تأتي قيمة هذا الكتاب، لا في كونه يتناول مدينة طنجة بسبب ما شهدته المدينة من شهرة واسعة خلال الفترة الكولونيالية، وإنما لأنها ركزت بطريقة خاصّة على الفترة التي كانت فيها طنجة منطقة دولية، بحيث عرفت المرحلة تحوّلاً كبيراً وأنتجت من الممارسات الثقافية والفنية ما جعل المدينة تشتهر بعمارتها وثقافتها. والحقيقة أنّ هذا النوع من الكتابة التاريخية، لا نكاد نعثر عليه داخل البحث التاريخي بسبب صعوبة هذا النوع من البحث الذي يدفع الباحث إلى الحفر في منطقة صغيرة وإبراز ما تنضح به من أفكار دون الخروج عن موضوع البحث. ورغم الكتابات الكثيرة التي تناولت مدينة طنجة، فإنّ هذه الدراسة، تحاول من جهتها أنْ تضيف جديداً يُعوّل عليه من خلال حفرها في المعمار والثقافة والمجتمع.
يقول الباحث « عرفت طنجة خلال الفترة الدولية تحولات عميقة مست عدداً من الأبعاد الاجتماعية والمعمارية والثقافية، إذْ انتقلت من موقع حضري إلى مجال حضاري دينامي متفاعل مع قوى التحديث والتمدين. ويكفي أن نشير إلى احتضانها أول الجرائد الورقية المغربية وأول الفرق الرياضية وأو العروض الفنية التشكيلية إلى جانب أول مسرح بمواصفات عصرية وفنادق ومقاه مصنفة وبنوك ومراكز للبريد والاتصالات. إنّ دراسة طنجة من زوايا الاجتماع والمعمار والثقافة خلال الفترة الدولية، لا تندرج في إطار التأريخ لمرحلة معينة، بل تتجاوز ذلك إلى مساءلة آليات التحوّل الحضاري وفهم شروط التفاعل بين المحلي والدولي. فبينما كان المعمار في طنجة يعكس بصمته البصرية من خلال ارتفاع البنايات الأوروبية التي اندمجت مع الخصوصية المحلية، كانت الثقافة تمور حاملة في طياتها تجليات هذا التفاعل الخصب ».
