الصحراء: ستيفان دي ميستورا يقر بأهمية الحكم الذاتي ويرحب بالزخم الأمريكي ويحث الجزائر على التحرك

Le diplomate Italo-suédois Staffan de Mistura.

المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا. DR

في 18/10/2025 على الساعة 12:00

بينما يحمّل الجزائر مسؤولية استمرار نزاع الصحراء الغربية وينتقد موقفها المعرقل لإيجاد تسوية للملف، أقرّ المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، خلال إحاطة مغلقة أمام مجلس الأمن، بانخراط القوى الكبرى والمجتمع الدولي في تبنّي الحل المغربي. وبالنسبة إلى دي ميستورا، فإن على الجزائر أن «تساعد جبهة البوليساريو على تفضيل المسار السياسي»، غير أن ذلك يبدو بعيد المنال.

الرسالة واضحة، والخلاصة واقعية. ففي اجتماع مغلق لمجلس الأمن عقد في 10 أكتوبر الماضي، ونقلت تفاصيله وكالة الأنباء الإيطالية «نوفا»، خرج المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بملف الصحراء الغربية، ستافان دي ميستورا، عن تحفظه المعهود. فبرأيه، لم يعد من الممكن الإبقاء على الوضع القائم، ولم تبرز في عرضه أمام المجلس سوى خيار الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع.

هذه المرة، سلّط المبعوث الأممي الضوء بشكل صريح على التحول الدبلوماسي الكبير الذي شهدته السنوات الأخيرة لصالح الخطة التي قدمها المغرب سنة 2007، والتي أصبحت المرجعية شبه التوافقية لدى القوى الكبرى والمجتمع الدولي.

واشنطن في موقع القيادة

في عرضه أمام مجلس الأمن، أقرّ ستافان دي ميستورا بأن المجتمع الدولي يميل اليوم بشكل واضح نحو الحل المغربي. فثلاث دول من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن — الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة — تدعم علناً مبادرة الحكم الذاتي، وتصفها بأنها الحل الوحيد «الواقعي والعملي». وتضطلع الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، بدور قيادي في هذا التحول الدبلوماسي؛ إذ إن دعمها لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، الذي جرى التأكيد عليه مراراً منذ سنة 2020، منح هذا الملف زخماً دولياً جديداً.

وأشاد الدبلوماسي الإيطالي السويدي بالتزام واشنطن، التي تتولى صياغة القرار 2025 المنتظر صدوره عن مجلس الأمن في نهاية أكتوبر الجاري، والذي تعزّز خلال الأشهر الأخيرة، كما نوّه بالمواقف البناءة لكل من باريس ولندن ومدريد، الداعمة جميعها لسيادة المملكة على صحرائها. حتى روسيا والصين، اللتان اعتادتا الحذر، تبدوان منفتحتين اليوم على حوار متجدد حول حلٍّ سياسي يستند إلى الحكم الذاتي. وتُعدّ الزيارة الرسمية التي قام بها وزير الخارجية المغربي إلى موسكو، في الوقت الذي يستعد فيه مجلس الأمن للتصويت، دليلاً على المكانة المحورية الجديدة التي بات يحتلها المغرب ضمن توازنات المنطقة.

ومع ذلك، أعاد دي ميستورا طرح الدعوة نفسها التي وجّهها في إحاطته السابقة أمام مجلس الأمن العام الماضي، والتي دعا فيها المغرب إلى تقديم مزيد من التفاصيل حول خطة الحكم الذاتي، خاصة في ما يتعلق بكيفية التوفيق بين مبدأ تقرير المصير لشعب الصحراء والتطلعات السيادية «الشرعية» للمغرب.

ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها المبعوث الأممي هذا الطلب، فإن المغرب كان قد أوضح موقفه مسبقاً. ففي يوم الاثنين 21 أكتوبر 2024، خلال مؤتمر صحافي عُقد على هامش لقائه بوزير خارجية إستونيا، مارغوس تساخنا، أكد وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة بشكل واضح وحاسم: «نحن مستعدون بطبيعة الحال للخوض في تفاصيل هذا المقترح، في إطار احترام الخطوط الحمراء التي وضعناها لأنفسنا، ومن دون المساس بالأسس التي يقوم عليها، وذلك في اليوم الذي تقبل فيه جميع الأطراف المعنية بالنزاع الحكم الذاتي كقاعدة وحيدة للحل. وفي غياب هذه الإرادة، كما هو الحال حالياً، فإن ذلك يظل أمراً سابقاً لأوانه، وغير مطروح في الوقت الراهن».

ومن الواضح أن على الجزائر، الطرف الحقيقي في هذا النزاع، أن تجلس إلى طاولة الحوار مع المغرب قبل الخوض في تفاصيل خطة الحكم الذاتي.

الجزائر مطالَبة بتحمل مسؤوليتها وإعادة جبهة البوليساريو إلى جادة العقل

في الوقت الذي يسجّل فيه ستافان دي ميستورا التحول الدبلوماسي العالمي الواضح، يحذر من العامل الأساسي الذي يعطل أي تقدم في مسار التسوية: الجزائر. فهذه الأخيرة ما تزال متمسكة بمطلب إجراء استفتاء لتقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو خيار تعتبره غالبية أعضاء مجلس الأمن اليوم متجاوزاً وغير واقعي.

ففي يوم الخميس 9 أكتوبر الماضي، وأثناء خطاب ألقاه بمقر وزارة الدفاع، صرّح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن الجزائر «لن تتخلى أبداً عن دعمها» للانفصاليين الصحراويين، مؤكداً أنه ما دام على قيد الحياة «فلن يفرض أحد عليهم حلاً لم يوافقوا عليه».

وقال تبون بالحرف: «لن نكون أكثر صحراوية من الصحراويين أنفسهم. نقبل أي حل يقبلونه، لكننا نرفض بشكل قاطع فرض حلول خارجية». غير أن الرئيس الجزائري نسي أن يوضح أن النظام في الجزائر هو من يملي على قادة البوليساريو مواقفهم وخياراتهم.

تصريحات تعبّر عن تشبث بموقف متصلب يتنافى مع روح الواقعية والتسوية التي تفرضها المرحلة، والتي دعا إليها صراحة ستافان دي ميستورا في إحاطته الأخيرة. فقد حثّ المبعوث الأممي الجزائر على استخدام نفوذها لدى جبهة البوليساريو من أجل تهيئة الظروف لاستئناف الحوار السياسي، وتجاوز المواقف التاريخية الجامدة، والتخلي نهائياً عن النزعة العسكرية التي تهدد استقرار المنطقة.

وأشار دي ميستورا إلى أن عملية التسلح التي تقوم بها الجزائر، والتي ارتفعت ميزانيتها الدفاعية سنة 2025 إلى 25 مليار دولار، تتجاوز نطاق محاربة الإرهاب فحسب، وتثير مخاوف حقيقية من انزلاق محتمل نحو مواجهة مباشرة، وهو ما اعتبره المبعوث الأممي خطراً جسيماً على الأمن الإقليمي.

مفاوضات قبل نهاية عام 2025.. بمشاركة الجزائر

أمام حالة الجمود القائمة، وجّه ستافان دي ميستورا نداء عاجلا إلى ضرورة إعادة إطلاق عملية سياسية منظمة قبل نهاية سنة 2025. واقترح عقد جولة جديدة من المفاوضات المباشرة تجمع المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا. وشدد المبعوث الأممي على ضرورة إحداث تغيير في وتيرة التعاطي مع الملف، بعد نصف قرن من الوساطات غير المثمرة.

وقال: «لقد حان الوقت لاتخاذ قرارات شجاعة وفتح مرحلة جديدة قائمة على الواقعية وروح التوافق». كما أبرز الدور البنّاء الذي تضطلع به موريتانيا، واصفاً إياها بأنها «محايدة، لكنها غير غير مبالية»، مذكّراً بأنها تظل عنصراً أساسياً في توازن مسار المفاوضات.

وبحسب الدبلوماسي الأممي، فإن الهدف هو تجنب «شلل دبلوماسي» قد يؤدي إلى «انزلاق عسكري ستكون له عواقب إقليمية ودولية خطيرة». وأضاف أن مرور خمسين سنة على اندلاع النزاع يجب أن يكون «منعطفاً حاسماً، لا مناسبة لإحياء الذكرى».

الإبقاء على بعثة المينورسو «حتى ولو بصيغة مصغّرة»

ودعا دي ميستورا إلى الإبقاء على بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو)، المنتشرة منذ عام 1991، «حتى ولو في صيغة مخفّضة». وقبيل انتهاء ولايتها، حثّ مجلس الأمن على تجديد تأكيده على الدور المحوري الذي تضطلع به البعثة كآلية لضمان الاستقرار والوساطة والمراقبة الميدانية. أما تنظيم الاستفتاء فقد خرج نهائياً من صلاحياتها.

وفي ظل تصاعد الأنشطة العدائية التي تنفذها جبهة البوليساريو في المناطق العازلة، يرى المبعوث الأممي أن انسحاب المينورسو أو تقليص مهامها قد يخلق فراغا خطيرا. وبالنسبة إليه، فإن الإبقاء على البعثة يمثل «آخر سدّ يحول دون الانفلات والتصعيد».

تحرير من طرف طارق قطاب
في 18/10/2025 على الساعة 12:00