يكشف تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2025 الأخير حول قيود تصدير المواد الأولية الصناعية عن تسارع غير مسبوق في هذه الإجراءات، حيث زادت بخمسة أضعاف منذ عام 2009. في إفريقيا وبقية العالم، تبرز عدة دول كلاعبين أساسيين في هذا الاتجاه، مدفوعين بضرورات اقتصادية واستراتيجية وصناعية.
هذا هو الحال بالنسبة لسبع دول -الصين، وفيتنام، وبوروندي، والاتحاد الروسي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وزيمبابوي، ولاوس. وكما تؤكد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن «ما يقرب من 94% من القيود الجديدة في عام 2023 تأتي من سبع دول، منها ثلاث دول إفريقية. تعكس هذه الإجراءات رغبة متزايدة في التحكم في الموارد الاستراتيجية وتغيير النماذج الاقتصادية».
لنحلل الديناميات الإفريقية، وخاصة الدول المعنية، والأدوات المفضلة، والمواد المستهدفة، والمبررات المقدمة، مع دراسة آثارها في سياق التوترات الجيوسياسية والتبعيات العالمية.
بين السيادة والاستراتيجية الصناعية
في عام 2023، برزت ثلاث دول إفريقية -بوروندي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وزيمبابوي- كلاعبين رئيسيين في الموجة العالمية المتمثلة في القيود المفروضة على التصدير، حيث شكلت مجتمعةً 34% من صافي الإجراءات المتخذة (بوروندي: 21%، وجمهورية الكونغو الديمقراطية: 7%، وزيمبابوي: 6%).
وبعد التحقيق يتبين أن بوروندي اختارت إصلاحات ضريبية تستهدف الصادرات، ففرضت أو راجعت الرسوم على المواد الأولية، بهدف معلن هو ملء خزينة الدولة.
وبالمقابل، فرضت جمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي حظرا شاملا على الصادرات، وخاصةً على المعادن الخام، لإجبار شركات التعدين على معالجة هذه الموارد محليا. وتبرز هذه الاستراتيجيات توترا بين المنطق الموازناتي قصير الأجل والطموحات الصناعية طويلة الأمد.
أما الدول الإفريقية الأخرى (الغابون، وغانا، وغينيا، وجنوب إفريقيا)، على الرغم من أنها مشمولة بدراسة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فلا تزال هامشية في هذه الحركية، حيث تطبق قيودا ظرفية وأقل صرامة. وتندرج هذه الدينامية في سياق تسعى فيه الدول الإفريقية إلى القطع مع دورها التقليدي كموردين للمواد الأولية، مع مواجهة ضرورات السيادة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب الأزمات الجيوسياسية الأخيرة.
Ryad Mezzour, ministre de l'Industrie et du Commerce du Maroc. Le Royaume a adopté depuis quelques années une stratégie plus interventionniste ciblant notamment les exportations de lingots de cuivre, d’aluminium, et les exportations de cuivre jaune (alliage cuivre-zinc).. le360
المغرب: المراقبة التنظيمية التدريجية
وإذا كان المغرب لا يظهر من بين أكثر الدول الإفريقية نشاطًا في فرض قيود التصدير بين عامي 2009 و2023، وهي الفترة التي غطتها دراسة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلا أنه اعتمد استراتيجية تدخلية في السنوات الأخيرة. ففي مارس 2025، فرض مرسوم وزاري شرطا للحصول على ترخيص تصدير لسبائك النحاس والألومنيوم والمعادن غير الحديدية، لمدة 24 شهرا، بهدف الحد من الصادرات «العشوائية» وتخصيص هذه الموارد للصناعات المحلية، وخاصةً الصناعات الكهربائية وصناعات السيارات.
ويندرج هذا الإجراء في إطار مبدأ السيادة الصناعية، الذي يعززه تمديد المراقبة على صادرات النحاس الأصفر (سبيكة من النحاس والزنك) حتى فبراير 2026، والتي دخلت حيز التنفيذ منذ عام 2021 وجددت في عامي 2023 و2024.
وخلافا للحظر الشامل الذي تفرضه جمهورية الكونغو الديمقراطية أو زيمبابوي، يُفضل المغرب المراقبة التنظيمية التدريجية، التي تجمع بين زيادة إمكانية التتبع وحوافز التصنيع المحلي. وتشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، دون ذكر المملكة صراحةً في تقريرها لعام 2025، إلى أن هذه الإجراءات «تتماشى مع التوجه الإقليمي نحو تنظيم تدفق المواد الأولية الأساسية، مع تجنب الإجراءات المربكة». ومع ذلك، فإن هذا النموذج الهجين -الأقل حدة من الحظر ولكنه أكثر تعقيدا في تدبيره- يطرح تحديات: إذ يجب على الإدارة المغربية التوفيق بين جاذبية مستثمري التعدين والأولويات الصناعية الوطنية، في سياق يعد فيه المغرب ثالث أكبر منتج للنحاس في إفريقيا، بإنتاج قدره 92.612 طنا من مركز النحاس في عام 2023، والذي توفّره بشكل رئيسي مجموعة مناجم. إنها معادلة صعبة، لكنها تكشف عن التوازنات الجديدة التي تسعى إليها الاقتصادات الإفريقية في مواجهة الطلب العالمي على مواردها.
القيود السائدة
تفضل الدول الإفريقية نوعين من القيود لهما آثار اقتصادية مختلفة: رسوم على التصدير والحظر التام. وتجسد بوروندي المقاربة الأولى، حيث تلائم إجراءاتها مع منطق زيادة المداخيل العمومية من خلال فرض رسوم تزيد من تكاليف التصدير. على الرغم من أن هذه الضرائب أقل جذرية من الحظر، إلا أنها تزيد من تكلفة تصدير المواد الأولية أو تقلل من ربحيتها، مما يعزز بشكل غير مباشر معالجتها محليا. وبالمقابل، اعتمدت جمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي حظرا شاملا، يمنع تصدير المعادن الاستراتيجية مثل الكوبالت والبلاتين، رسميا لتحفيز الصناعة المحلية.
وإذا كانت الرسوم تهيمن على المشهد العالمي (54% من الإجراءات الجديدة في عام 2023)، تتميز إفريقيا بزيادة استخدامها للحظر (23% من إجمالي الإجراءات)، وهي أداة رادعة ذات آثار جيواقتصادية مهمة.
وتحذّر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من مخاطر هذه الإجراءات: «يمكن أن تعطّل سلاسل التوريد وتُثير ردود فعل تجارية انتقامية». وتعكس هذه الازدواجية توازنا معقدا بين الرغبة في تأكيد السيادة -حيث يمثّل الحظر إشارة سياسية قوية- والحاجة إلى الامتثال لقواعد التجارة الدولية، حيث تظل الرسوم أقل إثارة للجدل من الحصص أو الحظر. ومع ذلك، لا تزال الفعالية الواقعية لهذه الأدوات موضع تساؤل، لا سيما في الاقتصادات التي غالبا ما تفتقر إلى بنيات تحتية تنافسية للتصنيع.
المواد الخاضعة للرقابة وتحقيق القيمة المضافة
تركز القيود الإفريقية على المواد الأولية الاستراتيجية، مما يعكس التحديات الجيواقتصادية للتحول في مجالي الطاقة والرقمنة. ويتصدر الكوبالت قائمة هذه المواد، حيث يخضع 67% من التجارة العالمية لقيود، وخاصة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تنتج 70% من العرض العالمي. ومن خلال حظر تصدير المواد الأولية، تهدف جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى الاستفادة من القيمة المضافة المرتبطة بتصنيع البطاريات الكهربائية، وهو قطاع تهيمن عليه الصين وأوروبا.
يخضع النحاس والمنغنيز، وهما عنصران أساسيان للبنية التحتية الخضراء، للرسوم أو الحصص، كما هو الحال في زيمبابوي والغابون، في إطار سعيهما للتنويع الاقتصادي. وتقيد زيمبابوي، ثالث أكبر منتج للبلاتين في العالم، صادرات معادن مجموعة البلاتين «MGP» لتطوير قطاع تكرير محلي، لتلبية الطلب المتزايد من صناعتي السيارات والهيدروجين.
وفي الوقت نفسه، تخضع نفايات المعادن لضوابط متزايدة، مدفوعةً بالمتطلبات البيئية والرغبة في دمج الاقتصاد الدائري في استراتيجيات التعدين. ومع ذلك، تقلل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من هذا الحماس قائلةً: «إن هذه السياسات قد تساهم في إبطاء إعادة التدوير في الخارج، والتي تكون أحيانًا أكثر فعالية»، مشيرةً إلى أن القيود المفروضة على النفايات قد تعيق اقتصاد الحجم اللازم لتحقيق استدامة دائرية حقيقية.
بين الخطاب والواقع الاقتصادي
تدافع الحكومات الإفريقية عن قيودها على الصادرات بثلاث حجج رئيسية. أولا، تعزيز المعالجة المحلية، كما هو الحال بالنسبة جمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي، اللتين تمنعان تصدير المواد الأولية لإجبار المستثمرين على بناء مصانع معالجة على أراضيهما.
ثانيا، زيادة المداخيل الضريبية، كما هو الحال بالنسبة لبوروندي، حيث تُعوض الرسوم على التصدير ضعف الميزانية العامة، على الرغم من الشكوك حول استدامتها في مواجهة تقلبات الأسعار.
ثالثًا، الأمن الاستراتيجي، مع سعي الدول إلى تقليل اعتمادها على الأسواق العالمية، وخاصةً بالنسبة للمعادن الأساسية (الكوبالت والليثيوم)، التي يشهد الطلب عليها ارتفاعا هائلا. هذه المبررات، وإن بدت منطقية، تتعارض مع الحقائق الاقتصادية.
فعلى سبيل المثال، تفتقر جمهورية الكونغو الديمقراطية بشدة إلى البنيات التحتية للطاقة واللوجستيات اللازمة لمعالجة الكوبالت على نطاق واسع، مما يهدد بشل قطاع التعدين الذي يمثل 30% من صادراتها. والأسوأ من ذلك، أن هذه الإجراءات تؤجج التوترات مع شركاء مثل الصين والاتحاد الأوروبي، اللذين يعتمدان على هذه الموارد في صناعاتهما عالية التقنية والخضراء.
وتؤكد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه في حين أن «فعالية هذه القيود في تحقيق أهداف التنمية المستدامة تبقى محل نقاش»، فإن استمرارها قد يفاقم الاختلالات التجارية والتكنولوجية، مما يلحق الضرر بالاقتصادات الأفريقية نفسها.
ورغم أن القيود المفروضة على الصادرات الإفريقية مدفوعة بضرورات مشروعة، إلا أنها تشكل مخاطر على الاقتصاد العالمي وعلى كل دولة على حدة. وتحدد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ثلاثة تهديدات رئيسية. أولا، تجزئة سلاسل التوريد، والذي تم تسليط الضوء عليه سابقا من خلال الحظر الكونغولي على الكوبالت، وهو معدن رئيسي في صناعة البطاريات الكهربائية.
قد يؤدي الانخفاض الحاد في الصادرات إلى تأخير التحول العالمي في مجال الطاقة، حيث ينمو الطلب على السيارات الكهربائية بنسبة 35% في الربع الأول من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
ثانيا، تأثيرات الدومينو: تشجع التدابير الإفريقية الأحادية الجانب الدول المستوردة مثل الولايات المتحدة والهند على اتخاذ إجراءات مماثلة، مما يغذي دوامة حمائية من المرجح أن تؤدي إلى تآكل قواعد منظمة التجارة العالمية متعددة الأطراف.
ثالثا، عدم الفعالية البنيوية للسياسات، كما يتضح ذلك من خلال حالة زيمبابوي، حيث يجعل غياب مصانع تكرير البلاتين الحظر غير منتج، مما يقلل من عائدات التصدير دون خلق فرص عمل محلية.
وتفرض هذه المخاطر معادلة دقيقة على الدول الإفريقية: إما تحقيق السيادة الاقتصادية والتكامل المسؤول في سلاسل القيمة العالمية، أو المخاطرة بالعزلة التجارية أو زيادة الاعتماد على المقرضين الدوليين. ويتجاوز التحدي تدبير المواد الأساسية. إنه يضع مستقبل النموذج التنموي الأفريقي عند مفترق طرق.