إن القرار الجديد رقم 2797، الذي يكرس السيادة المغربية على الصحراء والذي اعتمده مجلس الأمن الدولي في 31 أكتوبر، لا يزال يثير الكثير من الجدل. ورغم الإشادة به في جميع أنحاء العالم والانتقادات المتوقعة في الجزائر، يثير هذا القرار أيضا نقاشا كبيرا في تونس، حيث لم يترك أحدا غير مبال وواجه معسكرين: الأول «المناصر لـ « الخاوة » (الأخوة) مع الجزائريين»، والآخر الذي «لم ينس أن جزءا من تونس تحت الحماية الفرنسية قد أخذته فرنسا لصالح الجزائر المجاورة، والتي لم توافق قط على إعادته إليها رغم وعودها».
وهي حالة تذكر بوضع المغرب والصحراء الشرقية.
نهاية خرافة الصحراء تنهي الكذب الجزائري
يعد إلياس القصري، المحلل السياسي والدبلوماسي السابق الذي عمل لأكثر من 40 عاما سفيرا لتونس في عدة دول، أبرزها ألمانيا واليابان والهند وكوريا الجنوبية، من بين الأصوات المرتفعة ضد هذا الظلم الذي لحق بالتاريخ المعاصر.
وعند إعلان التصويت لصالح القرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عبّر القصري عن حماسه، مشيدا في منشور على فيسبوك بتاريخ 1 نوفمبر، بـ«نهاية الخرافة التخريبية والمفسدة للقارة الإفريقية وخصوصا للمغرب العربي، والمتمثلة في الجمهورية الصحراوية المزعومة».
وتوقع «التغيير العميق الذي أحدثه قرار مجلس الأمن الجديد هذا»، مؤكدا أن هذا التغيير «لن يخلو من إثارة موجات داخل النظام الجزائري الذي بنى شرعيته خلال نصف القرن الماضي على قضيتي فلسطين والصحراء الغربية، اللتين انتهى بهما المطاف إلى تهميشه داخليا ودوليا».
لكن ما يحرص إلياس القصري على تذكيره في منشوراته المختلفة هو جزء من تاريخ تونس، طُمِسَ بسبب «سياسة مؤيدة للجزائر تفضل العمى العام والاختلال في منطقة المغرب العربي». وهكذا، يكتب الدبلوماسي السابق: «على الرغم من الصعوبات التي تواجه القارة الإفريقية، يظل المغرب العربي، على الرغم من كل ثرواته، المنطقة الفرعية الأكثر خللا والأقل اندماجا في القارة».
وكدليل، يذكّر القصري مواطنيه الذين يعانون من «فقدان الذاكرة» بأن «الأراضي والمحروقات المنهوبة من جميع جيران الجزائر قد سمحت لـ« عصابة المرادية » بزعزعة استقرار القارة، وخصوصا جوارها المغاربي والساحلي، لمدة نصف قرن قبل أن يدرك العالم أخيرا أن هذه القضية، التي قُدّمت بطريقة رنانة ومبالغ فيها كملف لتصفية الاستعمار، هي في الواقع ورقة توت لنظام ذي شرعية مهتزة، ولدولة ناتجة عن « إخفاء إقليمي استعماري » على حساب جميع جيرانها، بما في ذلك تونس (...)».
من الصحراء الشرقية إلى العرق الشرقي الكبير: هذه الأراضي المنهوبة التي تشكل ثراء الجزائر
اختار إلياس القصري الاستفادة من «الانتصار الأخير للمغرب في تأكيد سيادته على إقليم انتزع منه بواسطة الاستعمار الإسباني والفرنسي»، لإجراء موازنة مع تاريخ تونس. وهو ينتقد بقوله: «بعض المواطنين المصابين بـ«فيروس الخاوة خاوة» يصرون، على عكس كل منطق، على تمجيد «الأخت الكبرى المزعومة » بتملق مريب، رغم أنها استولت على أكثر من 20 ألف كيلومتر مربع من أراضيهم الوطنية بما تحويه من ثروات طاقية ومائية ومعدنية قيّمة».
ويتابع بنفس الحدة: «هل سيدرك يوما دعاة «وينو البترول؟» (أين البترول؟) أن البترول والغاز اللذين يُقدمان لنا بالقطارة، ومياهنا التي يتم تحويل مجراها بنية واضحة للاستعباد، من الأفضل المطالبة بها؟ وأنه ما لم يتم استرداد هذه الأراضي والثروات، سيكون من الوهم الادعاء بأن تونس مستقلة تماما وتمارس سيادتها الكاملة على جميع أراضيها الوطنية».
يشير إلياس القصري هنا إلى واحدة من أكبر القضايا الخلافية في التاريخ، وفي الوقت نفسه، واحدة من أقلها معرفة. إنها قصة «الاستيلاء» الذي قادته فرنسا لصالح الجزائر الفرنسية، على حساب تونس التي كانت آنذاك تحت وضع الحماية. تغطي الأراضي التي انتزعت من تونس، في تقسيم رُسِمَ بالمسطرة، مساحة قدرها 20 ألف كيلومتر مربع، أي إقليم أوسع من الكويت (17,818 كيلومتر مربع)، في «العرق الشرقي الكبير»، يمتد من «حصن سان» (Fort Saint) حتى «قارة الحمل» (Garat El Hamel).
هذا الوضع مطابق لما عاشه المغرب، الذي اقتطعت منه فرنسا، بالإضافة إلى أقاليمه الجنوبية، أراضيه الواقعة بين فكيك ومنطقة توات من جهة، وبين وادي درعة والحدود الحالية لموريتانيا ومالي من جهة أخرى، وذلك لصالح الجزائر. في حالة كل من المغرب وتونس، ورغم أن قضية الحدود رُفِعت إلى مرتبة الأولوية الوطنية منذ حروب الاستقلال، إلا أنه خلافا لكل التوقعات، عندما حصلت الجزائر على استقلالها في يوليوز 1962 – بمساعدة المغرب وتونس – فإن «الوعد الذي قطعه مسبقا الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بمناقشة القضايا الحدودية « بين الإخوة »، أُلقي به جانبا ببساطة» مع تبني موقف تحت حكم بن بلة ثم بومدين ولا يزال قائما حتى اليوم: «عدم التنازل عن الأراضي التي منحتها فرنسا». وهذا تناقض صارخ لدولة نصبت نفسها بطلة في مكافحة الاستعمار ومظالمه.
يفسر هذا الظلم المزدوج بالخيانة بـ«الثروات التي تختبئ تحت الأرض القاحلة للأراضي المنهوبة، في الغرب والشرق على حد سواء». فبينما تزخر الصحراء الشرقية بموارد مائية جوفية هامة، ومعادن عالية القيمة، واحتياطات من الطاقة الأحفورية، فإن «الشرق الجزائري الذي انتُزع من تونس هو مصدر حقيقي للمحروقات يمثل الركيزة الأساسية لاقتصاد المحروقات الجزائري». وهكذا، فإن هذه الحقول الحدودية تمثل احتياطيات تقارب «6 مليارات برميل، أي ما يقارب 11% من إجمالي احتياطيات البلاد».
موقف تونس.. من بورقيبة إلى اليوم
الرئيس التونسي بورقيبة، الذي جعل من القضية الحدودية واسترجاع تونس لإقليمها الذي تبلغ مساحته 20 ألف كيلومتر مربع «معركة حياة»، اصطدم بـ«الخيانة الجزائرية» بشكل مباشر. ورغم أنه أبرم اتفاقا في يناير 1964 خلال مؤتمر القاهرة مع بن بلة، ينص على إعادة هذا الإقليم إلى تونس، فإن الاتفاق لم يتحقق أبدا، لا من قبل بن بلة ولا من قبل بومدين الذي خلفه. والسبب في ذلك هو أنه صدر تحت ختم الوعد، «كلمة شرف»، وهو أمر لا قيمة له في الجزائر كما يشهد التاريخ. ومع مرور السنين، وجدت تونس نفسها في وضع اقتصادي ضعيف واضطرت عام 1968 إلى «إضفاء الطابع الرسمي على ترسيم الحدود».
وفي منشور على فيسبوك، انتقد إلياس القصري قائلا: «إن البورقيبيين الأصيلين أو الظرفيين من الأفضل لهم أن يتأملوا خطاب الزعيم بورقيبة بتاريخ 5 فبراير 1959 حول الحقوق التاريخية لتونس في الصحراء، قبل أن يضعفه المرض ومكائد البلاط وصدمة الهجوم الإرهابي على قفصة في يناير 1980 الذي دبره جيراننا و(الإخوة) الكاذبون الليبيون والجزائريون».
ومنذ هذا «الاستسلام»، وعلى الرغم من أن الجرح لم يلتئم لدى العديد من التونسيين في الأوساط الفكرية والوطنية الذين يتذكرون هذه الخيانة، فقد اختارت البلاد «الاستسلام والتعاون مع الدولة الجزائرية، التي أثرت بمرور السنين بفضل ثروات الأراضي المسروقة من جيرانها».
وينتقد القصري في الوقت نفسه موقف «أولئك الذين توهموا أن التنازلات الإقليمية لنظام جزائري لا يقدر تضحيات تونس من أجل استقلاله، ستمنح تونس صداقة واحترام هذا النظام بالإضافة إلى التنمية والازدهار، عليهم أن يعيدوا النظر بجدية».
ويدعو الدبلوماسي التونسي السابق إلى «واجب الذاكرة وكذلك الحفاظ على تراث إقليمي شرعي ونقله إلى الأجيال القادمة»، متسائلا: «هل لدينا الحق والسلطة الأخلاقية للتنازل عنه؟»، ويقصد التنازل عن النفط والمياه الموجودة في الغرب.
ففي نظر المحلل السياسي، فإن عدم الدفاع عن هذه المصالح يرقى إلى مستوى «الخيانة للوطن» و«الجُبن» و«الخضوع للمحتل الأجنبي». ويقول: «إن المتعاونين القدامى مع الحقبة الاستعمارية يفسحون المجال أمام أتباع « الخاوة خاوة » الذين يرفضون بعناد، بسبب العمى الأيديولوجي أو غريزة الخضوع بنزعات مازوشية ومناهضة للوطنية، الاعتراف بالهزيمة الاستراتيجية للنظام الجزائري وكشفه الضمني لجشعه الإقليمي على حساب جيرانه، وذلك بوقوفهم ولو لمرة واحدة إلى جانب سيادة تونس ووحدة أراضيها».
الجزائر في مواجهة المسار الحتمي للتاريخ
إن غضب إلياس القصري يتناسب مع مدى استيائه، وعلى المنوال نفسه، يوجه خطابه مباشرة إلى الجزائر في المنشورات التي نشرها منذ 31 أكتوبر، «مواجها البلاد بأكاذيبها الوقحة ودائسا على المظاهر الزائفة التي تتستر بها هذه الدولة التي جعلت من إنهاء الاستعمار قضيتها المزعومة».
يرفض إلياس القصري أن يكون في صف «الانهزاميين» الذين يستغلون «عدم المساس بالحدود» للتقليل من شأن أي طلب لاسترداد الأراضي التي منحتها القوى الاستعمارية السابقة بشكل غير قانوني وغير عادل في عدة بلدان.
ويصف الدبلوماسي قرار الجزائر بعدم إعادة هذه الأراضي بأنه «خطيئة أخلاقية لاستمرار جريمة النهب الإقليمي من قبل القوى الاستعمارية السابقة، والتي ترقى إلى مستوى جريمة حرب». ويتهم الجزائر في الوقت نفسه بأنها «عائق أمام الاستقرار والتنمية الاقتصادية لجميع مناطق أفريقيا، وخصوصا شمال إفريقيا ومنطقة الساحل».
وفي نظره، فإن «استمرار الحدود التي رسمتها القوى الاستعمارية على حساب جيرانها لاعتبارات تخص تلك القوى الاستعمارية، يجعل من هذه الدول المحررة من الاستعمار ورثة، أو بالأحرى مستلمي أراضٍ وثروات مسروقة بالقوة المسلحة». بالإضافة إلى ذلك، فإن «اللجوء إلى الحجة الواهية لتبرير استمرار هذا النهب الإقليمي، بما يحمله من ثروات ووسائل تنمية للشعوب المجاورة، بعدد شهداء الكفاح من أجل التحرير الوطني، سيكون إهانة لقضية التحرر من النير الاستعماري والاستقلال والحرية التي ضحى من أجلها هؤلاء المقاتلون التضحية القصوى».
ويؤكد إلياس القصري بصوت عالٍ وواضح: «على الجزائر التزام تاريخي وأخلاقي برد جميع الأراضي التي استولت عليها فرنسا لحسابها، معتقدة أن الجزائر ستبقى ملكاً لها إلى الأبد، إلى جميع جيرانها».
وإذا لم يحدث ذلك، يتوقع السفير التونسي السابق، أن «لا الأسلحة ولا الرشوة بثمار إخفاء الثروات المسروقة التي تقدم في عقود امتياز أو في حقائب من الدولارات واليورو، ستضمن للجزائر السلام ولا الاحترام، خصوصا بعد سقوط ورقة التوت الخاصة بالصحراء الغربية، وإدراك المجتمع الدولي للطبيعة الحقيقية المفترسة والاستبدادية لهذا النظام، وكذلك سياسته الممنهجة لزعزعة استقرار جيرانه بشتى الوسائل، بما في ذلك التخريب والإرهاب».
ويختتم بتوقع أثبت صحته عدة مرات بمرور الوقت، ويبدو بمثابة تحذير موجه إلى نظام الجزائر: «التاريخ مليء بالانقلابات، وإرادة الشعوب، وتمسكها بأرض أجدادها، يشبه النهر الذي ينتهي دائما بالعودة إلى مجراه الطبيعي».




