أشرف الحساني يكتب: فنّ لا يُساير الواقع

أشرف الحساني

في 04/02/2025 على الساعة 18:00

رغم التحوّلات الوجودية التي بات يعرفها المجال المسرحي، ما يزال هذا الشكل التعبيري لم يحصل على ما يستحقه من ذيوع وانتشار على مستوى تفاعل الجمهور مع العروض المسرحية التي تشهدها العديد من المسارح داخل عدد من المدن.

إذا كانت السينما قد حقّقت في الآونة الأخيرة منزلة رفيعة ومرموقة على مستوى الإنتاج والإبداع والتفاعل، فإنّ المسرح ما يزال لم يُحقّق أيّ نجاح يُذكر. لا أتحدّث هنا عن الجوائز التي فازت بها بعض العروض المسرحية في بعض الأقطار العربيّة، وإنّما الأثر الفنّي الذي تتركه الفنون على المجتمع. إذا تأملنا الواقع جيّداً لا نعثر على أي أثر للمسرح على يوميات الناس، فهذا الشكل التعبيري لا يخلق الجدل بموضوعاته وإشكالاته ومشاهده وكتابته، إنّه مجرّد شكل فني عابر للواقع وغير قادر على تحقيق أيّ أثّر يُذكر داخل هذا الواقع.

كلّ هذا في وقتٍ استطاع فيه المسرح خلال سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم على تحقيق مشروع فني كبير، لدرجةٍ أصبح بها المسرح المغربي رائداً ومؤثّراً في مفهوم المسرح الحديث. فتجارب من قبيل الطيب الصديقي والطيب العلج وعبد الحق الزروالي وثريا جبران وغيره، تُمثّل الآن تجارب مسرحية رائدة على مستوى الكتابة والإخراج والأداء، إذْ يصعب على المرء أنْ يجد مثيلاً لهذه التجارب الفنّية التي كلّما ارتفع منسوب الذكرى نزداد يتماً وهشاشة.

لكن في مقابل المسرح، استطاعت السينما المغربية أنْ تُبرهن للعالم أنّها تستطيع أنْ تُجدّد لغتها وتبحث لها عن منافذ ضوءٍ بها تحتمي من تحوّلات الواقع. إنّ الأفلام التي عُرضت في عددٍ من المهرجانات السينمائية، سواء داخل المغرب أو خارجه، تُظهر بشكل أقوى أنّ هناك سينما قادمة بقوّة يحتضنها الجيل الجديد. كما أنّ المركز السينمائي المغربي نفسه أضحى في السنوات الأخيرة يلعب دوراً كبيراً في دعم الأفلام، خاصّة ذات الأصوات الجديدة التي تبحث عن أفق مغاير يُخرج السينما المغربية من طابع الترفيه والاستهلاك. والحقيقة أنّ الجغرافية السينمائية في المغرب متنوّعة وتتميّز بنوع من التجريب الذي يجعل كل الأنواع الفيلمية حاضرة بقوّة داخل المهرجانات وقاعات العرض.

يحتاج المسرح اليوم إلى نفس الدعم الذي يُقدّم إلى السينما وذلك من أجل تجديد الخطاب المسرحي والبحث له عن لغةٍ جديدة تجد ملامحها وأثرها في الواقع. صحيح أنّ هناك العديد من التجارب الشابة الواعدة التي تخلق دائماً الجدل بمسرحياتها، لكنّها تبق معدودة على رؤوس أصابع اليد الواحدة. من ثمّ، فهي تجارب مسرحية تحتاج إلى مزيد من الدعم، بحكم الإمكانات الفنية التي تحبل بها، سواء على مستوى الكتابة أو الإخراج.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 04/02/2025 على الساعة 18:00