يؤدي إلى ترسيخ واقع انتقالي غير محدد الأفق، يفاقم من تدهور الخدمات ويُضعف ثقة المواطنين.
واختتم حديثه بالتعبير عن أمله في أن يتحلى المسؤولون المحليون والفاعلون السياسيون بالقدر اللازم من المسؤولية والجدية لمعالجة الأزمات التي تتخبط فيها مدينة فاس، وإنهاء حالة « الانتقال الدائم » التي باتت عنوانا يطبع تدبير عدد من المرافق الحيوية، وعلى رأسها قطاع النظافة.