أصدرت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات الرئاسية قبل يومين قرارا ينظم التجمعات العامة المتعلقة بالحملة الانتخابية، محذرة المرشحين الثلاثة ومديري حملاتهم إلى عدم استخدام أماكن العبادة، المؤسسات التربوية، ومقرات الوزارات للدعاية الانتخابية.
وشدد القرار على « التنسيق مع الوالي المختص لضبط القاعات المخصصة للحملة الانتخابية »، مشيرا إلى « ضرورة الالتزام بأحكام القانون المتعلقة بالاجتماعات العامة »، محذرا من « استخدام مكبرات الصوت قرب المستشفيات والمؤسسات التعليمية »، مع « احترام القوانين لضمان سلامة المواطنين والمشاركين ».
لكن بالنسبة إلى الجنرالات الماسكين بزمام الأمور في قصر المرادية، فإن هذه القوانين « الشكلية » ستطبق فقط على « أرنبي السباق الانتخابي » عبد العالي حساني ويوسف أوشيش، أما عبد المجيد تبون فإنه غير معني بهذه التحذيرات، بل الأنكى من ذلك فإن النظام سيجند لمرشحه الوحيد والأوحد كل مؤسسات وهيئات الدولة ورجالاتها لتعظيم منجزات « عمي تبون » خلال العهدة الأولى في سبيل إقناع الناخبين بأنه « سوبرمان » الذي سيحول بلاد « القوة الضاربة » إلى « جزائر جديدة » خلال العهدة الثانية.
مؤسسات الدولة في خدمة عمي تبون
لا يخفى على أحد داخل الجزائر وخارجها ما يحظى به تبون من دعم كبير من طرف أجنحة الحكم وقيادة المؤسسة العسكرية، كما أن لا أحد يشك في أن نتيجة انتخابات 7 شتنبر محسومة مسبقا لفائدة « عمي تبون »، كما يلقبونه، حيث تسود قناعة جازمة بأن صاحب الـ79 عاما سيفوز مجددا بالمنصب لخمسة أعوام أخرى.
والواقع أن فرص تبون في الفوز تعزّزت بغياب منافسين فعليين له، لذلك تسعى القوى الداعمة للرئيس إلى تحقيق نسبة اقتراع عالية لتوفير تفويض شعبي كبير لتبون، يمكنه من مجابهة مراكز « المقاومة » في النظام وتعزيز موقفه التفاوضي مع الشركاء الدوليين. وتستخدم هذه القوى أوراقًا عديدة لمواجهة المشككين في شعبية تبون، بما في ذلك التخويف من المؤامرة الخارجية وتوزيع الريع، وكل مسعاها من الانتخابات الرئاسية هو حشد الناخبين لتحقيق نسبة اقتراع تفوق تلك التي سُجلت في انتخابات 2019، والتي بلغت 41 في المئة.
وحتى قبل إعلان تبون عن برنامج الانتخابي، سارعت مؤسسات رسمية يديرها موالون لللنظام قيادة حملة مقنّعة لمصلحته، وذلك عبر إصدار تقارير تعظّم «المنجزات» التي تحققت في عهد « عمي تبون ».
وهكذا رصد «البنك المركزي الجزائري»، في تقريره السنوي، تحسناً في معدلات النمو في الفترة الممتدة بين عامَي 2021 و2023، بنسب تراوحت بين 3.8 و3.6 و4.1 في المئة على التوالي، وهو أعلى معدل نمو يسجّل منذ 8 سنوات، إضافة إلى «بناء احتياطي الصرف الرسمي من النقد الأجنبي (لا يشمل الذهب النقدي)، والذي بلغ 68,988 مليار دولار في نهاية 2023، مقابل 60,944 مليار دولار بنهاية 2022».
كما أشار «البنك المركزي»، في تقريره، إلى انخفاض معدل التضخم من 9.29 في المئة في نهاية 2022، إلى 7.84 في المئة في نهاية 2023، موضحاً أنه «يمكن ملاحظة ديناميكية تباطؤ التضخم هذه منذ بداية النصف الثاني من السنة نفسها».
إقرأ أيضا : فضيحة تعيين وزير الداخلية مديرًا لحملة تبون الانتخابية: استفزاز جديد للشعب الجزائري
وبدوره، أصدر «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي»، وهو مركز لتقييم وتوجيه السياسات العمومية، تقريره حول «التنمية الاجتماعية والبشرية في الجزائر 2019 - 2023»، والذي جاء مشبعاً بالترويج لما أُنجز في عهد تبون، بإشارته إلى تحقيق «تقدم ملحوظ» في مجالات «مكافحة الهشاشة المالية للأسر، الحفاظ على القدرة الشرائية، تسهيل الإدماج الاقتصادي، ولا سيّما للشباب والنساء، وتعزيز المشاركة في خلق الثروة وضمان الوصول إلى الخدمات الأساسية». ولا شك أن هذه التقارير المعزّزة ببعض المؤشرات الإيجابية، ستكون بمثابة سلاح في يد المدافعين عن تبون لإسكات الانتقادات، في ظل غياب تقارير مستقلة ذات شفافية حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي الفعلي في البلاد.
أما على أرض الواقع، فإن مؤشرات التنمية البشرية والحريات الإعلامية والسياسية في انحدار متواصل، في ظلّ ما تشهده الجزائر، منذ العام الثاني لتولّي تبون الحكم، من ملاحقات أمنية وقضائية في حق نشطاء الحراك الشعبي، قدّرت منظمات غير حكومية دولية ما نتج منها من اعتقالات بأكثر من 300 معتقل، فضلاً عن الإخفاقات التي يتحاشى الجزائريون الحديث عنها، في مجال إدارة الأزمات الداخلية والإقليمية ومختلف قضايا السياسة الخارجية، في ظلّ فشل السياسات الفاشلة على جميع الأصعدة للجنرالات العجزة المستولين على قصر المرادية.
عندما يتجرد الإعلام من الحياد
تحت عنوان: « رئيس الجمهورية والتزاماته الـ 54 .. تحدي القضاء على الفساد وصون كرامة المواطن »، كتبت جريدة « بركة نيوز » الجزائرية، التي تتخذ من « دقة المعلومات » شعارا لها، مقالا مطولا تعدد من خلاله « الإنجازات » التي حققها « عمي تبون » خلال العهدة الأولى.
واستعرض هذا المقال المطول ما « شهدته الجزائر في فترة حكم الرئيس عبد المجيد تبون من إنجازات عديدة رغم التحديات الكبيرة، تمثلت في تحقيق ما يسمى « الجزائر الجديدة » عبر التزاماته الـ 54، والتي كانت تهدف للتخلص من الأزمات المتعددة التي عرفتها البلاد ».
وقالت الجريدة إن تبون تولى الحكم في وقت كانت البلاد تعاني من أزمة ثقة بين السلطة والمواطنين، إلى جانب أزمة صحية عالمية بسبب جائحة كوفيد-19، وتحولات سياسية غير مسبوقة فرضتها مظاهرات الحراك الشعبي.
« تمكنت الجزائر من السيطرة على جائحة كوفيد-19 بالرغم من التحديات الاقتصادية التي تفاقمت بسبب انخفاض عائدات النفط وتدهور الاحتياطي النقدي. وركزت الحكومة على إعادة بناء الاقتصاد ودعم الشباب والمشاريع الصغيرة »، يورد المقال الذي خاض باستفاضة في إنجازات تبون، الذي « رفع الحد الأدنى للأجور وألغى الضرائب على الدخل للأجور المنخفضة، وزاد معاشات المتقاعدين، وأدمج العمال في القطاع العام.. كما أطلق منحة البطالة وأسس المجلس الأعلى للشباب لدعمهم وفتح فرص العمل أمامهم.. ».
وفي مجال التنمية الزراعية والأمن الغذائي، مضى المقال يستعرض الكثير من « الأكاذيب » من قبيل أن الجزائر « حققت تطورات كبيرة في القطاع الزراعي، مما ساعد في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير بعض المنتجات »، في وقت عجزت فيه عن توفير أبسط المواد الغذائية من عدس وفاصوليا وخضر لشعبها الذي يضطر يوميا للاصطفاف في طوابير طويلة لشراء حاجياته الأساسية...
والطريف في المقال هو حديثه عن توجه الجزائر، البلد المعتمد اقتصاديا على ريع الغاز والنفط، نحو « اقتصاد مستدام » من خلال شن الحرب ضد « الفساد والبيروقراطية »، ما مكن النظام من « تحقيق تحسن في التصنيفات الدولية للشفافية والرقمنة ».
وعلى الصعيد الخارجي، أورد المقال أن تبون « عزز علاقات الجزائر الدولية على أساس الاحترام المتبادل والسيادة، مما أدى إلى مكانة بارزة في القضايا الإقليمية والدولية »، وأضاف أن هذه « الجهود الدبلوماسية شملت تعزيز الشراكات الاقتصادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في عدة مجالات حيوية »، لكن المقال لم يشر أبدا إلى العلاقات التي تسبب في قطعها مع دول الجوار بسبب غطرسته...
إقرأ أيضا : الجزائر: القضاء يضع ثلاثة مرشحين تحت الرقابة القضائية بدعوى «الفساد الانتخابي»
تحديات « الجزائر الجديدة »
بينما تستعد الجزائر لخوض غمار الانتخابات الرئاسية، يبقى المشهد السياسي مرهوناً بتأثيرات القوى العسكرية والسياسية التي تسعى لتكريس هيمنتها على الحكم.
وفي ظل هذه الأجواء المشحونة، يبقى التساؤل حول مدى قدرة النظام المسيطر على الحكم في تحقيق التغيير المنشود، والوصول إلى انتخابات نزيهة تضمن تمثيلاً حقيقياً لإرادة الشعب، مفتوحاً على مصراعيه.
لكن يبدو أن التحديات أمام « الجزائر الجديدة » التي يروج لها العسكر بلسان تبون، تتجاوز مجرد اختيار رئيس، بل تشمل بناء مستقبل ديمقراطي يُعلي من شأن القانون والعدالة، بعيداً عن قبضة الفساد والاستبداد.