أقوى العملات الإفريقية وأضعفها.. إليكم تقييم البنك الدولي

عملات إفريقية

في 23/05/2025 على الساعة 11:33

يرسم تقرير «نبض إفريقيا»، صادر عن البنك الدولي، صورة لإفريقيا جنوب الصحراء بثلاث سرعات: البلدان الإصلاحية التي تستفيد من الحكامة النقدية ذات المصداقية، والاقتصادات الهشة التي تكافح من أجل كبح جماح أزمات الصرف، و«البلدان الأخرى»، ولا سيما البلدان في وضعية وسطى، حيث تتراجع معدلات التضخم ولكنها تبقى مرتفعة، أو تلك التي تمر بحالة توقف نقدي.

ويكشف تقرير «نبض إفريقيا»، الصادر عن البنك الدولي، الضوء أن «سبعة من كل عشرة بلدان في إفريقيا جنوب الصحراء استقرت معدلات التضخم فيها عند رقم واحد»، في حين تعاني بقية البلدان من أجل تحقيق أهدافها. وترسم الوثيقة صورة متباينة لعدد من العملات الإفريقية. ورغم تسارع وتيرة انفخاض التضخم، مدفوعا بتراجع أسعار المواد الغذائية واستقرار نسبي للعملات، فإن التفاوتات الإقليمية والهشاشة البنيوية لا تزال قائمة.

وهكذا، في مواجهة التضخم وإصلاحات صرف العملات التي لوحظت هنا وهناك، يشير البنك الدولي إلى أنه من حيث الاستقرار النقدي، أدت الإصلاحات في أسواق الصرف (نيجيريا وإثيوبيا) وتخفيف الشروط المالية إلى تعزيز قيمة بعض العملات.

لمحة على الديناميات النقدية والإصلاحات الجارية والتحديات التي تواجه البلدان الإفريقية، مع تسليط الضوء على العملات ذات الأداء العالي والأزمات الحادة والخيارات المتعلقة بالسياسة الاقتصادية.

وضعية متباينة

يؤكد تقرير «نبض إفريقيا» تسارع انخفاض التضخم في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، إذ تراجع من 9.8% في نهاية عام 2022 إلى 4.2% في بداية عام 2025. ومع ذلك، فإن هذا التحسن العام يخفي تفاوتا متزايدا بين اقتصادات المنطقة. ويشير الفارق بين الربعين في معدلات التضخم، الذي بلغ 6 نقاط مئوية في نوفمبر 2022، إلى 10 نقاط في يناير 2025، إلى زيادة فوارق بين البلدان.

وإذا كانت بعض البلدان، مثل كينيا وبوتسوانا، تتحكم في التضخم، فإن بلدانا أخرى، مثل أنغولا وغانا ونيجيريا وزيمبابوي، لا تزال تعاني من معدلات كبيرة، بل وتتجاوز 40% في السودان بسبب الصراعات واختلالات الاقتصاد الكلي العميقة. وأشار البنك الدولي إلى أن «التباين في معدلات التضخم يظل مرتفعا، مما يعكس التحديات البنيوية والصدمات غير المتكافئة»، وهي العبارة التي تلخص التفاوت في القدرة على الصمود بين الدول. ويرجع تباطؤ التضخم بشكل رئيسي إلى انخفاض أسعار المواد الغذائية، التي انخفضت من ذروة تاريخية بلغت 14.8% في عام 2022 إلى 6.1% في أوائل عام 2025.

ومع ذلك، يظل الوضع هشا: إذ يظل التضخم الغذائي أعلى من المتوسط العام، ويهدد الارتفاع الطفيف في أسعار المواد الغذائية الدولية (زائد 8.2% على أساس سنوي في يناير 2025) البلدان التي تعتمد على الواردات، مثل تلك الموجودة في غرب وشرق إفريقيا. وهو أمر يكشف الضعف المستمر للاقتصادات الإفريقية في مواجهة الصدمات الخارجية والاختلالات البنيوية في الأسواق المحلية.

العملات الصامدة

من بين العملات الإفريقية، تتميز بعض العملات بأدائها الجيد، نتيجة للإصلاحات البنيوية وبيئة مالية أكثر مرونة. فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن ترتفع قيمة الشلن الكيني بنسبة 20% في عام 2024، وهو الارتفاع الذي يعزى إلى استقرار توقعات سعر الصرف، وتحسن السيولة في سوق الصرف الأجنبي، والآثار التراكمية لسياسات الشفافية التي بدأها البنك المركزي. وأظهر الراند الجنوب إفريقي، إلى جانب عملاته المرتبطة به (الدولار الناميبي، والليلانجيني الإيسواتيني، ولوتي ليسوتو)، تقلبات معتدلة، حيث ظل يدور حول مستويات نهاية عام 2023 على الرغم من الضغوط التضخمية الإقليمية. ويمكن تفسير هذا الصمود من خلال تعزيز مصداقية المؤسسات النقدية، وتدفقات رأس المال الأقل تقلبا، وفي حالة كينيا، من خلال الإصلاحات الرامية إلى الحد من التقلبات في سوق الصرف.

وأشار البنك الدولي إلى أن هذه النجاحات النسبية توضح التأثير الإيجابي للحكامة النقدية، والقادرة على جذب المستثمرين الأجانب واحتواء التوقعات المضاربية. ولكن هذا الاستقرار يظل مشروطا: فهو يعتمد بشكل وثيق على استمرار الإصلاحات البنيوية والقدرة على امتصاص الصدمات الخارجية، مثل التقلبات في أسعار السلع الأساسية أو التوترات الجيوسياسية العالمية.

العملات التي توجد في أزمة حادة

وعلى النقيض من العملات الصامدة، عانت العديد من العملات الإفريقية من انهيارات دراماتيكية في عام 2024، مما يكشف عن نقاط ضعف بنيوية واختلالات عميقة في الاقتصاد الكلي. لقد خسر الجنيه الجنوب سوداني والبير الإثيوبي والنيرة النيجيرية أكثر من 40% من قيمتها هذا العام وحده، بسبب النقص المزمن في النقد الأجنبي، وارتفاع خدمة الدين الخارجي، وانخفاض عائدات التصدير، وخاصة في قطاع النفط (نيجيريا) والزراعة (إثيوبيا).

ففي نيجيريا، على سبيل المثال، تواجه عائدات تصدير النفط فترة صعبة في ربيع عام 2025. وهناك عدة عوامل، بما في ذلك انخفاض أسعار النفط، وزيادة المنافسة في الأسواق الدولية، والصعوبات البنيوية الداخلية، تؤثر على عائدات البلاد من النفط.

وعلى الرغم من تعافي الإنتاج والصادرات في عام 2024 (زائد 10% في الحجم مقارنة بعام 2023)، فقد تدهور الوضع في أوائل عام 2025. ولم يجد أكثر من 80 مليون برميل من النفط الخام المخطط لتصديرها في أبريل وماي 2025 من يشتريها، وهو وضع استثنائي يضع الاقتصاد النيجيري في وضعية صعبة.

ويأتي انخفاض أسعار النفط، والذي تفاقم على وجه الخصوص بسبب القرارات السياسية الدولية (الرسوم الأميركية الجديدة)، في وقت وصل فيه الإنتاج النيجيري إلى أدنى مستوياته منذ سنوات. وتؤدي المنافسة من جانب النفط الأميركي، وخاصة في آسيا، إلى تقليص المنافذ التقليدية للنفط النيجيري. وهو وضع من شأنه أن يحرم نيجيريا من مئات الملايين من الدولارات من المداخيل، في حين تمثل عائدات النفط نحو 70% من المداخيل العامة و90% من عائدات النقد الأجنبي للبلاد.

وأكد البنك الدولي أن «الدول التي تواجه نقصا في النقد الأجنبي شهدت انخفاضا حادا في قيمة عملاتها»، وهو الواقع الذي يوضح العلاقة المتشابكة بين نقص السيولة في أسواق الصرف، وانعدام ثقة المستثمرين، والضغوط التضخمية. ويعني نقص السيولة في سوق الصرف أنه يصبح من الصعب شراء أو بيع العملات بسرعة، دون التسبب في تقلبات كبيرة في الأسعار أو الاضطرار إلى قبول شروط صرف غير مواتية.

وفي نيجيريا، أدى التراجع التاريخي للنيرة إلى إصلاحات جريئة. وقد سمح توحيد سعر الصرف وربطه بآليات السوق بالاستقرار النسبي في بداية عام 2025، مدفوعا بتحسن السيولة وتقليص الفجوات بين أسعار الصرف الرسمية والموازية.

وفي إثيوبيا، أدى انخفاض قيمة البير بنسبة تزيد عن 50% في عام 2024 إلى تسريع عملية إصلاح نقدي شملت تحديد سعر رئيسي عند 15% وعمليات السوق المفتوحة لتنظيم أسعار الفائدة بين البنوك. ورغم أن هذه التدابير نجحت في وقف النزيف بحلول عام 2025، فإن الاستقرار يظل هشا، ويعتمد على التدبير الصارم لاحتياطيات النقد الأجنبي وانتعاش الصادرات. وتكشف هذه الحالات الدائرة المفرغة التي تربط الديون السيادية والاعتماد على المواد الخام وعدم الاستقرار النقدي.

السياسات النقدية: بين الحذر والتباين

وفي مواجهة بيئة اقتصادية غير مؤكدة، تتبنى البنوك المركزية الإفريقية مواقف متناقضة، تتسم بمخاطر التضخم ومتطلبات النمو. ففي البلدان التي تقترب فيها معدلات التضخم من الأهداف، مثل كينيا وجنوب إفريقيا وناميبيا، اختارت السلطات التيسير النقدي، وخفض أسعار الفائدة الرئيسية لتحفيز الاستثمار والاستهلاك. وعلى العكس من ذلك، قامت اقتصادات مثل غانا ونيجيريا وزامبيا برفع أسعار الفائدة لديها مؤخرا، ردا على ارتفاع التضخم، وخاصة في المواد الغذائية، والذي تفاقم بسبب الصدمات المناخية والتوترات في الأسعار العالمية.

البلدان «في وضعية وسطى»

وبين هذين النقيضين، تتموقع «الاقتصادات الأخرى»، وهو مصطلح يشير إلى الاقتصادات الإفريقية في وضعية وسطى، أي أنها ليست في أزمة حادة ولا مستقرة تماما. وهذه بلدان حيث يظل معدل التضخم، على الرغم من انخفاضه، أعلى من أهداف البنوك المركزية (تنزانيا وملاوي وأنغولا)، حيث اختارت السلطات النقدية فيها وقف دورة التشديد النقدي بعد أشهر من رفع أسعار الفائدة.

وتواجه هذه البلدان، كما وصفها البنك الدولي، اختلالات مستمرة: التضخم الغذائي، وهامش مناورة مالي محدود بسبب الديون، وأحيانا أسعار الصرف الصارمة (حالة البلدان الأعضاء في الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا و الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا، التي ترتبط عملاتها بالأورو). إن مقاربتهم القائمة على «الانتظارية» تعكس اختيارا صعبا: احتواء الأسعار دون خنق النمو البطيء بالفعل، في سياق من المخاطر الخارجية المرتفعة (تقلب أسعار السلع الأساسية، والتوترات الجيوسياسية). وتكشف هذه الاقتصادات التحدي الذي يفرضه التحول بعد الأزمة: النجاح في ترسيخ التوقعات التضخمية مع تجنب التعديل النقدي الذي قد يكون قويا للغاية بالنسبة للفاعلين المحليين.

وأشار البنك الدولي إلى أن «توجه السياسات النقدية سيعتمد على ثلاثة عوامل: مستوى التضخم، وهامش المناورة الاقتصادية، والسرعة المطلوبة للعودة إلى الأهداف»، وهي معادلة معقدة في سياق تباطؤ النمو العالمي.

يشار أيضا إلى أن الصدمات المناخية (الجفاف والفيضانات) تزيد الوضع تعقيدا. ومن خلال نقص المحاصيل وزيادة أسعار المواد الغذائية الأساسية، مما يجعل البنوك المركزية مضطرة إلى الاختيار بين السيطرة على الأسعار ودعم الفئات السكانية الهشة. إن التباين في السياسات يعكس الخصوصيات الوطنية والافتقار إلى التوافق بشأن الرد الأمثل في بيئة عالمية متقلبة.

المخاطر المستقبلية: عدم اليقين العالمي والهشاشة المحلية

يحذر البنك الدولي من خطرين رئيسيين من شأنهما أن يعرضا التقدم الذي أحرز مؤخرا في إفريقيا جنوب الصحراء للخطر: الحمائية التجارية العالمية والديون السيادية. إن التهديد الأول، والذي تجسد في الإجراءات التجارية التقييدية، يهدد بزيادة تكلفة الواردات (المواد الغذائية، والمدخلات الصناعية) وتفتيت سلاسل التوريد، مما يؤثر على الاقتصادات التي تعتمد على الأسواق الخارجية.

أما العامل الثاني، المرتبط بارتفاع خدمة الديون المقومة بالعملات الأجنبية (الدولار والأورو)، فيؤدي إلى تآكل احتياطيات النقد الأجنبي ويزيد من تعرض العملات المحلية للصدمات الخارجية. وفي نيجيريا، وعلى الرغم من الاستقرار التقني للنيرة بفضل توحيد أسعار الصرف، فإن الهشاشة لا تزال قائمة في غياب التنوع الاقتصادي خارج المحروقات. الاعتماد على الموارد الاستخراجية يحد من القدرة على توليد النقد الأجنبي من خلال الصادرات التنافسية، مما يؤدي إلى استدامة دورة الديون وانخفاض قيمة العملة.

وشدد البنك الدولي على أهمية السياسات البنيوية: تعزيز المؤسسات، والتنويع الإنتاجي، والتدبير الحذر للديون. وتشكل هذه التحديات، إلى جانب البيئة الجيوسياسية المتوترة، تحذيرا بأن الاستقرار النقدي في إفريقيا يظل توازنا هشا، ويعتمد على الإصلاحات الداخلية الطموحة والدعم الدولي المنسق.

تحرير من طرف موديست كوامي
في 23/05/2025 على الساعة 11:33