الجزائر، التي لطالما تباهت بدورها في «تحقيق السلم الإقليمي»، تنكشف اليوم أمام الجميع كفاعل مزعزع للاستقرار في إفريقيا. فمن قطع العلاقات مع المغرب، إلى التهجم على ليبيا، فالأزمات المتتالية مع فرنسا وإسبانيا، ثم الآن افتعال جبهة جديدة جنوبًا مع مالي والنيجر وبوركينا فاسو، يتضح أن النظام العسكري في الجزائر يعتقد أن سياسة الهجوم «أفضل وسيلة للدفاع» دون مراعاة عواقب وتداعيات قراراته المجنونة على البلاد والعباد.
بل إن الجزائر اليوم هي الدولة الوحيدة في شمال إفريقيا التي تعيش أزمات دبلوماسية مفتوحة مع نصف جيرانها البريين، من أصل ستة! (المغرب – موريتانيا – تونس – ليبيا – النيجر – مالي). وهي الدولة المغاربية الوحيدة التي قطعت علاقاتها مع المملكة المغربية، وأغلقت أجواءها في وجه الطائرات المغربية، بل وأبقت حدودها البرية مغلقة منذ عام 1994.
مفارقات مضحكة
من المفارقات المضحكة أن النظام الجزائري يرفع شعار محاربة الإرهاب، في الوقت الذي توجه إليه اتهامات من عدة عواصم إفريقية بعرقلة جهود مكافحة الجماعات الإرهابية والانفصالية. فقد أثار رد وزارة الخارجية الجزائرية على قرار دول تحالف الساحل (مالي، النيجر، بوركينا فاسو) باستدعاء سفرائهم احتجاجا على ما وصفوه بـ«الدور التخريبي» للجزائر، موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
واعتبر كثير من المعلقين أن النظام الجزائري، وهو ينهال بالسباب على السلطات المالية، بدا وكأنه يوجه تلك الإهانات إلى نفسه. فالتعابير المستخدمة في الرد الجزائري، من قبيل «الزمرة غير الدستورية»، و«الطغمة الانقلابية المستأثرة بالسلطة»، و«المحاولات صرف الأنظار عن الفشل الذريع»، و«نهب الموارد على حساب التنمية».. اعتُبرت انعكاسا دقيقا لحال النظام الجزائري ذاته.
وهكذا، بدا خطاب الجزائر كمن يرشق خصمه بالحجارة بينما هو نفسه يقطن في «بيت من زجاج».
سياسة الهروب إلى الأمام
استدعاء الجزائر لسفرائها وغلق الأجواء، وافتعال النزاعات مع عدة دول في وقت واحد، ليس وليد صدفة، بل هو امتداد لعقيدة سياسية ترى في المواجهة والقطيعة وسيلة لإبقاء النظام العسكري في منأى عن المحاسبة الشعبية.
إقرأ أيضا : عزلة غير مسبوقة للجزائر: مالي والنيجر وبوركينا فاسو تستدعي سفراءها
ففي الداخل، يواجه النظام أزمة شرعية متجذرة منذ حراك 2019، وعجزا اقتصاديا واضحا، وتدهورا اجتماعيا غير مسبوق.
ومن أجل تغطية كل هذا، يختار الجنرالات باستمرار تصدير الأزمة نحو الخارج، عبر شيطنة الجيران، والترويج لنظرية المؤامرة، وصناعة عدو (وهمي) دائم.
عقيدة نظام شرير
من المغرب إلى ليبيا ومالي والنيجر وإسبانيا وفرنسا وحتى الإمارات، لا أحد يسلم من عدوانية الدبلوماسية الجزائرية. بل حتى القمم العربية صارت مناسبات لخطابات متعالية من الرئاسة الجزائرية، بدل أن تكون فرصة لرأب الصدع العربي.
فما الفائدة من الانتماء إلى ثلاثة فضاءات إقليمية كبرى — شمال إفريقيا، الساحل، والاتحاد المغاربي — إذا كان النظام الجزائري يتعامل معها وكأنها ساحات حرب وليس منصات للتكامل؟
وهكذا، في الوقت الذي تتجه فيه دول العالم نحو التكتلات وبناء التحالفات من أجل التنمية، يختار نظام العسكر في الجزائر أن يظل أسيرا لعقيدة عدوانية تقطع الأوصال وتزرع الشقاق وتشكل مصدر توتر دائم، ليس فقط لجيرانه، بل حتى لشعبه الذي يدفع وحيدا ثمن هذه العقيدة الشريرة.
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا