يستغرب المرء كيف أصبحت علاقة الجزائريين بالمغرب والحقد الكبير الذي يُكنّه المجتمع الجزائري للمغرب. فهذا العداء لم يعُد يبق رهين السياسة، بقدر ما اجتاح المجال الفنّي. إذْ كيف يُعقل أنْ يتم منع احتفال حول فنان مغني فقط لأنّه يُقام في المغرب وبدون تقديم أيّ سبب من الأسباب؟ هل نحن أمام حرب صامتة يؤججها النظام الجزائري وتحاول العائلات تكريسها بشكل من أشكال الخطاب المختلفة؟ هل تُدرك عائلة الشاب حسني، ما الذي ظلّ يعنيه المغرب بالنسبة له وبالنسبة لمختلف الفنانين الجزائريين الذين ظلوا على مدار سنوات تربطهم علاقة خاصّة بالمغرب؟ هل تُدرك العائلة أنّ المغرب ليس بلداً عادياً بالنسبة للفنانين الذين يغنّون لون الراي؟ فقد ظلّ المغرب منذ تسعينيات القرن الماضي عبارة عن مختبر غنائي بالنسبة لعددٍ من الفنانين الجزائريين، بحكم ما يتوفّر عليه المغرب من إمكانات مذهلة، تجعلهم يرنون إليه للمشاركة في عددٍ من التظاهرات الفنّية والمهرجانات الموسيقية على طول جغرافية المغرب.
يعشق المغاربة أغاني الشاب حسني، فقد ظلوا ينسجون معه علاقة خاصّة قوامها الحبّ. كما أنّ الشاب حسني نفسه، كان يعرف جيّداً أنّه يتوفّر على جمهور كبير في المغرب. فلو كان حيّاً بيننا اليوم، لا أعتقد أنّه كان سيرفض أنْ يقام له حفلاً غنائياً، بحكم صداقاته الكبيرة وعلاقاته الخاصة مع الجمهور المغربي الذي تربى على أغانيه وموسيقاه، سواءٌ داخل مدن المركز أو الهامش. أثّرت أغاني الشاب حسني في سيرة عددٍ كبيرٍ من المغنيين الذين ظهروا بعد وفاته وكأنّهم يريدون أنْ يكونوا نسخة غنائية مصغّرة منه. ورغم أنّهم لم ينجحوا في خلق أيّ نوع من الطباق الفنّي مع شخصية حسني، إلاّ أنّ ذلك زاده شهرة وذيوعاً داخل الأوساط الغنائية.
ما ينبغي أنْ تدركه عائلة الشاب حسني بأنّ الحفل الذي كان من المُنتظر أنْ يُقام في طنجة، يأتي من باب اهتمام المغاربة بأغاني حسني والمحبّة الصادقة التي ظلوا يُمطرونه بها حياً وميّتاً. إنّ الحقد الذي يدعّمه النظام الجزائري ويسعى جاهداً إلى تصريفه ضمن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والرياضة والسياسة يلعب دوراً سيئاً على المستوى الفنّي. في وقتٍ ظلّ فيها المغرب يُشكّل فيه المغرب أرضية خصبة للعديد من الفنانين الذي يغنّون الراي، لأنّهم يعرفون حجم الإمكانات التي يُوفّرها الغرب في هذا الصدد من خلال دعم الفنانين وشركات الإشهار ومؤسسات الإنتاج الموسيقي، سيما خلال مرحلة نهاية الثمانينيات التي كان فيها الراي على عرش الغناء ليس في العالم العربي فقط وإنّما في العالم ككلّ.
منع إقامة حفلة للمغني الشاب حسني من طرف عائلته في الجزائر، يدخل ضمن سياسات الترهيب التي باتت تنهجها الجزائر في سياستها وتحاول فرضها على يوميات الناس وتدعوهم إلى الحرب والحقد على المغاربة الذين أحبوا الشاب حسني وغنوا معه في السراديب المظلمة وعلى خشبات المسارح الباردة.