الجزائر: الأسباب الخفية التي دفعت عبد المجيد تبون إلى سجن ناصر الجن

Au centre de l'un des plus gros scandales d'Etat en Algérie, la mafia du tabac, Abdelmadjid Tebboune, Nacer El Djinn et Charaf Eddine Amara.

في قلب واحدة من أكبر فضائح الدولة في الجزائر توجد مافيا التبغ وعبد المجيد تبون وناصر الجن وشرف الدين عمارة

في 18/10/2025 على الساعة 16:06

القائد السابق للمديرية العامة للأمن الداخلي الجزائري، الجنرال عبد القادر حداد، المعروف باسم ناصر الجن، بات يشكل تهديدا حقيقيا لمنظومة الحكم في الجزائر. وبينما لا يزال الغموض يكتنف مكان وجوده الحالي، بدأت تتضح أخيراً الأسباب التي دفعت الرئيس عبد المجيد تبون إلى إقالته بشكل مفاجئ ثم سجنه.

فقد تم توقيف ناصر الجن بعد أسابيع قليلة فقط من إبعاده عن منصبه في 22 ماي الماضي، وأودع أولا في السجن العسكري بمدينة البليدة، ثم نُقل إلى سجن بشار غرب البلاد، قبل أن يُوضع تحت الإقامة الجبرية في فيلا تقع في مرتفعات العاصمة الجزائرية. ومنذ فراره المثير في شهر شتنبر، بات الرجل مطلوبا في جميع أنحاء البلاد. وتشير بعض المصادر إلى أنه لجأ إلى إسبانيا، بينما تؤكد أخرى أنه أُعيد اعتقاله وسُجن مجددا في الجزائر.

ورغم الغموض التام الذي يحيط بمصيره، فإن إعلان سجنه في شهر ماي أثار دهشة واسعة، لكون هذا المسؤول الأمني السابق كان معروفا بقربه الشديد من عبد المجيد تبون، إلى حدّ أنه أشرف بنفسه على تأمين إعادة انتخابه لولاية ثانية في شتنبر 2024.

فهل يتعلق الأمر بتصفية حساب جديدة داخل أجنحة النظام الجزائري؟ الأمر غير مستبعد، خصوصا وأن هذا النظام اعتاد الصراعات الداخلية بين مراكز النفوذ. وإذا كانت بعض التحليلات قد ربطت اعتقال ناصر الجن بتحقيق كان يجريه حول ثروات عائلات نافذة داخل السلطة، فإن تحقيقا جديدا أعدّه الصحفي الفرنسي الجزائري محمد سيفاوي يطرح فرضية أخرى أكثر حساسية: ناصر الجن، وفق شهادة أحد المقربين من الرئيس الجزائري، متورط مباشرة في فضيحة مافيا التبغ، التي كُشف عنها بعد فراره.

إنها شبكة ضخمة لتهريب السجائر انطلاقا من الجزائر، تتقاطع فيها مصالح السلطة السياسية وأوساط رجال أعمال إماراتيين والسوق السوداء، وتزدهر بفضل تواطؤات تمتد إلى أعلى هرم الدولة. أما العرّاب الفعلي لهذه الشبكة، فيُقال إنه ليس سوى عبد المجيد تبون نفسه.

وتزداد الفرضية مصداقية مع اعتقال زهير خلاف، المدير العام المساعد للشركة الجزائرية الإماراتية للتبغ (STAEM) وشركة « الاتحاد للتبغ » (UTC)بعيد توقيف ناصر الجن. كما أُقيل بعد ذلك شرف الدين عمارة، رئيس مجموعة « مدار » القابضة العمومية، والمساهم الرئيسي في شركة STAEM، التي تنتج سجائر « مارلبورو » و« L&M » بترخيص من « فيليب موريس ».زهير خلاف وشرف الدين عمارة هما شخصيتان محوريتان في صناعة التبغ بالجزائر، لكن الأهم أنهما شاهدان مباشران على تورط الرئيس عبد المجيد تبون ومقربيه في واحدة من أكبر فضائح الفساد في تاريخ الدولة الجزائرية.

ويواجه الرئيس تبون مخاطر جسيمة؛ فبعد قضية « خليفة » التي أطاحت به سنة 2002 من منصبه كوزير للسكن وأخرجته من الحكومة، قد تكون فضيحة مافيا التبغ هذه المرة كفيلة بإرساله وراء القضبان — لو كانت الجزائر دولة قانون فعلاً.إن اعتقال ناصر الجن وزهير خلاف، إلى جانب إقالة شرف الدين عمارة، تبدو بمثابة اعتراف ضمني بالذنب من رئيسٍ غارق في الفساد، يسعى بأي ثمن إلى إسكات الشهود المزعجين الذين يملكون أدلة على تورطه المباشر في السوق السوداء المربحة للتبغ.

ويبقى السؤال المطروح: إلى أي مدى يتورط عبد المجيد تبون في هذا النشاط غير المشروع؟ وما طبيعة علاقاته بالأشخاص الثلاثة المذكورين؟ ولماذا يملك كل الدوافع لإسكاتهم؟

بدايات حقد دفين على الإماراتيين

تعود فصول القصة إلى صيف عام 2001، حين كان عبد المجيد تبون لا يزال وزيرا للسكن، حيث استقبل رجلين إماراتيين هما عبد الله الحسيني وذراعه الأيمن أحمد حسن عبد القاهر الشيباني. كان الهدف من زيارتهما هو الاستثمار في السوق المربحة لصناعة التبغ في الجزائر. غير أن المشكلة أن هذا القطاع كان خاضعا حينها لاحتكار الدولة.وبحسب ما كشفه الصحافي محمد سيفاوي نقلا عن مصدر موثوق، فإن تبون، مقابل تسهيله لمشروع الاستثمار، تلقى وعدا من الحسيني بمنحه حصصا في شركة أوفشور كان الأخير يعتزم إنشاءها. وكـ«مقدمة رمزية» للصفقة، أهديت له ساعة « رولكس » فاخرة، وهي الهدية نفسها التي تلقاها مدير ديوانه محمد لخضر علوي، وكاتب عام وزارة السكن علي حمي.

لم يحتج تبون إلى أكثر من ذلك ليتحمس للمشروع، فسارع إلى تقديم شريكه الإماراتي المرتقب إلى مصطفى بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري آنذاك. وكما يلخص سيفاوي: « تطورت الأمور بسرعة، وحصل رجال الأعمال الإماراتيون على ما جاؤوا من أجله »، إذ جرى يوم 9 دجنبر 2001 تعديل قانوني أنهى احتكار الدولة لقطاع التبغ، وسمح للأجانب بامتلاك ما يصل إلى 49 في المئة من الأسهم.مصادفة أم ترتيب محكم؟ مهما يكن، فإن تبون، كما يروي سيفاوي، كان « في غاية السعادة، ورأى نفسه وقد أصبح على أعتاب ثراء كبير ».

لكن الرياح لم تجرِ بما اشتهى، إذ انفجرت قضية خليفة، الفضيحة المالية الضخمة التي أطاحت بمسيرته الوزارية، بعد أن ثبت تورطه فيها. ولا أحد ينسى أن الرئيس الجزائري الحالي رجل فاسد وعديم النزاهة؛ فقد اعترف أمام المحكمة بتلقيه من رفيق خليفة بطاقة ائتمان مشحونة بالعملة الصعبة من بنك لم يكن حتى يملك فيه حسابا.واقعة فساد فاضحة كانت كفيلة، في أي بلد يحترم سيادة القانون، بإنهاء المسار السياسي لأي مسؤول، إلا في «بلد العالم بالمقلوب»، كما وصفه مؤلفو كتاب «الداء الجزائري».

اضطر تبون إلى مغادرة الحكومة سنة 2002، ليدخل في فترة طويلة من التهميش السياسي. غير أنه كان يعتقد أن أصدقاءه الإماراتيين سيوفون بوعدهم ويكافئونه على خدماته، لكن العكس هو الذي حصل. فقد قرر هؤلاء ببساطة قطع علاقاتهم معه ومتابعة مشاريعهم مع عشيرة بوتفليقة.ويشرح سيفاوي نقلا عن مصادر مقربة من الرئيس الجزائري أن تبون «حمل منذ ذلك الوقت حقداً دفيناً تجاه الإماراتيين الذين تخلوا عنه»، مضيفا أنه «لم يغفر لهم أبدا هذا التخلي».

سوق التبغ.. غنيمة الأطراف المتنفذة

في خضم هذه التحولات، وبفضل القانون الجديد الذي أنهى احتكار الدولة، بدأ كل شيء يسير بوتيرة متسارعة. تم توقيع اتفاق شراكة بين الشركة الوطنية للتبغ والكبريت (SNTA) وائتلاف إماراتي يضم شركتين هما Arabs Investors وAraf Investment LTD، وذلك لإنشاء شركة مختلطة تحت إشراف مجلس مساهمات الدولة (CPE).وفي عام 2002، تم تأسيس شركة STAEM (الشركة الجزائرية الإماراتية للتبغ) رسميا، لتحصل على حق التوزيع الحصري في الجزائر لعلامة « مارلبورو »، بموجب اتفاق مع شركة « فيليب موريس »، التي منحت لعبد الله الحسيني – الذي كان يدير الشركتين الإماراتيتين المذكورتين دون أن يظهر رسميا – ترخيصا لتصنيع أبرز علاماتها التجارية.

في الأثناء، تحول سوق التبغ إلى إحدى القنوات الرئيسية للتجارة الموازية، تغذيها عمليات التهريب انطلاقًا من الموانئ والمناطق الحدودية. يوضح الصحفي محمد سيفاوي أن “شركات السجائر الإماراتية، عبر وسطاء وهميين، كانت تغذي السوق السوداء، خصوصًا نحو فرنسا”، بينما كانت الشركة الوطنية SNTA، المحرومة من هذه الشبكات، تنهار تدريجيا.ويضيف: « لم تكن SNTA ضحية السوق فحسب، بل ضحية استراتيجية منظمة لتحويل الأصول نحو مصالح أجنبية، بدعم من متواطئين داخل النظام« .ويستطرد سيفاوي مضيفا: « تُجسد قصة SNTA ما يحدث لمؤسسة عمومية حين تطغى المنفعة السياسية والمالية على المصلحة الوطنية. لقد كان تفكيكها عملية ممنهجة وصامتة لكنها مدمّرة. يمكن تخيل حجم الخسائر التي لحقت بالخزينة الجزائرية« .

ويضيف التحقيق أن عام 2017 شهد تأسيس مجموعة « مدار القابضة » (Madar Holding)، وهي مجموعة تبدو رسمياً تحت وصاية الدولة الجزائرية، غير أن رأسمالها كان مشتركا بين القطاعين العام والخاص وشريك أجنبي.وتكشف تحقيقات سيفاوي أن هذا الترتيب سمح لمدار بالاستحواذ على ما تبقى من أصول قطاع التبغ في الجزائر.في هذه المرحلة يظهر اسم شرف الدين عمارة، أحد المقربين من الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، والذي كان يشغل منصب المدير العام لمجموعة مدار عام 2017.ويؤكد التحقيق أن عمارة كان يعمل لحساب عبد الله الحسيني، ولعب دورا محوريا في شبكات تهريب السجائر، إلى جانب تبون نفسه.

حين تغلّبت شهية تبون للمال على حقده القديم

تغيرت المعطيات في عام 2019 مع انطلاق حراك 22 فبراير، الذي زلزل النظام الجزائري. في خضمّ هذه الاضطرابات، قرر الشيباني، الذراع اليمنى لعبد الله الحسيني، مغادرة الأراضي الجزائرية في مارس من ذلك العام، حاملا معه – وفقا لما يؤكده الصحفي محمد سيفاوي استنادا إلى مصادره – « عدة حقائب تحتوي على مبالغ مالية ضخمة من الدولارات واليورو ».

مع وصول عبد المجيد تبون إلى الحكم في نهاية سنة 2019، كان الأخير – بحسب رواية سيفاوي – مصمما على تصفية حساباته مع الإماراتيين الذين « تخلوا عنه سنة 2001 بعد أن كان هو من أدخلهم إلى دوائر عائلة بوتفليقة ».لكن الحسيني اختار اللعب بذكاء، محمّلا نائبه الشيباني مسؤولية كل التجاوزات السابقة، ومتعهدًا بفتح صفحة جديدة من التعاون الاقتصادي مع الرئيس الجزائري الجديد. ويبدو أن العرض كان مغريا بما يكفي، إذ يشير سيفاوي إلى أن «تبون لم يُبدِ أي اعتراض على الفكرة».

لبناء هذه العلاقة الجديدة القائمة على المنفعة المتبادلة، أوكل الحسيني المهمة إلى رجل ثقته شرف الدين عمارة، الذي كُلّف بدعم تبون ماديا، أي بتمويله بشكل مباشر، على حد وصف سيفاوي.وفي مقابل هذا « الولاء المربح »، كافأ تبون عمارة بتعيينه رئيسًا للاتحاد الجزائري لكرة القدم، في خطوة تعكس – وفق التحقيق – طبيعة الصفقة التي جمعت الطرفين.

لكن مسيرة عمارة في رئاسة الاتحاد لم تدم طويلا، إذ اضطر إلى تقديم استقالته في مارس 2022 تحت ضغط الشارع بعد إقصاء المنتخب الجزائري من تصفيات كأس العالم.ورغم ذلك، لم يختف الرجل من المشهد العام، إذ يلاحظ – كما يورد سيفاوي – أنه « ظل حاضرا في معظم الصور الرسمية التي توثق الأنشطة العلنية للرئيس الجزائري، بل ورافقه في بعض زياراته الخارجية »، ما يؤكد أن العلاقة بين تبون وعمارة تجاوزت الإطار الرياضي لتتحول إلى شراكة شخصية وثيقة.

الوجه الجديد لعبد المجيد تبون: العرّاب الأعلى لسوق المافيا في الجزائر

بلغت السوق السوداء لتجارة التبغ في الجزائر ذروتها خلال هذه الفترة، من خلال منظومة محكمة التنظيم تديرها شركة STAEM، التي أنشأت – بحسب الصحفي محمد سيفاوي – « نوعا من البورصة غير الرسمية لتحديد أسعار التبغ في السوق السوداء ».ويُقدّر سيفاوي حجم السيولة المتداولة في هذا القطاع بحوالي5 ملايين يورو يوميا، أي ما يعادل150 مليون يورو شهريا وفق أسعار الصرف في السوق الموازية.ويشرح الآلية بقوله: « تُشترى السجائر المهرّبة بأسعار منخفضة داخل الجزائر، ثم يُعاد بيعها في السوق المحلية أو تُهرّب إلى الخارج، خاصة نحو إفريقيا وأوروبا، حيث تُباع بأسعار مرتفعة، مما يدرّ أرباحًا ضخمة تمكّن كل وسيط من اقتطاع حصته».

غير أن نجاح هذا النشاط غير المشروع يتطلب مكافأة المتورطين على أعلى مستوى من السلطة في الجزائر.فبحسب سيفاوي، وبناء على معطياته الخاصة، فإن « الإماراتيين اضطروا إلى منح تبون وعائلته ربع العائدات الإجمالية الناتجة عن السوق السوداء، أي ما يقارب35 مليون يورو شهريا« .وتُسلَّم هذه الأموال، شهريا، إلى محمد تبون، نجل الرئيس الجزائري، وإلى عميروش حمداش، السكرتير الخاص لعبد المجيد تبون.

ويضيف سيفاوي أن هذا النشاط الإجرامي المربح يعود بالنفع أيضا على عائلة تبون من جهة المصاهرة، المقيمة في أدرار، إحدى النقاط المحورية في تجارة التبغ غير القانونية.ومن هناك تُنقل كميات ضخمة من السجائر إلى مناطق الجنوب ثم إلى دول إفريقية مجاورة في الساحل والصحراء.ويؤكد الصحفي أن «وراء هذا النشاط تقف عائلة الرئيس من جهة زوجته، وعلى وجه الخصوص صهره».

ويشير سيفاوي إلى أن دائرة المقربين من تبون تضمّ شخصيات أخرى متورطة في هذه السوق السرية، في مقدمتهم ابنه محمد تبون وسكرتيره الخاص عميروش حمداش، واللذان « يتلقيان بانتظام الأرباح المخصصة للطاغية الجزائري»، على حد تعبيره.

ولضمان استمرار هذا النشاط المافيوزي دون انكشاف، لم يكن على عبد المجيد تبون سوى إخفاء حقيقة أساسية: وهي أن شركة « مدار » ليست شركة عمومية، لأنها لا تخضع في الواقع لغالبية رأسمال مملوكة للدولة.فبحسب ما كشفه سيفاوي استنادا إلى مصادره، فإن هيكلة الشركة اليوم تقوم على النحو التالي:49% من الأسهم يمتلكها عبد الله الحسيني عبر اسم مستعار، و2% باسم ياسمينة حاج نصار – وهي موظفة سابقة بوزارة الصناعة أصبحت لاحقا تابعة للحسيني – أما 49% المتبقية فهي فقط حصة الدولة الجزائرية.أي إن الشركة مملوكة فعليا بنسبة 51% لمستثمر خاص أجنبي هو عبد الله الحسيني.

ومع ذلك، يعمل تبون على تغليف الحقيقة بخطاب رسمي مضلل يوحي بأن « مدار » شركة وطنية عمومية، بغرض إخفاء مصالحه المباشرة والشخصية داخلها، وكذلك شراكته غير المعلنة مع مالكها الحقيقي عبد الله الحسيني.ويخلص سيفاوي إلى القول إن تبون يسير على خطى أسلافه الذين تسببوا في انهيار الشركة الوطنية للتبغ والكبريت SNTA، بعدما سمحوا للإماراتيين بالسيطرة على هذه السوق الحيوية في الجزائر.وإذا كانت مرحلة عهد بوتفليقة قد شهدت تسهيل هذا « النهب المنظم » بفعل تواطؤ مسؤولين من قطاعات الصناعة والمالية والضرائب، فإن مرحلة تبون لا تختلف عنها إلا في شيء واحد: أن العرّاب الأعلى لمافيا التبغ اليوم ليس سوى الرئيس نفسه.

ناصر الجن وعمارة وخلف.. الثلاثي الذي قد يُسقط تبون

انهار هذا النظام بأكمله تقريبا مع دخول شخصية واحدة إلى المشهد: الجنرال ناصر الجن، الذي عُيّن على رأس المديرية العامة للأمن الداخلي (DGSI) في ربيع عام 2024.وكانت من بين المهام المسندة إليه، وفق ما كشفه الصحفي محمد سيفاوي، « توفير السيولة النقدية اللازمة لتمويل الشق غير القانوني من الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي عبد المجيد تبون ».

وبتوصية مباشرة من تبون، كُلّف ناصر الجن بالتواصل مع شرف الدين عمارة لجمع الأموال التي يقدّمها عبد الله الحسيني دعما للحملة. أما زهير خلف، فكان بدوره مكلّفًا بتسليم الأموال المتأتية من السوق السوداء، إضافة إلى تلك التي تُمنح بانتظام لتبون ومحيطه، لتغطية نفقات الحملة الانتخابية.

لكن، وفقا لمصادر سيفاوي، سرعان ما قرر ناصر الجن أن يقتطع نصيبه الخاص من الكعكة، معتبرا أنه « أدى خدمات جليلة للعشيرة الرئاسية » ويستحق مكافأة دون أن يستأذن أحدًا.وهنا بدأت نهاية الجنرال، لأنه تجرأ على المساس بحصة تبون وعائلته.ويشرح سيفاوي أن « عبد الله الحسيني، الذي كان يرسل نحو 35 مليون يورو شهريا إلى عشيرة تبون، قرر اقتطاع ما يعادل 180 مليار سنتيم جزائري، أي قرابة 7.5 ملايين يورو شهريا، لتسليمها إلى ناصر الجن، مما قلّص تلقائيًا نصيب الرئيس ومقربيه».

يواصل سيفاوي قائلا إن منطق الإماراتيين بسيط و«يحمل شيئا من الطابع المافيوزي». فهم يعتبرون أن «35 مليون يورو تمثل حصة الجزائريين»، وأنه «وإذا استجدّ وسيط جديد ينبغي دفع مستحقاته، فذلك يُقتطع من نصيبهم هم لا من أرباح الإماراتيين».

بعبارة أخرى، ناصر الجنّ « عضّ » فعليا في كعكة عشيرة تبون. «إن تدخّل ناصر الجنّ في لعبة إدارة السوق السوداء للسجائر، وهو المجال المحجوز لتبون وأسرته، جعل الديكتاتور الجزائري يفقد صوابه حرفياً، وفقاً لمصدري»، يوضح سيفاوي. ويضيف أن تبون يكنّ له حقداً أكبر لأنه سمح له سابقاً بالاستحواذ على تجارة استيراد الهواتف المحمولة بطرق احتيالية في الجزائر.

ويخلص الصحفي إلى القول «إن هذه القضية بالذات هي التي كانت القشة التي قصمت ظهر مدير المخابرات الداخلية السابق».

اليوم، ومع سجن ناصر الجن وتوقيف زهير خلف وإقالة شرف الدين عمارة – وهم ثلاثة أشخاص لعبوا دورا محوريا في إثراء عشيرة تبون غير المشروع وتمويل حملته الانتخابية عبر أموال السوق السوداء – تتضح الصورة أكثر.فالفضيحة التي تهزّ النظام الجزائري اليوم، على خلفية توتر العلاقات بين الجزائر والإمارات العربية المتحدة، تُظهر بجلاء هشاشة هذا النظام.

ويبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن يذهب عبد المجيد تبون لإنقاذ نفسه؟فإن لم يُحاكم قريبًا، فإن هذه القضية ستقوده عاجلا أم آجلا إلى السجن، تماما كما حدث لمعاونيه.إلا إذا اختار أن يسير على خطى ناصر الجن.. ويصبح هو الآخر هاربا من العدالة.

تحرير من طرف زينب ابن زاهير
في 18/10/2025 على الساعة 16:06