طائرات «الدرون» والتكنولوجيا المتطورة.. كيف طوّر المغرب صناعته العسكرية؟

Le drapeau du Royaume du Maroc. (Y.El Harrak/Le360).

علم المملكة المغربية. (يوسف الحراق/Le360).

في 14/02/2025 على الساعة 12:00

فيديوبعد العديد من المشاريع المعزولة التي أطلقت بعد الاستقلال، نجح المغرب في السنوات الأخيرة في العثور على الصيغة الملائمة لتطوير صناعته العسكرية الخاصة. وتعمل الاستراتيجية الوطنية في هذا المجال، المستندة بشكل أساسي إلى رؤية ملكية شاملة، على تحويل البلاد إلى آلة أداة حقيقية من خلال مضاعفة الشراكات وتوطين أفضل التقنيات. تحليل.

كانت هذه المعلومة ستمر مرور الكرام لولا نشرها بشكل مقتضب في الجريدة الرسمية. فالمغرب سيتوفر على منصة إنتاج الطائرات بدون طيار من الجيل الجديد، وذلك بالشراكة مع أحد الشركات العالمية في هذا المجال. فيوم الأربعاء 29 يناير 2025، علمنا بإنشاء شركة «أطلس ديفنس»، وهي شركة تابعة لشركة بايكار التركية العملاقة لصناعة الطيران والدفاع، وهي الشركة نفسها المصنعة للطائرات بدون طيار الرهيبة من طراز بيرقدار تي بي 2 وآقنجي. والهدف تصميم وتطوير وتصنيع وصيانة الطائرات بدون طيار. وتسعى الشركة إلى تصميم وتجميع الأنظمة التكنولوجية لصناعة الدفاع، وخاصة في مجالات المراقبة والاستطلاع والاتصالات. كما سيشمل نشاطها أيضا إنتاج المعدات الإلكترونية والبصرية والميكانيكية، المستخدمة في التطبيقات العسكرية والصناعية.

قبل بضعة أشهر، وبالضبط يوم 27 شتنبر 2024، أعلنت إدارة الدفاع الوطني عن إبرام شراكة استراتيجية مع شركة تاتا أدفانسد سيستمز «Tata Advanced Systems Limited»، وهي شركة تابعة لمجموعة تاتا الدولية. والهدف هو الإنتاج المحلي للمركبة القتالية البرية «WhAP 8x8» في المصنع الذي يحمل اسم تاتا أدفانسد سيستمز المغرب. وسيتم إنجاز المشروع خلال فترة أقصاها ستة وثلاثون شهرا بمعدل اندماج محلي قدره 35% عند الانطلاق وسيرتفع إلى 50%.

إن هذين المشروعين لوحدهما يلخصان الدور الرائد الذي يلعبه المغرب الآن في تطوير صناعة الدفاع. كما أنها تفتح آفاقا واعدة للمستثمرين المهتمين بقطاعي الدفاع والتكنولوجيا العالية. كما أنها تقدم الدليل على أن الاستراتيجية الصناعية الدفاعية للبلاد بدأت تشق طريقها. ففي فاتح يونيو الماضي، أعطى الملك محمد السادس تعليماته من أجل إحداث منطقتين مخصصتين للصناعات العسكرية. وكان ذلك بمناسبة انعقاد مجلس الوزراء برئاسة الملك. ويوم 27 من الشهر نفسه نشر القرار في الجريدة الرسمية. وهكذا يمكن القول إنه منذ ذلك الحين، تسارعت وتيرة الأحداث، التي بدأت في عام 2022 باتفاقية بين المملكة وإسرائيل لإنشاء مصنعين مخصصين للطائرات بدون طيار.

والأمر لا يقف عند هذا الحد. فيوم 30 نونبر الماضي، وقع المغرب مذكرة تفاهم مع الشركة البرازيلية العملاقة «إمبراير (Embraer)»، تتعلق بإطلاق مشاريع صناعية مشتركة، تشمل على وجه الخصوص مجالات الطيران التجاري، والنقل الجوي الحضري...والدفاع. وفي حوار حصري مع Le360، كان أرجان ميجر، الرئيس-المدير العام للشركة البرازيلية العملاقة واضحا للغاية عندما قال: «ترغب إمبراير أيضا في العمل مع الحكومة والقوات المسلحة الملكية لإقامة تعاون صناعي مهم في مجال الدفاع. المغرب شريك مهم للغاية ونريد أن نرفع علاقاتنا إلى مستوى أعلى».

خلال الفترة نفسها، سار إريك لينسيني، نائب الرئيس المسؤول عن حرب الطائرات بدون طيار داخل مجموعة التكنولوجيا الفرنسية تاليس «Thales»، أحد الرواد العالميين في تقنيات الدفاع والفضاء، في الاتجاه نفسه عندما صرح لميكروفون Le360 قائلا: «إذا كانت هناك مقتضيات من شأنها تسهيل مشاركتنا في إنشاء مناطق للتسريع الصناعي الدفاعي في المغرب، فإننا بالتأكيد سنقوم بدراستها وتحديد القيمة المضافة بالشراكة مع الصناعة المحلية». وأضاف: «نحن منفتحون على كل أشكال التعاون التي يمكن أن تساعد في تعزيز حضورنا الصناعي في المملكة وخدمة زبنائنا».

وهكذا، فإن الاستراتيجية الصناعية للمغرب في مجال الدفاع جدية ومتينة وآخذة في الازدهار، مع اعتماد التكنولوجيا كمعيار للاختيار والاستثمار. إلى درجة أن الجار الجزائري بدأ يشعر بالانزعاج. أولا ضد تركيا، حيث اعتقد النظام الجزائري أنه يستطيع كسب ودها من خلال فتح أسواقه على مصراعيها لها. وحتى داخل النخبة الحاكمة، ارتفعت الأصوات للتنديد بفشل هذه الحسابات. واتجاه الهند، تحاول الجزائر حاليا التقارب معها. ففي الأسبوع الماضي، توجه رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أول سعيد شنقريحة، إلى نيودلهي لـ«تعزيز التعاون العسكري» بين بلاده والهند. إن التوقيت المختار للزيارة يطرح أكثر من علامة استفهام.

ولكن ما يجهله النظام الجزائري هو أن الاستراتيجية المغربية هي جزء من كل، أي تطوير النظام البيئي الصناعي بأكمله في البلاد، وأن كل ذلك لم يولد بين عشية وضحاها.

«منذ الاستقلال، تم تحديد الإرادة السياسية لإقامة صناعة الدفاع بشكل واضح»، يلخص أحد المسؤولين منتدى فار ماروك المطلع «Forum Far Maroc». قليل من الناس يعرفون ذلك، ولكن بمجرد استعادة المغرب لسيادته، اختار التعاون مع شركة بيريتا الإيطالية لبدء هذا الورش. وتم بالفعل إنشاء مصنع بمساحة 10 آلاف متر مربع في مدينة فاس. وأضاف قائلا: «كانت هذه الوحدة مخصصة لإنتاج الأسلحة -البنادق والمسدسات- والذخيرة. فهمنا منذ وقت مبكر أن امتلاك الأسلحة لا يكفي إذا لم يتم ضمان إمداد الذخيرة بشكل مستمر. فبدون ذخيرة تفقد الأسلحة كل فائدتها». لكن هذه التجربة الأولى سرعان ما اصطدمت بالحاجة إلى تكييف جهاز الإنتاج مع الحقائق الاقتصادية والتنظيمية في ذلك الوقت. وفي نهاية المطاف لم تتحقق الأهداف المحددة، وتم اعتماد خطة إعادة الهيكلة.

لكن طموحا جديدا تبلور في الثمانينات من القرن الماضي من خلال شركة «موروكان أيروسبايس». وقد تم تصميم وتقديم عدة نماذج أولية لطائرة التدريب. وأوضح المصدر أنه «تم تقديم طلبي لإنتاج 24 طائرة لفائدة القوات المسلحة الملكية، إلا أن التكلفة الباهظة لحرب الرمال والصراع في الصحراء أجهضت هذا المشروع».

استراتيجية صناعية شاملة

لقد تعزز الوعي بضرورة التوفر على صناعة للدفاع. وأكد مصدرنا قائلا: «في مواجهة جار يناصبنا العداء، كان من الواضح أننا لا نستطيع الاعتماد إلا على أنفسنا. فالانقطاع المفاجئ في إمدادات الذخائر وقطع الغيار من قبل بعض الحلفاء، ولا سيما الولايات المتحدة في عهد إدارة كارتر، جعل المغرب يفكر جديا في الاستثمار مجددا في الإنتاج الوطني، حتى لا يجد نفسه في حالة نقص في الوسائل الأساسية أثناء نزاع ما».

وكان لا بد من انتظار اعتلاء محمد السادس للعرش حتى تبدأ الأمور الجادة. فقد تم اعتماد استراتيجية شاملة هدفها إرساء أسس متينة للتنمية الصناعية الشاملة، من صناعة السيارات إلى صناعة الطيران، مرورا بطبيعة الحال بصناعة الدفاع. «لا يتعلق الأمر بتعزيز البنى التحتية القائمة فحسب، بل أيضا بإنشاء بنى تحتية جديدة تسمح بظهور قطاعات ذات قيمة مضافة عالية، من خلال استهداف مجالات استراتيجية. وحرص الملك على تمكين المغرب من إدماج القطاعات المستقبلية القادرة على توفير فرص العمل المؤهلة وجذب الاستثمارات الأجنبية».

وبعد استراتيجية الإقلاع الصناعي الأولى، تلتها استراتيجية المهن الجديدة في المغرب، وفي الوقت الحالي استراتيجية تسريع التنمية الصناعية. لقد تم تطوير نظام بيئي كامل على مر السنين، مما أدى إلى الإنتاج المستمر لمختلف الأسلحة والمعدات العسكرية. وتعتبر مشاريع مثل إنتاج مركبة تاتا المدرعة وطائرات بيرقدار بدون طيار نتيجة عقود من العمل والتعاون التكنولوجي والرؤية الاستراتيجية. كل ذلك بسبب قصة نجاح حقيقية، وهي قصة نجاح صناعة السيارات. بإنتاج 700 ألف وحدة سنويا، أثبت المملكة نجاح نموذجها الصناعي.

وهذا ما أكده الباحث المصري علاء بيومي، المحلل السياسي والعارف بالتطور الصناعي في المغرب. وأوضح في مقطع فيديو مخصص لهذا الغرض قائلا: «لقد جعل المغرب من صناعة السيارات مختبرا حقيقيا للأفكار والابتكار. لقد بدأت البلاد مبكرا، وأطلقت عدة مشاريع قبل أن تجد الصيغة الملائمة في السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية. وهمت تدريجيا عددا من القطاعات مثل صناعة الطيران وحتى صناعة الأسلحة. إن هذا العمل طويل النفس يجعل المغرب اليوم ليس فقط فاعلا صناعيا رائدا، بل أيضا شريكا دوليا مفضلا».

ضد الندرة ومع التنويع

ويعتمد نجاح هذه المقاربة على قدرة المغرب على إقامة شراكات متنوعة ومتينة، تضمن ليس فقط الوصول إلى التقنيات الأكثر تقدما، بل وأيضا قدرا من الاستقلالية في صيانة وتكوين الفرق المحلية. إن الاستعانة بالعديد من الشركاء الدوليين ــ من الأتراك إلى الهنود إلى الإسرائيليين ــ ليس أمرا اعتباطيا. إنه يرتكز على الرغبة في التنويع الاستراتيجي: فمن خلال مضاعفة مصادر التوريد ونقل التكنولوجيا، يتجنب المغرب الاعتماد على مورد واحد. وهو خطأ ارتكبته على وجه الخصوص الجارة الجزائر التي تعتمد بشكل شبه كامل على موردها الروسي.

وأوضح لنا محمد لوليشكي، السفير والممثل السابق للمغرب لدى الأمم المتحدة، والخبير البارز في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد والمتخصص في الديبلوماسية وحل النزاعات قائلا: «نعلم جميعا أنه عندما تكون دولة ما تقليديا زبونا لمصدر معين لتوريد الأسلحة، فإن ذلك يصبح مشروطا. وتأتي الأسلحة مع تكنولوجيا محددة، وتدريب محدد، وقابلية التشغيل البيني. ولذلك، من الصعب تغيير المورد بين عشية وضحاها ولا يمكن القيام بذلك إلا تدريجيا».

وبحسب المصدر نفسه، فإن العمل بالتنويع بالأمس فقط. فالمملكة المغربية تعاونت منذ عام 2006 مع فرنسا وبلجيكا لتحديث أسطول طائرات ميراج إف 1، ومع إسرائيل لتكييف وتحديث طائرات نورثروب إف 5، للانتقال من مستوى تايجر 2 إلى مستوى تايجر 3، وبالتالي توفير نقل التكنولوجيا الأساسية لتطوير مهارات المهندسين المغاربة.

كما أن تحديث طائرات ألفاجيت في عام 2009 بالتعاون مع خبراء فرنسيين يثبت أن صناعة الدفاع المغربية لا تكتفي بشراء الأنظمة فحسب، بل تتعلم كيفية تصميمها وتكييفها، والأهم من ذلك صيانتها.

ويوضح مثال المدفعية أرض-جو، التي تم تطويرها في عام 2011 مع الصينيين، هذه الاستراتيجية: حيث لا يتم إنتاج المعدات محليا فحسب، بل تستفيد أيضا من نقل المعرفة.

إذا أردت السلم فاستعد الحرب

المنطق هنا اقتصادي ودبلوماسي أيضا. إن السوق المحلية، المحدودة الحجم، لا تبرر في حد ذاتها الاستثمارات الضخمة اللازمة لإنتاج الأسلحة على نطاق واسع: «ولهذا السبب تعتمد المملكة على التعاون المدني وغزو أسواق جديدة في إفريقيا. منذ 25 عاما، وتحت قيادة الملك محمد السادس، أقام المغرب علاقات اقتصادية وسياسية ودبلوماسية قوية مع عدد كبير من البلدان الإفريقية، مما يوفر منصة تصدير لمنتجاته الصناعية»، يؤكد مصدرنا في منتدى فار ماروك.

ولا تتيح شبكة التعاون هذه إمكانية جعل الاستثمارات في صناعة الدفاع مربحة فحسب، بل وتعزز أيضا الشراكات الأمنية. وأضاف محاورنا قائلا إن « القدرة على إنتاج الذخائر والطائرات بدون طيار وغيرها من المعدات العسكرية محليا تمنح المغرب أداة دبلوماسية في علاقاته مع الدول الصديقة والشقيقة». ومن خلال تطوير القدرة الإنتاجية القابلة للتصدير، تصبح المملكة جزءً من دينامية إقليمية تساهم، إلى جانب تعزيز تحالفاتها، في تعزيز الاستقرار والأمن في جميع أنحاء القارة الإفريقية.

وتقدم صناعة الدفاع المغربية نفسها كنموذج للتعاون المندمج، القادر على استيعاب التكنولوجيات المتنوعة وتكييفها مع الاحتياجات المحددة لبيئة أمنية متغيرة باستمرار. ولهذه المرونة أهمية خاصة في سياق دولي يتسم بالتوترات الجيوسياسية وتزايد المنافسة في قطاع الدفاع. ومن خلال مضاعفة الشراكات –من بيريتا إلى تاتا، عبر بايكار وصناعة الطيران الإسرائيلية والعديد من الشركات الأخرى– تثبت المملكة أنه من الممكن الجمع بين السيادة والابتكار والربحية. وهذا وفق مبدأ واضح خاص بالمغرب: تسلح حسب احتياجاتك وليس وفق وسائل الآخرين.

وأكد عبد الحق باسو الخبير البارز أيضا في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد والمتخصص في قضايا الأمن والدفاع أن «العقيدة المغربية تتعلق أكثر بالتكنولوجيا والمعدات اللازمة عند الحاجة إليها. مجال تلعب فيه الذكاء والاستخبارات وحتى الباليستيك دورا أساسيا. ومن هذا المنظور، فهو أكثر انسجاما مع العصر. إن الحرب تُربح بالمعدات الفعالة والكافية. ولكن الأمر كله يتعلق بمعرفة كيفية اختيار هذه المعدات، وفقا للظروف، والعقيدة المعينة، واللوائح الخاصة باستخدامها».

المقاربة نفسها معتمدة في عمليات الاقتناء. «إن المغرب يستثمر بذكاء وانتقائية واعتماد النوعية من أجل التزود بالوسائل اللازمة لتنفيذ سياسته، التي هي دفاعية في الأساس... يمكننا أن نمتلك مائة دبابة، ولكن عندما يمكن تدمير عشر منها كل ساعة أو كل يوم بجهاز صغير، فهناك بالتأكيد دروس يجب تعلمها». وهنا التمليح واضح. إن الجار الذي يخطط لشراء أسلحة ثقيلة بقيمة 25 مليار دولار هذا العام، هو الذي يثير التساؤلات. ومن ناحية أخرى، ورغم أهميتها، فإن الميزانية البالغة 13.5 مليار دولار التي خصصها المغرب هذا العام تبدو هزيلة للغاية. الفرق هو في الأهداف المنشودة. يقول لوليشكي: «لدينا رؤية ملكية تهدف إلى قيادة المغرب نحو مجتمع سلمي، متطور، ديمقراطي، منفتح على العالم، سياسيا ودبلوماسيا وثقافيا. نحن لسنا ضد أحد. ولكن عندما يلجأ هذا الجار إلى التسلح بهذه الطريقة، فمن حق أي دولة أن تسعى إلى الرد على مثل هذا التوجه العدواني». وهنا يبدو الفرق واضحا وجليا.

تحرير من طرف طارق قطاب و هاجر خروبي
في 14/02/2025 على الساعة 12:00