في أواخر دجنبر 1957، وبأمر من خصومه داخل جبهة التحرير، تم اغتيال عبان رمضان. وباغتياله، اختفى الرجل الذي لعب دورا حاسما في إقناع شخصيات معتدلة مثل فرحات عباس بالانضمام إلى الثورة، والذي نجح في توحيد مختلف التيارات السياسية تحت راية جبهة التحرير. وقد شكّل اغتياله بداية سيطرة التيار الوطني المتشدد الذي أسّس لاحقا « النظام »، الذي لا يزال يحكم الجزائر حتى اليوم. لنعد قليلا إلى الوراء.
في دوار « إغبال » بوادي الصومام في منطقة القبائل، عُقد أول مؤتمر لجبهة التحرير في غشت 1956، بمبادرة من عبان رمضان، وجمع قادة أربع من الولايات الخمس الداخلية بهدف تنسيق العمل الثوري. أما ولاية الأوراس-النمامشة فلم تُمثّل بسبب صراعاتها الداخلية بعد مقتل مصطفى بن بولعيد. ولم يشارك ممثلو جبهة التحرير في الخارج في المؤتمر.
وقد اتُخذت خلال هذا المؤتمر عدة قرارات كبرى، من أبرزها:
1. أولوية السياسي على العسكري؛
2. أولوية الداخل على الخارج؛
3. رفض أي مشروع تيوقراطي إسلامي.
لكن هذا المؤتمر أثار سخط الجناح الخارجي في الجبهة، الذين اعتبروا أنه محاولة من طرف القبائل للهيمنة. كما عارض المؤتمر بعض قادة الولايات الأولى والخامسة، وغالبية أعضاء وفد الجبهة في الخارج، باستثناء حسين آيت احمد. وكان أحمد بن بلة، المقيم حينها في القاهرة، من أبرز المنتقدين للمؤتمر، حيث وجه له ثلاثة انتقادات رئيسية:
1. أن المؤتمر غير تمثيلي بسبب غياب ممثلي وهران، الأوراس-النمامشة ووفد الخارج؛
2. أن قرار أولوية السياسي على العسكري، وأولوية الداخل على الخارج، أمر غير مقبول؛
3. أن العلمانية التي عبّر عنها المشاركون أمر مرفوض، لأن مؤسسات الجزائر المستقلة يجب أن تكرّس الطابع الإسلامي للمجتمع.
وعلى هذا الأساس، وُجهت التهم لعبان رمضان، بزعم أنه لا يمتلك الشرعية لعقد مثل هذا المؤتمر لأنه لم يكن من بين من أطلقوا شرارة الثورة في نوفمبر 1954. وفي غشت 1957، خلال اجتماع للمجلس الوطني للثورة الجزائرية، أُعيد النظر كليا في نتائج مؤتمر الصومام.
إقرأ أيضا : المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان يكتب: الجزائر تدين بحدودها لفرنسا
إلى جانب اتهامه بتنظيم المؤتمر، زادت حدة الأزمة بعد « معركة الجزائر »، التي انتهت بانتصار فرنسي. وباعتباره من مهندسي هذه المعركة، وُجهت لرمضان تهمة التهور والتسبب في هزيمة سياسية للجبهة. كما أن القيادة العسكرية للجبهة كانت تكنّ له عداء شديدا بسبب سعيه لإعلاء شأن المجاهدين في الداخل على حساب جناح الخارج. وهكذا، صار مصيره محسوما.
من خلال كتب إيف كوريير ومحمد لبجاوي (حقائق عن الثورة الجزائرية، غاليمار 1970)، عُرف الكثير عن ظروف اغتيال عبان رمضان، إلا أن كتاب «جريمة دولة: تصفيات في قلب السلطة الجزائرية»، لفريد عليلات، الصادر عن دار Plon والمُقدَّم من طرف كمال داوود، يكشف تفاصيل أوفى عن طريقة تنفيذ الاغتيال.
بات من المؤكد أن كريم بلقاسم حضر عملية اغتيال عبان رمضان، رغم أنه لم يشارك فعليا في قتله. يصف عليلات المشهد قائلا: هبطت الطائرة التي تقل عبان رمضان وكريم بلقاسم في تطوان، حيث كان عبد الحفيظ بوصوف بانتظارهما. بوصوف، قائد الولاية الخامسة (وهران)، وكان يكنّ كرها شديدا لعبان، قال لبلقاسم: «لا توجد سجون آمنة بما يكفي لاحتجاز عبان. قررت تصفيته».
لم يتخيل عبان المصير الذي كان بانتظاره. استقل الجميع سيارتي «سيمكا فرساي» نحو مزرعة معزولة. وبمجرد نزوله، تعرض عبان لهجوم من أربعة رجال كبّلوه فورا. راقب كريم بلقاسم ومحمود شريف المشهد بصمت، بينما كان بوصوف يسبّ عبان. ثم قام اثنان من القتلة الأربعة بخنقه بحزام، بمساعدة بوصوف. بعد ذلك، دُفن جثمانه في ساحة المزرعة.
يكشف عليلات عن هوية الرجلين المشاركين في الجريمة إلى جانب بوصوف. الأول هو محمد عبدلي، المعروف بـ«حميد»، منشق عن الجيش الفرنسي وأصبح أحد أذرع بوصوف، وقد رُقي لاحقا إلى رتبة عقيد وأصبح قائدا للقوات الجوية. والثاني هو محمد رواي، الذراع الأيمن لبوصوف في المغرب، وأحد أعمدة وزارة التسليح والاتصالات العامة (MALG).
كانت تصفية عبان رمضان بداية لنهج من التصفيات الجسدية الذي انتهجه بوصوف وهواري بومدين لاحقا، لعزل الشخصيات التي قد تشكّل عائقا أمام استحواذهما على السلطة، قبل أن يُقدما على تصفية بعض منها فعليا.
وهكذا تأسس تدريجيا النظام الذي قاد إلى انقلاب يوليوز 1962، وإسقاط الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (GPRA)، وولادة ما يُعرف بـ«النظام».