سوريا تصفع الجزائر: زيارة عطاف تفشل في تحقيق أهدافها وتتحول إلى انتكاسة دبلوماسية

الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع خلال استقباله لوزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف

في 12/02/2025 على الساعة 09:00

فيديوتلقى النظام الجزائري صفعة دبلوماسية قاسية في دمشق، بعد أن رفض الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بشكل قاطع طلب وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف بالإفراج عن الجنود الجزائريين وعناصر ميليشيات البوليساريو الذين تم أسرهم أثناء قتالهم إلى جانب قوات الرئيس المخلوع بشار الأسد.

أعلن التلفزيون السوري، مساء الثلاثاء 11 فبراير 2025، أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع رفض بشدة الطلب الذي قدمه وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، نيابة عن الرئيس عبد المجيد تبون، للإفراج عن الأسرى الجزائريين وعناصر البوليساريو، الذين وقعوا في قبضة هيئة تحرير الشام خلال معركة محيط حلب، التي جرت أواخر شهر نونبر 2024 قبيل سقوط نظام بشار الأسد.

وأكد التلفزيون السوري نقلا عن مصادره أن الرئيس شدد على أن هؤلاء المعتقلين، وبينهم ضباط جزائريون برتب عسكرية عليا إلى جانب 500 عنصر من الجيش ومليشيات البوليساريو، سيخضعون لمحاكمات عادلة وفق القوانين الدولية الخاصة بأسرى الحرب، وهو ما اعتبر ضربة موجعة للجزائر، التي لطالما قدمت الدعم العسكري واللوجستي لنظام الأسد المنهار.

صفعة غير متوقعة

بدا وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال الندوة الصحفية التي جمعته بنظيره السوري في دمشق يوم السبت الماضي، في حالة من التوتر والارتباك الشديد، مدركًا حجم الإحراج الذي يواجهه النظام الجزائري على الساحة الإقليمية.

وعزا مراقبون هذا الارتباك إلى الصفعة الدبلوماسية غير المتوقعة التي تلقاها من القيادة السورية الجديدة، إذ سارع النظام الجزائري إلى دمشق في محاولة يائسة لإقناعها بـ«خدمات لا حاجة للسوريين بها»، متحدثا عن «استعداد الجزائر الكامل لدعم سوريا في هذه المرحلة المفصلية»، وهو عرض قوبل ببرود واضح من قبل حكام سوريا الجدد، الذين كان النظام الجزائري يصنفهم حتى وقت قريب كـ«إرهابيين».

وتداولت وسائل الإعلام مشاهد لعطاف في موقف لا يحسد عليه أمام الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي كان النظام الجزائري يعتبره خصما في السابق، في مشهد يجسد حالة التخبط الدبلوماسي التي تعيشها الجزائر عقب انهيار حليفها بشار الأسد.

تدخل جزائري في سوريا

كشفت التطورات الأخيرة عن حجم التورط الجزائري في النزاع السوري، بعدما تبين أن النظام الجزائري لعب دورا أساسيا في دعم نظام بشار الأسد، من خلال تسهيل إرسال مقاتلين جزائريين وعناصر من ميليشيات البوليساريو إلى سوريا للقتال ضد المعارضة المسلحة.

ووفقا لتقارير إعلامية، فإن نحو 500 مقاتل جزائري باتوا الآن في قبضة المعارضة السورية عقب سقوط نظام الأسد، مما يعكس بوضوح مدى انخراط الجزائر في الحرب السورية على مدى السنوات الماضية.

وفي الواقع، فإن النظام الجزائري اختار منذ بداية الأزمة السورية وضع يده في يد نظام بشار الدكتاتوري، ليس فقط عبر دعمه عسكريا، بل أيضا من خلال التعامل القاسي مع اللاجئين السوريين الذين لجؤوا إلى الجزائر هربا من قمع وبطش الأسد وبلطجيته. ففي مفارقة تكشف زيف الخطاب الرسمي الذي يدعيه اليوم من خلال وصفهم بـ »الأشقاء السوريين »، فإن النظام الجزائري لم يتردد في طرد آلاف اللاجئين السوريين نحو المغرب، البلد الذي احتضنهم ومنحهم الحماية والعيش الكريم.

لذلك لم يكن غريبا أن يخرج هؤلاء اللاجئين، غداة سقوط الأسد، يهتفون باسم الملك محمد السادس، تعبيرا عن امتنانهم ورفضهم للخذلان الذي تعرضوا له من قبل الجزائر.

انعكاسات إقليمية

بينما لم يفصح النظام الجزائري عن نواياه الحقيقية من وراء هاته الزيارة المفاجئة لسوريا، فإن الناشط السياسي هشام عبود يجزم أن الهدف الأساسي من هذه الزيارة « المُهينة » للطرف الجزائري ليس سوى هدفان خفيان، أولهما محاولة إفشال رغبة النظام السوري الجديد في سحب الاعتراف بما يسمى « جمهورية بوليساريو ».

ولعل ما يزكي هذا الطرح الذي ذهب إليه عبود، هو تزامن زيارة عطاف مع إطلاق « جبهة الإنقاذ الوطني في سوريا » نداء إلى السلطات الانتقالية في دمشق لإصلاح العلاقات مع المغرب، وقطع جميع الروابط مع جبهة البوليساريو، التي كانت حليفا وثيقا لنظام الأسد السابق. إذ رأت الجبهة أن من واجب الحكومة السورية الجديدة التخلي عن دعم البوليساريو، في خطوة يمكن أن تعيد تشكيل موازين التحالفات في المنطقة.

وحسب هذا الناشط السياسي فإن كل المؤشرات تدل على أن القيادة الجديدة في سوريا تتجه نحو دعم الموقف المغربي في قضية الصحراء، باعتباره الحل الأكثر عقلانية لنزاع افتعلته الجزائر لعقود.

أما الهدف الثاني غير المعلن من زيارة عطاف، فهو محاولة التفاوض على إطلاق سراح الجنود الجزائريين الأسرى لدى المعارضة السورية، وهي المحاولة التي قوبلت برفض قاطع، ما جعل الزيارة تتحول إلى انتكاسة دبلوماسية مدوية للنظام الجزائري.

إن هذه الصفعة السياسية تعكس بشكل واضح تراجع نفوذ الجزائر في المنطقة، وتفاقم عزلتها على الساحة الدولية، خصوصا بعد فقدانها أحد أهم حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 12/02/2025 على الساعة 09:00