وتقود السلطات المحلية هذه المبادرة، والتي تأتي في إطار رؤية شاملة لإعادة تنظيم الفضاءات العامة، وفرض احترام القانون، ومنح المدينة الوجه الحضاري الذي تستحقه.
وقد انطلقت هذه الحملة من ساحة باب سيدي عبد الوهاب وسط المدينة، والتي تم تحريرها بنجاح وبشكل نهائي، لتكون بمثابة إعلان واضح عن جدية السلطات وعزمها على المضي قدما في هذا المسار الإصلاحي، حيث شكل هذا النجاح حافزا قويا لانطلاق التحرك الشامل الذي يهدف إلى استعادة كافة الفضاءات العامة في المدينة.
ومع حلول شهر رمضان المنصرم، اتخذت السلطات المحلية خطوة استباقية، تمثلت في توجيه مراسلات رسمية إلى المخالفين، وفي مقدمتهم أصحاب المقاهي الذين تجاوزوا المساحات المرخصة لهم بشكل غير قانوني، حيث شددت الإنذارات على ضرورة الالتزام بالقانون وإخلاء الملك العمومي المحتل، في بادرة تهدف إلى تهيئة الأجواء لتنظيم الفضاءات العامة، واستعادة حقوق المواطنين في الاستمتاع بها.
وقد شهدت هذه المرحلة تجاوبا مبدئيا من طرف العديد من أصحاب المقاهي، مما مهد الطريق للمرحلة التنفيذية، إذ ومباشرة بعد انقضاء شهر رمضان، دخلت الحملة مرحلة التنفيذ العملي، مدعومة بإمكانيات الجماعة، حيث تجلى النجاح الأكبر في تجاوب ملموس من طرف العديد من المقاهي، التي بادرت بإخلاء الملك العمومي، حتى في الأزقة والممرات الضيقة التي كانت تعاني من اختناق عمراني واختلالات في حركة السير.
وساهم هذا التراجع عن الفوضى بشكل فوري في إعادة تنظيم المشهد الحضري، وتيسير حركة الراجلين، خاصة الفئات الأكثر هشاشة ككبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.
ولم تتوقف جهود الحملة عند المقاهي، بل امتدت لتشمل ظاهرة أخرى تشوه النسيج العمراني للمدينة، وهي تسييج واجهات المنازل الذي يعتبر تعديا صارخا على المجال العام، حيث شرعن السلطات في إزالة هذه التجاوزات، الأمر الذي انعكس إيجابا على جمالية الأحياء، واستعادة التناسق المعماري الذي يميز مدينة وجدة.
ومن بين الأحياء المستهدفة، حي الوحدة وطريق تازة وحي السلام وطريق جرادة، وهي أحياء تتبع ترابيا إلى الملحقة الإدارية العاشرة.
DR
وتميزت هذه الحملة ببعدها الاستراتيجي، فهي ليست مجرد إجراء ظرفي أو حملة موسمية عابرة، بل تندرج ضمن رؤية شاملة لإعادة تأهيل الفضاء العمومي وحمايته من مختلف أشكال العشوائية على المدى الطويل، إذ ولتحقيق هذا الهدف، تم تشكيل خلايا ميدانية متخصصة تعمل بشكل متواصل على تتبع الوضع، ورصد التجاوزات، وإعداد تقارير دقيقة تضمن استمرارية التدخل والحد من مظاهر التسيب.
وتعتمد هذه الخلايا الميدانية على منهجية مزدوجة تجمع بين التحسيس والتوعية بأهمية الحفاظ على الملك العمومي، والمراقبة الصارمة لتطبيق القانون، حيث هذا التوازن إلى إشراك المواطنين في حماية فضائهم العام، مع الحزم اللازم لتطبيق القانون على المخالفين.
وقد لاقت هذه التحركات استحسانا وترحيبا واسعا من طرف سكان وجدة، الذين عبروا عن ارتياحهم العميق لهذه الخطوة، معتبرين أنها تعكس إرادة حقيقية لإرساء النظام وتحسين جودة الحياة في الأحياء، معتبرين إياها بداية عهد جديد لمدينة وجدة، نحو بيئة حضرية تليق بتاريخها ومكانتها الجغرافية والثقافية.