في هذا الماستر كلاس، يتعرف المرء على سيرة المخرج سعد الشرايبي وقيمته الفنية وإمكاناته التخييلية في اجتراح صورة سينمائية مختلفة، لا تلهث وراء أنْ تكون تجارية، بقدر ما تحاول أنْ تُدين الواقع وتساهم في ترويض الذاكرة. إنّ أفلام صاحب « الميمات الثلاث » عبارة عن سينما مُلتزمة بقضايا الناس وهمومهم، فهي وإنْ كانت تنطلق من ذاتية المخرج والفضاءات السياسية والاجتماعية التي عاش فيها، تظلّ بشكل أو بآخر تجد ملامحها في الهوية الجماعية للمغاربة وذاكرتهم. لقد استطاع سعد الشرايبي عبر أفلام من قبيل: « عطش » و »جوهرة بنت الحبس » و »طلب عمل » و »الميمات الثلاث » و »صمت الكمنجات » أنْ يؤسس لمشروع سينمائي مغاير يهجس بنوع من التجريب المذهل من ناحية الموضوعات ومدى تأثيرها على بنية تفكير المُشاهد.
حرص الشرايبي على إخراج أفلام تنطلق من خصوصية محلية مع ما يعيشه الفرد من أهوال ومآزق وتصدّعات. وذلك بما جعله من المخرجين الأوائل الذين جعلوا من الكاميرا أداة لإدانة الواقع المغربي. وتكشف معظم أفلامه عن العلاقة العضوية الوطيدة التي تتشكّل وتُنتسج بين السينما والمجتمع خلال لحظات مختلفة ومتباينة من التاريخ المعاصر. لدرجةٍ تغدو أفلامه عبارة عن وثيقة بصرية توثق لبعض الرجّات التي يمّر منها الفرد داخل المجتمع. يمتلك صاحب « الميمات الثلاث » وعياً كبيراً لاختراق الواقع وتفكيك أوصاله وميكانيزماته على شكل صُوَرٍ سينمائية باقية في الذاكرة والوجدان. غير أنّ تعامل الشرايبي مع الواقع لا يتم بطريقة المحاكاة وإنّما على شكل إنتاج واقع جديد يمشي بشكل موازي مع الواقع الأصلي.