يشهد المغرب حاليا دينامية غير مسبوقة في تطوير البنيات التحتية. وتأتي هذه الدينامية في سياق خاص يتعلق باستضافة المغرب، إلى جانب إسبانيا والبرتغال، لمنافسات كأس العالم 2030، مما استدعى إطلاق مشاريع بنية تحتية كبرى تضاف إلى تلك المبرمجة سابقا أو التي توجد قيد الإنجاز، وتشمل شبكات النقل، المشاريع اللوجستية، التجهيزات الحضرية، والمنشآت المائية الاستراتيجية…
هذا الوضع أدى إلى ارتفاع كبير في الطلب على اليد العاملة، حيث يتم استقطاب جميع الفئات المهنية في قطاع البناء والأشغال العمومية، من عمال متخصصين ومهندسين وتقنيين وصناع مؤهلين، ما تسبب في نقص حاد في عدد من التخصصات، وفقاً لما أكدته الفيدرالية الوطنية للبناء والأشغال العمومية.
وقد تفاقمت هذه الأزمة بسبب تحسن الوضع الفلاحي بعد التساقطات المطرية الأخيرة، مما دفع بعدد كبير من اليد العاملة القروية التي كانت ترفد أوراش البناء إلى البقاء في المجال الفلاحي.
في بعض الحالات، أصبح الفارق بين الحاجة إلى اليد العاملة وعدد العمال المتاحين كبيرا لدرجة تهدد بتعطيل وتيرة إنجاز المشاريع، التي تلتزم بآجال تسليم صارمة.
هذا النقص الحاد جعل البعض يفكر في خيار استيراد اليد العاملة الأجنبية، كما فعلت قطر لإنجاز منشآت مونديال 2022. فهل يصلح هذا الخيار في السياق المغربي؟
محبوب: استيراد اليد العاملة غير وارد
بالنسبة لمحمد محبوب، رئيس الفيدرالية الوطنية للبناء والأشغال العمومية، والذي تحدث لموقع Le360، فإن فرضية استيراد اليد العاملة غير واردة.
ويشير إلى أن عددا كبيرا من العمال الأجانب، خصوصا من دول إفريقيا جنوب الصحراء، يشكلون بالفعل جزءا مهما من اليد العاملة النشطة حاليا في مختلف أوراش البناء عبر البلاد.
المشكلة في مكان آخر
ويرى محبوب أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في عدد اليد العاملة، بل في مستوى تأهيلها. ويوضح قائلا: «المشكلة مرتبطة أساسا بمسألة التأهيل. فبما أن العديد من الشركات التي تفوز بصفقات مشاريع البنية التحتية تتنافس على اليد العاملة المؤهلة، فإنها تضطر إلى توظيف عمال غير مؤهلين تماما، ما يفرض عليها تكوينهم بشكل سريع ومباشر في مواقع العمل»، مشيرا إلى أن هذا الوضع يُشكل عبئاً أكبر على الشركات الصغيرة.
كما اعتبر أن التكوين يشكل تحديا آنيا وهيكليا في آن واحد، ويتطلب رؤية طويلة الأمد. ويضيف: «بعيدا عن أفق 2030، من الضروري أن نبني منذ اليوم منظومة تكوين قادرة على مواكبة تطور القطاع واستباق حاجياته المستقبلية»، مشددا في الآن ذاته على أهمية التكوين المستمر.
«يجب أن يستفيد المواطنون من هذه الأوراش»
بدوره، اعتبر كريم شيخ، رئيس لجنة الرأسمال البشري داخل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، أن فكرة استيراد اليد العاملة مرفوضة تماما.
وقال: «من غير المعقول أن نستعين بأجانب، بينما يتوفر المغرب على قاعدة واسعة من اليد العاملة التي تحتاج فقط إلى التكوين. ينبغي أن يستفيد المواطنون المغاربة من هذه الأوراش، التي تشكل فرصة كبيرة لسوق الشغل، بالنظر إلى العدد الهائل من الوظائف التي ستخلقها، في وقت بلغ فيه معدل البطالة مستويات مرتفعة».
وأضاف شيخ أنه يدافع بشدة عن حقوق العمال المغاربة، داعيا إلى استثمار هذه الدينامية في محاربة البطالة وتعزيز التكوين المهني.
ضغط على تكلفة الأوراش
وقد أدى هذا الطلب الكبير على اليد العاملة إلى ارتفاع كلفة الأوراش، بحسب المهنيين. ويؤكد محمد محبوب أن الشركات التي لم تأخذ بعين الاعتبار ارتفاع الأجور ستتكبد خسائر مالية.
ولهذا، تحاول بعض الشركات تقليص المدة الزمنية المخصصة لإنجاز المشاريع، وربح بعض الأشهر لتقليص تأثير ارتفاع الأجور.
ويختم محبوب قائلا: «إذا ربحت شركة مثلا شهرين في آجال الإنجاز، فإنها ستتمكن من تحقيق وفورات مهمة في النفقات العامة»، مضيفا أن «ذلك سيكلف أقل من أداء غرامات التأخير».