وأوضح لوليشكي، في ورقة تحليلية بعنوان «قرار 2797 لمجلس الأمن: الحكم الذاتي يحظى بالإجماع» نشرها مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، أن القرار الجديد يشكل محطة تاريخية مهمة على كافة الأصعدة.
وأشار إلى أن القرار أكد بوضوح اعتماد الحكم الذاتي كإطار وحيد للتفاوض من أجل إيجاد حل سياسي لقضية الصحراء المغربية، «منهيا بذلك الجدل حول مسألة السيادة، واستبعد نهائيا خيار الاستقلال». وباتت المفاوضات المقبلة تتركز على تحديد نطاق الصلاحيات التي سيمنحها المغرب للمنطقة ذاتية الحكم.
وشدد لوليشكي على أن الأمم المتحدة تظل الإطار الوحيد المخول لمتابعة هذا الملف، حيث ستجرى تحت إشرافها جولات التفاوض المقبلة.
القطيعة مع «القداسة الدبلوماسية»
وأضاف لوليشكي الباحث المبرز في مركز السياسات من أجل الجنوب، أن القرار الجديد يمثل تحولا واضحا ومختلفا عن القرارات السابقة، سواء من حيث صياغته الموجزة أو من حيث الطابع الحصري الذي يمنحه للمبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها الإطار الوحيد للحل السياسي لهذا النزاع.
وأكد الدبلوماسي أن هذا القرار يمنح مجلس الأمن دفعة جديدة لجهود الأمم المتحدة، في اتجاه إرساء حل نهائي لقضية الصحراء المغربية التي استمرت لأكثر من نصف قرن.
وأبرز المصدر ذاته أنه من حيث الشكل والمضمون والدلالات، يمثل القرار الجديد منعطفا حاسما في تعامل الأمم المتحدة مع قضية الصحراء المغربية، ولم تعد معالجتها مقتصرة على مجلس الأمن فقط.
وأضاف أن القرار يعكس أيضا مؤشرات واضحة على تسريع وتيرة الحل، على أساس حكم ذاتي متفاوض بشأنه في إطار سيادة المملكة المغربية.
أما على مستوى الصياغة، يقول لوليشكي أن القرار الجديد تميز بقطيعة واضحة مع الأسلوب المعتمد سابقا في إعداد قرارات مجلس الأمن.
وأضاف أنه في العادة، يعتمد العضو المكلف بصياغة مشروع القرار وغالبا ما يكون أحد الأعضاء الدائمين على القرار السابق كنقطة انطلاق، ليضيف إليه المستجدات الواقعية دون المساس ببنيته أو لغته، كونها تمثل حصيلة تراكمات من التوافقات والتسويات التي جرى التوصل إليها عبر سنوات من المفاوضات الشاقة.
وتابع الدبلوماسي المغربي على أنه مع مرور الوقت، تكتسب هذه النصوص نوعا من «القداسة الدبلوماسية»، إذ تصبح بنيتها ولغتها محصنتين ضمنيا ضد أي مراجعة جوهرية أو تعديل عميق.
وهكذا تتحول العبارات المتكررة إلى قاعدة ثابتة في الصياغة، تعبيرا عن السعي إلى تحقيق توافق مستدام، وعن الرغبة في تجنب إعادة فتح النقاش حول القضايا الحساسة.
أمريكا تحدث «ثورة» في نص القرار
لكن هذه السنة، بحسب لوليشكي قام الوفد الأمريكي، بصفته الجهة المكلفة بصياغة مشروع القرار، بتحدي التقاليد المتبعة، مقدما ابتكارات على صعيد البنية والصياغة والمحتوى.
على مستوى البنية، فقد أحدث الوفد الأمريكي ثورة حقيقية في نص القرار لهذه السنة، من خلال تقليص عدد الفقرات بشكل كبير في كل من التمهيد وأجزاء القرار الجوهرية. إذ كان التمهيد يضم سابقا ستة وعشرين (26) فقرة، فأصبح الآن يقتصر على ثماني فقرات فقط، بينما تقلص الجزء التنفيذي الذي كان يحتوي على سبعة عشر إلى ست فقرات فقط، أي بتخفيض يصل إلى ثلثي النص في كلا الجزأين.
على صعيد النهج المتبع، رفع الوفد الأمريكي سقف الطموح عمدا من خلال طرح النسخة الأولى من النص التي عكست الدعم الدولي الواسع للمبادرة المغربية واعتبرت المبادرة الإطار الشرعي الوحيد للتفاوض. جاء ذلك لمنح الوفد هامش مناورة واسع خلال المفاوضات مع الخصم الرئيسي، روسيا، لإبداء الملاحظات وللاستجابة للطلبات الخاصة بالتعديلات، بشرط ألا تؤثر هذه التغييرات على الهدف النهائي، وهو ترسيخ مبادرة الحكم الذاتي.
وأشار لوليشكي إلى أن النص الأول والقرار النهائي لم يذكرا المقترح الذي قدمته البوليساريو عام 2007، كما تجنبا الإشارة إلى النص الذي قدمته في 20 أكتوبر 2025 لمجلس الأمن.
إرساء أسس البناء المغاربي المشترك
وأبرز المصدر ذاته أن القرار 2797 حدد بوضوح المعايير والإطار التفاوضي الذي بذل المغرب جهودا متواصلة للوفاء به منذ عام 2007.
وأردف أنه «بصبر وبخطوات مدروسة، نجح المغرب في إبراز صحة نهجه التوافقي أمام الأمم المتحدة وشركائه المؤثرين، مع التركيز على أن الهدف النهائي يظل تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على حسن الجوار».
وختم الدبلوماسي المغربي بالقول إن المرحلة المقبلة الآن تتجه نحو «اختبار الإرادة، وحسن النية، وروح المسؤولية والالتزام لكل طرف، أمام أعين مجلس الأمن والراعي الأمريكي، ليسهم كل طرف بدوره في إرساء أسس البناء المغاربي المشترك».




