يقدم الكتاب تاريخاً شاملاً عن هذه المعلمة الأثرية البارزة بمدينة مراكش والتي أصبحت بمثابة موقع سياحي للعديد من الناس الذين يأتون لزيارتها والاستمتاع بما تقترحه من جماليات على مستوى الفضاء الآسر بزخارفه وجمالياته. ويعُد هذا الجامع الذي بناه عبد المومن الكومي زعيم الدولة الموحدية ومؤسسها من المواقع الإسلامية البارزة في تاريخ المغرب، فهو يعتبر أكبر مسجد بمدينة مراكش، لا من ناحية مساحته، بل أيضاً من جانب قيمته الرمزية وعمقه التاريخي الضارب في قدم الحضارة المغربية على اختلاف أنواعها الفنية ومشاربها الجماليّة. وتأتي قيمة هذا الكتاب في كونه يُقدّم تاريخاً لهذا الجامع، لا من باب التعريف به للمغاربة والأجانب، بل لتوثيق مساره العلمي وقيمته الحضارية ودوره البارز في حياة مدينة مراكش والمغرب بشكل عام.
يقول المؤلف عن كتابه « ارتبطت مراكش هاصمة الثقافة بهذه المعليمة الدينية حتى صارت تعرف بها، ويكفي أنها قائمة من أواسط القرن السادس الهجري، يعني ما يقارب تسعمائة سنة ومراكش من المراكز العلمية القديمة كفاس وسوس وسجلماسة، لها مكانتها العلمية والحضارية، ولأجل هذا تعلق بها كثير من العلماء والأدباء والمؤرخين ومن آثار هذا التعلق ما نراه من الدراسات والمؤلفات الكثيرة حول مراكش وتاريخها. وجامه الكتبيين جزء من هذا التاريخ المشرق، ومما يدل على ارتباط مراكش بالعلم والثقافة تسمية الجامع الموحدي بالكتبيين، حيث كانت بجنباته دكاكين لبيع الكتب وخطاطين لنسخ الكتب، على غرار سوق الكتبيين بالقاهرة ودمشق وغيرهما، ويمكن أن يضاف في إبراز هذه الأهمية وجود مكتبات وخزائن قديمة بمراكش، ونذكر منها الخزانة المشرفة بجامه الكتبيين، وقد وجدت تحبيسات على هذه الخزانة خلال القرن الحادي عشر الهجري كما حبست على الجامع مصاحف من إشبيلية ومالقة خلال القرن السابع الهجري ».
من ثمّ، فإنّ جامع الكتبيين في نظر الباحث « من أقدم الجوامع بمراكش حيث أمر بنشييده صومعة جامع الكتبيين على غرار أختيها صومعة حسان بالرباط وصومعة الخيرالدة بإشبيلية وتم إكمالها في عهد حفيده يعقوب المنصور وشرف هذا الجامع ببيعة ملكين من ملوك الدولة العلوية، وهما السلطان سيدي محمد بن عبد الله والسلطان سيدي محمد ب عبد الرحمان، كما اعتني في هذا الجامع بالمناسبات الدينية والوطنية، فتقام فيه كل سنة ذكرى وفاة السلطان الحسن الثاني طيب الله ثراه وذكرى عبد المولد النبوي الشريف، كما تعقد فيه على مدار أيام الأسبوع على غرار غيره من المساجد القديمة كمسجد ابن يوسف كراسي علمية في علوم العربية والحديث والسيرة النبوية والفقه المالكي والتفسير والتوقيت وغيرها ».