بعدما استبشر الفلاحون خيرا بأمطار مارس التي جاءت لتنهي كابوس توالي سنوات الجفاف، ظهر تهديد جديد يتمثل في احتمالية انتشار أسراب الجراد على الأراضي الزراعية المغربية، ما قد يسبب أضرارًا جسيمة للمحاصيل، لاسيما الحبوب والقطاني والذرة والزراعات الكبرى. وحسب الخبير الزراعي كمال أبركاني، فإن الجراد يشكل خطرًا شاملًا على جميع المزروعات دون استثناء، لقدرته التدميرية الكبيرة وسرعته في الانتقال من منطقة إلى أخرى.
إقرأ أيضا : المغرب يرفع مستوى التأهب لمواجهة أسراب الجراد في الجنوب الشرقي
ويحذر أبركاني من أن الخطورة لا تقتصر فقط على كمية الإنتاج، بل تمتد إلى جودة الثمار والنباتات، خاصة تلك التي تكون في طور التبرعم، مثل الأشجار المثمرة خلال شهر أبريل، وهي مرحلة حساسة تجعل المزروعات عرضة للتلف الكامل.
رغم وعي الفلاحين بخطر الجراد، إلا أن سلوك بعضهم في مواجهة هذه الأسراب يثير القلق. ويؤكد الخبير أن استعمال المبيدات بشكل عشوائي ودون استشارة الجهات المختصة يُعد خطأً جسيمًا. فهناك مبيدات غير مرخصة أو حتى محظورة، قد تترك بقاياها في المنتجات الزراعية وتعرض صحة المستهلك للخطر. « قبل التفكير في استعمال أي مبيد، يجب التواصل مع المؤسسات المعنية مثل المكتب الوطني للسلامة الصحية (أونسا) ومكاتب الاستشارة الفلاحية »، يوضح أبركاني، مشددًا على ضرورة توعية المزارعين بخطورة المعالجة العشوائية.
وفي تفسيره لأسباب ظهور الجراد بعد سنوات من الغياب، أشار أبركاني إلى دور التقلبات المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة، والرطوبة، وسرعة واتجاه الرياح، بالإضافة إلى عدد ساعات الليل والنهار. هذه العوامل تخلق بيئة ملائمة لتكاثر الجراد وتحفيز هجرتها نحو مناطق جديدة.
إقرأ أيضا : الجراد: حالة استنفار قصوى وخطة استباقية لمواجهة الخطر المحتمل بشرق المغرب
ومن المحتمل، حسب نفس المصدر، أن تكون الطريقة التي تم بها تدبير انتشار الجراد في الدول المجاورة لم تكن مناسبة وفق المصادر العلمية، حيث كان من الواجب على المؤسسات الدولية التي تشرف على الأمن الغذائي التدخل منذ ظهور الجراد في أول دولة انتشر فيها. « طريقة التدبير لم تكن ناجعة، والعوامل المناخية ساهمت في تسريع الانتشار بدل الحد منه »، يضيف أبركاني.
كما أشار إلى عوامل أخرى داخلية تؤدي إلى تفاقم الوضع، أبرزها الاعتماد المتزايد على الزراعات غير الحافظة للتربة، والإفراط في استعمال المبيدات، مما أدى إلى تدهور التنوع البيولوجي، وهو أحد الحصون الطبيعية في مواجهة الآفات الزراعية.
أمام هذا التهديد الداهم، يبقى التنسيق الفعّال بين الفلاحين والسلطات المختصة، إضافة إلى اعتماد مقاربة بيئية مستدامة، السبيل الوحيد لتفادي كارثة غذائية قد تكون لها تبعات وخيمة على الاقتصاد الوطني والأمن الغذائي للمغاربة.
حالة استنفار قصوى وخطة استباقية
بدورها، رفعت السلطات المغربية مستوى التأهب والتعبئة لمواجهة أي تهديد محتمل لهذا النوع من الحشرات، وذلك بعد رصد أسراب لهذا الجراد، على نطاق محصور وضمن أعداد محدودة، ببعض المناطق جنوب شرق المملكة.
وأفادت وزارة الداخلية أنها، وفي إطار التدابير الاستباقية، أعادت السلطات تفعيل مراكز القيادة في الأقاليم المعنية لمتابعة الوضع بشكل مستمر، مع تعبئة كافة الموارد والوسائل اللوجستية، بما فيها الفرق المختصة في الاستطلاع والمكافحة، والمجهزة بالمعدات والمبيدات الضرورية. كما تم وضع الطائرات في حالة تأهب للتدخل عند الحاجة.
وأكدت الوزارة على توفر مخزون كافٍ من المبيدات لمواجهة أي طارئ، مع اتخاذ جميع الاحتياطات لحماية البيئة وضمان عدم الإضرار بالتنوع البيولوجي والموارد الطبيعية.
ومن جانبها، أعلنت السلطات الإقليمية بجرادة حالة استنفار قصوى لمواجهة أي تهديد محتمل من أسراب الجراد، وذلك من خلال تفعيل نظام مراقبة استباقي وشامل يهدف إلى حماية الأمن الغذائي بالإقليم.
وأبرز عبد الرحمن أنافلوس، المدير الإقليمي للفلاحة بجرادة، أن هذه الخطوة تأتي في إطار حرص السلطات على حماية المزروعات والمراعي، وتجنب أي أضرار اقتصادية محتملة قد تنجم عن غزو الجراد.
وأشار، في تصريح لـLe360، إلى أن هذا النظام يشمل تكثيف عمليات المراقبة اليومية على مدار الأسبوع، وتشكيل لجان مختلطة تضم ممثلين عن قطاعات الفلاحة، والصحة، والسلطات المحلية، والدرك الملكي، وتعمل تحت إشراف عامل الإقليم.