المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان يكتب: الجزائر.. تصفية حسابات داخل طغمة الإنكشاريين

Bernard Lugan.

Bernard Lugan.

في 17/06/2025 على الساعة 11:00

مقال رأياليوم، وبعد تصفية أعضاء جناح الجنرال قايد صالح المعروف بـ«الشره»، جاء دور جناح الجنرال شنقريحة لـ« التمتع » بالمنصب. وأعضاء هذا الجناح يسرعون الخطى لأنهم يعلمون جيداً أنه عندما يرحل زعيمهم عن الحياة، سيأتي دورهم لتتم تصفيتهم من قبل العقيدات والجنرالات الذين يزداد نفاد صبرهم في انتظار دورهم... وهو ما يُشعل نار «التطهير الوقائي » التي يبادر بها الإنكشاريون المهددون.

تُظهر دراسة دقيقة للتاريخ أن الجزائر اليوم لا تزال متأثرة بشكل كبير بأساليب الحكم الموروثة عن الاستعمار التركي. إذ يعاني نظام المرادية حالياً من انقسامات داخلية تغذيها حرب شرسة بين الأجنحة العسكرية، تشبه إلى حد كبير الصراعات التي كانت تعصف بمكونات طغمة الإنكشاريين قبل عام 1830. خلال الفترة العثمانية، كان الهدف من السيطرة على « الإيالة » هو الاستحواذ على غنائم القرصنة وتجارة العبيد، أما اليوم، فالهدف هو التحكم في الدولة للاستفادة من ريع المحروقات ومختلف أشكال التهريب.

لنعد إلى هذا الماضي التركي الذي تتظاهر الرواية الرسمية بتجاهله، رغم أنه يشكل اليوم البنية التحتية العميقة للدولة العسكرية الجزائرية.

خلال فترة « البييلرباي » (1544-1587)، كان الحكم يتأرجح بين « طائفة الرياس » (وهم قادة القراصنة) والإنكشاريين. وخلال هذه العقود القليلة، كانت تصفية الحسابات كثيرة، حيث أُلقي بالبييلرباي حسن كورسو حيا على خطاطيف سور قلعة باب عزون، وفي عام 1557 تم ذبح محمد كوردوغلي.

أما فترة ما يُعرف بـ« الباشوات الثلاثيين » (1587-1659) الذين كانت تعيّنهم « الباب العالي » لولاية من ثلاث سنوات، فكانت أكثر هدوءا، لأن هذا المنصب كان يُشترى، وكان هدف الباشا هو استرداد ماله ثم تحقيق الثراء خلال ولايته، لذلك كانت أولويته عدم خلق أعداء محليين.

في المقابل، كانت فترة « الآغوات » (1659-1671) مرحلة قيام ما يشبه الجمهورية العسكرية بقيادة « آغا » الإنكشاريين الذي يُنتخب لمدة شهرين فقط، مما أدى إلى فوضى عارمة، حيث مات جميع الآغوات ميتة عنيفة.

الفترة التي تلتها كانت عهد « الدايات »، من عام 1671 حتى دخول الفرنسيين عام 1830. وخلال هذه الفترة تعاقب 29 دايا، 17 منهم اغتيلوا. من بينهم:

  • محمد بغدادش، الذي قُتل على يد الجماهير في 22 مارس 1710،
  • دلي إبراهيم، اغتيل على يد حرسه،
  • محمد بن حسن، قُتل على يد الرياس عام 1724،
  • إبراهيم كتشوك، سُمم سنة 1748،
  • محمد بن باكير، قُتل في ديسمبر 1754 على يد أوزون علي الذي أعلن نفسه دايا ثم قُتل في اليوم نفسه،
  • بابا علي بلموتي، سُمم سنة 1766،
  • مصطفى، ذُبح سنة 1805،
  • أحمد باي، قُطع رأسه على يد الإنكشاريين في 7 نوفمبر 1808،
  • حاج علي وعمر آغا، خُنقا، الأول في 7 أبريل 1809، والثاني في 8 أكتوبر 1816.

واليوم، وبعد تطهير جناح الجنرال قايد صالح الملقب بـ« الشره« ، جاء الدور على جناح الجنرال شنقريحة لـ« الاستفادة » من المنصب. لكن أعضاء هذا الجناح يتصرفون بسرعة لأنهم يعرفون أن لحظة وفاة زعيمهم ستعني بداية نهايتهم أيضا، حينها سيُصفّون من طرف ضباط سامين ينتظرون فرصتهم بشغف… مما يؤدي إلى هجمة تطهيرية وقائية يقودها الإنكشاريون المهددون.

لهذا السبب تتزايد الاعتقالات، غالبا بذريعة تهم واهية، في استمرار لحروب الأجنحة التي بدأت منذ عام 1962 مع انقلاب جيش الحدود على الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (GPRA).

نتيجة هذه الحرب الضروس بين الأجنحة العسكرية في الجزائر، سيصبح من الأسهل قريبا إحصاء الجنرالات الذين لم يدخلوا السجن، فقد سُجن أو سُجن سابقا عشرة جنرالات كبار، وستون جنرالا، وخمسة وثمانون عقيدا في السجن العسكري بالبليدة.

تحرير من طرف برنارد لوغان
في 17/06/2025 على الساعة 11:00