أعلن وزير التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية عن اتخاذ « إجراءات لضمان التموين المتوازن » للأسواق خلال شهر رمضان، عبر زيادة كميات الزيت والسكر المستوردة بنسبة 50% وضخّ 13 ألف طن من اللحوم الحمراء المستوردة. كما أُعلن عن دعم إنتاج الحليب المجفف ومد مطاحن السميد بحصص إضافية من القمح الصلب.
لكن هذه الأرقام، التي تكرّرها الحكومة كل عام، لا تعكس الحقيقة التي يعيشها المواطن الجزائري يوميا، حيث يصطدم بواقع الطوابير الممتدة أمام محلات البيع، وأسعار تلتهب رغم كل التطمينات الرسمية.
غضب شعبي من وعود جوفاء
عكس ما تعتقده الحكومة الجزائرية من كونها ستطمئن الجزائريين من خلال هذه الأرقام التي وصفها البعض بالخيالية، فإنها أثارت غضب المواطنين الذين خبروا أكاذيب النظام ولم تعد تنطلي عليهم وعوده الجوفاء.
المواطن عبد الرزاق كتب تعليقا غاضبا على تقرير مصور بثته قناة «الشروق» عبر صفحتها على فيسبوك تزعم من خلاله توفر اللحوم والمواد الغذائية بأسعار في المتناول بولايتي العاصمة والبليدية، حيث كتب متسائلا بنبرة غاضبة: «حتى إذا سلمنا بصحة ما تزعمون.. لماذا لا تكون هذه الوفرة والاستقرار طيلة العام حتى لا نقول مدى الحياة؟». ولم ينتظر هذا المواطن الجواب من أحد بل رد بنفسه قائلا: «إنه دليل آخر على أن السلطة هي من تتحكم بالأسعار وتتلاعب بها لمصلحة العصابات».
فيما كتب مواطن آخر يدعى عبدو سماتي: «وكأن المواطن الجزائري يحتاج للأكل فقط في رمضان! أما باقي الأشهر فليمت جوعا؟»، بينما تساءلت زهرة الفؤادي مستنكرة: «وماذا عن باقي الولايات؟ أليست هي الأخرى تابعة للجزائر؟».
أما إبراهيم الذي علق من ولاية تامنراست (جنوب الجزائر) فقد كتب تعليقا يتساءل فيه: «هل ستصلنا هذه المواد واللحوم المستوردة إلى الجزائر العميقة؟»، في إشارة إلى إقصاء المناطق الداخلية والجنوبية من مخططات الحكومة.
سياسة تفريخ الطوابير
بالنسبة للجزائريين فإن هذه الإجراءات لا تعني لهم سوى أنهم مقبلون على معاناة إضافية إن أرادوا الحصول على المواد الأساسية، من خلال المزيد من الطوابير. فإذا كانت ذاكرة الحكام ضعيفة وتنسى ما وقع خلال رمضان الفائت، فإن ذاكرة المواطن لا يمكن أن تنسى المعاناة التي قاساها في سبيل الحصول على أبسط المواد الغذائية.. وذلك على الرغم من «تطمينات» الحكومة ووعودها بتوفير الغذاء.. مرددة نفس الأرقام أعلاه.
إقرأ أيضا : أزمة اللحوم الحمراء بالجزائر تخلق طابورا جديدا.. ونظام الكابرانات يلجأ إلى حلول ترقيعية
فقد ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء بالجزائر، خلال شهر رمضان الماضي، بشكل صاروخي تعدى نسبة 160%، إذ قفزت أسعار لحوم الأغنام المحلية من 1800 دينار للكيلوغرام (135 درهم مغربي) قبل حلول رمضان إلى 2900 دينار (217,5 درهم مغربي). ووسط هذه الأزمة الجديدة في بلاد البترول والغاز والثروات الضخمة، وجد المواطنون أنفسهم أمام طابور جديد في سبيل الحصول على قطعة لحم، انضاف إلى طوابير الحليب والزيت والقطاني...
وأدى غلاء اللحوم الحمراء بالجزائر إلى إغراق الأسواق بلحوم الحمير والبغال، حيث يتم بيعها للمواطنين على أنها لحوم أبقار، بأسعار لا تقل عن 1200 دينار للكيلوغرام، في وقت فشلت فيه السلطات الجزائرية في القضاء على مذابح سرية تزود الأسواق بلحوم وأحشاء الحمير والبغال.
وهذه المخاوف نفسها التي يخشى الجزائريون تكرارها خلال شهر الصيام المقبل، ولعل هذا ما أشار إليه المواطن عبد العزيز خطير الذي كتب تعليقا على إحدى الصفحات الفيسبوكية التي تمجد التدابير التي اتخذها الوزير الطيب زيتوني، حيث قال بنبرة الواثق من نفسه: « إنهم يحضرون لإضافة طوابير أخرى »، ليرد عليه مواطن أخرى يدعى سهيل أبو أنس، صابا جام غضبه على حكام البلاد وسياساتهم الفاشلة على جميع الأصعدة: « لقد مرغتم سمعة الجزائر بالجيف ولم تستطيعوا حل أية مشكلة ».
وسم #مانيش_راضي يتمدد
في ظل هذه المعطيات، يبقى المشهد الجزائري حافلا بالتناقضات بين وعود رسمية لا تجد طريقها إلى الواقع، وغضب شعبي يتزايد يوما بعد يوم. فبينما يصرّ النظام على ترويج أرقام براقة لطمأنة المواطنين، تستمر الطوابير الطويلة والأزمات المعيشية في كشف زيف هذه الادعاءات.
ومع تصاعد الحراك الرقمي عبر وسم #مانيش_راضي الذي يواصل التمدد رغم حملات القمع التي تشنها السلطات ضد النشطاء والمعارضين، يتضح أن وعي الجزائريين لم يعد يقبل بسياسات التضليل، وأن معركة استعادة الحقوق لم تعد مقتصرة على الشارع، بل امتدت إلى الفضاء الرقمي الذي يعكس نبض الشارع الرافض للوعود الفارغة.
وبينما يقترب شهر رمضان، يدرك الجزائريون أن ما ينتظرهم ليس إلا تكرارا لسيناريوهات المعاناة السابقة، في ظل نظام يبدو عاجزا عن تحقيق الحد الأدنى من تطلعاتهم المعيشية.