يالها من صدفة عجيبة! في الوقت الذي يحتفي فيه عدد شهر مارس من مجلة «الجيش»، الناطقة باسم النظام العسكري الحاكم في الجزائر، بمحطات تحلية المياه، التي دشنها الرئيس عبد المجيد تبون قبل أيام، باعتبارها «خطوة عملاقة نحو تعزيز أمننا المائي»، كان المواطن الجزائري في ولايات عدة يفتح الصنبور ليكتشف أنه جاف كما هو حال وعود النظام. ففي عز شهر رمضان، وبينما ينتظر الصائمون قطرة ماء تطفئ ظمأهم، لم يجدوا إلا تصريحات جوفاء تسوّق لإنجازات «وهمية»، وكأن حكام قصر المرادية يعتقدون أن المحكومين يستطيعون ارتواء العطش بـ«البيانات الصحفية»!
افتتاحية مجلة «الجيش»، التي يبدو أنها تحولت إلى نشرة دعائية لمشاريع الرئيس تبون، لم تكتفِ بالإشادة بهذه المحطات، بل قدمتها على أنها «حبل النجاة» الذي سيخرج الجزائر من دائرة الشح المائي.
بيد أن هناك مشكلة صغيرة جدا، وهي أن معظم الجزائريين لا يرون هذا «الإنجاز العملاق»، بل يعيشون واقعا يختلف تماما عن ذلك الذي تروج له الماكينة الإعلامية الرسمية. فمنذ سنوات، يعاني المواطن من انقطاعات مستمرة للمياه، حتى أصبحت «السيتيرنات» و«البراميل» أدوات أساسية في كل بيت، ورغم ذلك، يصر النظام على إقناعهم بأنهم يعيشون في «جنة مائية»!
وبحسب الإعلام الرسمي، فإن الجزائر دخلت عصر المعجزات المائية بفضل محطات تحلية مياه البحر، التي أصبحت توفر أكثر من 60% من احتياجات البلاد من مياه الشرب. ومن يقرأ هذه الأرقام سيعتقد أن نوافير المياه العذبة تتدفق في شوارع البلاد الغنية بالغاز والبترول، وأن المواطن الجزائري يستحم بمياه معدنية! لكن الحقيقة صادمة، حيث لا يزال الجزائريون يتبادلون « جداول التوزيع » لمعرفة متى يأتي دورهم في الحصول على بضعة لترات من الماء.
وبينما تبالغ الأذرع الدعائية لنظام الجنرالات في الإشادة بمشاريع «التحلية» وكأنها اختراع جزائري، تتناسى أن هذه التكنولوجيا متاحة منذ عقود، حتى في مناطق تعاني من حصار خانق مثل غزة، التي تدير مشاريع مشابهة دون كل هذا الضجيج الإعلامي. ولكن الفرق أن الجزائر تتعامل مع أي مشروع بسيط وكأنه فتح مبين، طالما أنه يوفر مادة دسمة لتمجيد «عبقرية» السلطة.
إقرأ أيضا : الجزائر: معجزة تبون الجديدة.. تدشين محطة لتحلية المياه في وهران وتضخيمها لتكفي ست ولايات!
المفارقة الكبرى أن الجزائر تصنف ضمن الدول التي تعاني من الشح المائي، إذ لا يتجاوز نصيب الفرد من المياه العذبة 300 متر مكعب سنويا، وهو رقم بعيد جدا عن المعدل العالمي البالغ 1000 متر مكعب. لكن، بدل الاعتراف بالمشكلة والبحث عن حلول جذرية، يصر النظام على بيع الوهم للمواطنين، وتقديم حلول ترقيعية لا تسمن ولا تغني من عطش.
أما الجزائريون فباتوا يدركون أن هذه المشاريع، رغم ضرورتها، ليست الحل السحري الذي يروج له النظام. فالأزمة أعمق من ذلك، وتعود إلى سوء التخطيط، وتهالك البنية التحتية، والفساد الذي جعل الماء، وهو أبسط حقوق الإنسان، سلعة نادرة في بلد يحلو لرئيسه أن يصفه بـ »القوة الضاربة ».