جلال دريسي يكتب: عندما يحل التكريم-الفضيحة محل العدالة الانتقالية

من اليمين إلى اليسار: الجنرال محمد مدين المعروف بـ "توفيق"، الرئيس عبد المجيد تبون، الفريق سعيد شنقريحة واللواء خالد نزار

من اليمين إلى اليسار: الجنرال محمد مدين المعروف بـ "توفيق"، الرئيس عبد المجيد تبون، الفريق سعيد شنقريحة واللواء خالد نزار . Le360

في 10/08/2022 على الساعة 17:05

تجد الجزائر الجديدة صعوبة في التجسيد على أرض الواقع. فرغم كل المحاولات الدعائية لتسويق "رواية" الجزائر التي تتجدد، فإن الركود السياسي والاقتصادي والاجتماعي والدبلوماسي الذي يبقى سيد الموقف.

 تتوجه حكومة الجنرالات الكهول وواجهتها المدنية بدون بوصلة نحو المستقبل. رؤيتهم في كل ما يفعلونه أو يفكرون في القيام لا تتجاوز شهرين أو ثلاثة أشهر على الأكثر. إنه قانون بيولوجي بالنظر إلى سنهم! هؤلاء الحكام العجزة، المنفصلين عن الشعب وعن التطورات في العالم والمتمسكين بأفكار الماضي، غير قادرين على إصلاح أي شيء.

في إطار هذا التمسك المرضي بالماضي، الذي تحول إلى سياسة دولة، أعاد الثنائي شنقريحة-تبون بشكل غير متوقع، إلى واجهة الأحداث يوم 4 غشت 2022، إلى الوقائع الرهيبة والمؤلمة التي عاشها الشعب الجزائري.

فقد قاموا بتكربم غير لائق، وصفه البعض بالوقح، للجنرالين نزار وتوفيق، اللذين يكرههما الشعب الجزائري. هذان الشخصان توجه لهما تهم خطيرة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ويعتبران بأنهما "العقل المدبر" للعشرية السوداء بين عامي 1991 و2002، كما أن العدالة الدولية مهتمة بملفاتهما.

كان نزار وزيرا للدفاع من 1990 إلى 1993 وتوفيق رئيسا لمديرية الاستعلام والأمن من 1990 إلى 2011. العشرية السوداء هو فترة حزينة وقاتمة في تاريخ الجزائر المعاصر. هذا التكريم أغاط الرأي العام الجزائري والعالمي!

وبدلا من إعادة قراءة الماضي بهدف التهدئة والمصالحة والتعويض والرحمة والتعاطف، أصبحت القيادة العسكرية الحاكمة مهووسة بـ "تبييض" الجنرالين نزار وتوفيق. يتم تقديمهما على أنهما "منقذا الدولة الجزائرية في مواجهة الخطر الأخضر". إن هوس الجهاز العسكري بمصيرهما يؤكد إدانتهما.

السلطة الجزائرية تريد بأي ثمن "تبرئتهما"، بما في ذلك عبر التكريم غير اللائق! مستحيل! لا يعاد النظر في التاريخ، بحقائقه التي لا تقادم، بهذه الطريقة! التهدئة والمصالحة أصبحت بعيدة المنال! بعد بومدين، حفار القبور التاريخي للجزائر، أصبح نزار وتوفيق في قلب المعادلة والتجاوزات الخطيرة في تاريخ الجزائر المعاصر. الحراك الشعبي وجه إليهما أصبع الاتهام. يجب أن نتذكر أيضا أنهما من أنصار الكراهية اتجاه المغرب!

لنذكر بإيجاز "إنجازات" هؤلاء الجنرالين والتي تبرر تكريمها من أجل الخدمات المقدمة للجزائر!

حصلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ خلال الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الجزائرية في 26 دجنبر 1991، على نتيجة إيجابية. نزار وتوفيق لم يتقبلا تلك النتيجة. فقاما بانقلاب يوم 11 يناير 1992.

قاما بإيقاف العملية الانتخابية على وجه السرعة وألغيا نتائج الانتخابات. لم يكن هناك تحليل مسبق لقراراتهما، ولا تقييم للعواقب. ولا حتى نظرة استشرافية. كان هناك فقط الاندفاع والتهور والعنف وهي السمات المميزة للطغمة العسكرية الجزائرية! وستدفع الجزائر ثمنا باهظا!

تم اعتقال القادة الإسلاميين. تم اختطاف عشرات الآلاف من المدنيين المشتبه في تعاطفهم مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ. لا يزال الآلاف في عداد المفقودين. تم ترحيل عدد كبير جدا منهم ورميهم في ظروف مروعة في معسكرات بالجنوب وسط الصحراء. كما تم اعتقال أشخاص لا علاقة لهم بالجبهة الاسلامية للإنقاذ ولكن "سوء حظهم" أن يعفون "اللحية". أصيب كثيرون بالجنون وهم معتقلون في أتون الصحراء.

كل شيء كان سببه هذا الانقلاب. كل شيء كان فقط نتيجة للقرارات الرعناء والخرقاء للجهاز العسكري! الرئيس الشاذلي بنجديد، الذي أراد تدبير الانتصار الانتخابي للجبهة الإسلامية للإنقاذ بشكل قانوني، اضطر إلى الاستقالة. أراد حلا لا يستدعى فيه العنف والموت والدم! لكن نزار وتوفيق قالا لا! وجهة نظرهما هي التي فرضت!

صحيح أن الإسلاميين حملوا السلاح، لكن الجنرالين المستأصلين فعلا ما هو أسوأ. تم خلط الأشياء بشكل متعمد وفقا لطريقة العمل المعتادة لمديرية الاستعلام والأمن. بما في ذلك الادعاءات الكاذبة الملفقة والمنسوبة لقادة إسلاميين.

تم إنشاء مجموعات عسكرية مزيفة وميليشيات إسلامية -شبيهة للجماعة الإسلامية المسلحة وجيش الإنقاذ الإسلامي- وحواجز طرق مزيفة لإرهاب السكان وإبعادهم عن "الخطر الأخضر" إلى الأبد. المجازر المنسوبة إلى "الجماعة الإسلامية المسلحة" ستؤدي إلى تشريد مئات الآلاف من الأشخاص. تجاهل كامل ليس فقط لحقوق الإنسان، ولكن أيضا للروح البشرية. استمر هذا من 1999 إلى 2002.

الرعب يتوقف هناك! لكن هذا يكفي لإيجاد هذا التكريم غريبا و"تبسيطيا" لأنه أنكر التعقيد الدراماتيكي للوضعية وأثارها لاتزال حية. لم يدفن الناس بعد هذا الماضي المؤلم وما زالت الندوب لم تندمل بعد.

إن تكريم شنقريحة وتبون هو جزء من استراتيجية نفذت منذ التسعينيات لفرض "عفو/نسيان" وجعل الشعب الجزائري ينسى دور القيادة العسكرية.

استخدمت السلطة الجزائرية شعار "العدالة الانتقالية" الزائف في عدة مناسبات. لكنها لم يفهم أن أي تجاوز لأزمة اجتماعية سياسية (قمع أو حرب أهلية) يتطلب إعادة بناء المجتمع لإحلال السلام. وأن هناك دائما فترة "انتقالية" بين الاستبداد والعملية الديمقراطية.

نسعى "العدالة الانتقالية" (بخلاف العدالة العادية) إلى ترسيخ سيادة القانون وثقة السكان بالدولة. وهذا يتطلب الاعتراف بالانتهاكات والأخطاء التي ارتكبت، والمصالحة وتضميد الجراح وتعويض الضحايا عن الأضرار التي لحقت بهم والحفاظ على السلام وتشجيع النقاش العام وإصلاح المؤسسات، وقبل كل شيء، ضمان عدم تكرار الانتهاكات.

نم تجريب العدالة الانتقالية في دول مثل الشيلي والبيرو والأرجنتين وجنوب إفريقيا وتونس والمغرب...وفي هذا الإطار، فإن التجربة المغربية للعدالة الانتقالية مع هيئة الإنصاف والمصالحة التي أنشأها الملك في عام 2004، تعتبر نموذجا يحتذى به.

لقد مكنت ليس فقط "من مصالحة المغاربة مع أنفسهم ومع تاريخهم"، ولكن أيضا من التوجه نحو المستقبل من خلال المشاركة في بناء أسس الانتقال الديمقراطي في بلدنا.

استمعت هيئة الإنصاف والمصالحة وجمعت الشهادات. أثارت جلسات الاستماع العامة والمتلفزة لحظات من المشاعر الشديدة مرت خلالها جميع تجارب العدالة الانتقالية في العالم. قامت هيئة الإنصاف والمصالحة بوضع مساطر واتخذت إجراءات ليس فقط من أجل التعويض المالي، ولكن أيضا لإعادة التأهيل النفسي والطبي وإعادة الإدماج الاجتماعي وتسوية المشاكل القانونية والإدارية وتلك المتعلقة بالممتلكات، إلخ.

مكنت جميع تجارب العدالة الانتقالية في العالم، بما في ذلك تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، من التجاوز الصادق للماضي الأليم في إطار هادئ من الحقيقة والإنصاف والمصالحة والتعويض الفردي والجماعي. كل ذلك مصحوب بإجراءات رمزية قوية للغاية. غير أن لا شيء من هذا القبيل وقع في الجزائر.

من أجل محو انتهاكات الماضي، سعت الديكتاتورية العسكرية بشكل "عمودي" فرض "قوانين" اعتبرها المجتمع الجزائري والرأي العام الدولي "ترقيعا".

في فبراير 1995، أصدر الرئيس ليامين زروال قانون الرحمة الذي يستفيد منه "الأشخاص الذين حوكموا على جرائم الإرهاب أو التخريب الذين سلموا أنفسهم من تلقاء أنفسهم للسلطات المختصة وأبلغوها بأنهم أوقفوا جميع الأنشطة الإرهابية أو التخريبية". قيل بأن خمسة آلاف "إسلامي" من الجيش الإسلامي للأنقاذ استفادوا منه.

من خلال "الرحمة"، التي لها دلالة دينية، أراد النظام إبراء ذمة "مرتكبي" العنف. لم يشر هذا القانون، بأي حال من الأحوال، إلى الجذور الاجتماعية والسياسية لـ"العشرية السوداء"، ولا سيما توقيف العملية الانتخابية. لم يكن لمبادرة الرئيس زروال الأثر المنشود، لأنها لم تكن تندرج في إطار مبادئ العدالة الانتقالية المعترف بها عالميا.

بعد أربع سنوات، مبادرة أخرى. قدم الرئيس بوتفليقة، بمباركة من الجيش، قانون "العفو العام" المسمى بقانون "الوئام المدني" الذي أقره البرلمان في يوليوز 1999 وصودق عليه بـ"الاستفتاء". والهدف هو التخلي عن المتابعات القضائية ضد فئات معينة من الإسلاميين ودمج أولئك الذين ينبذون العنف المسلح في الحياة المدنية.

على عكس سياسة "الرحمة"، فإن "الوئام المدني" يتجاوز مفهوم الرحمة ويعترف بأن "الخصم" ليس "ضالا". لكن "الوئام المدني" لبوتفليقة كان له هدف سياسي آني. كان يهدف قبل كل شيء إلى "استعادة النظام". لقد كان بعيدا عن مبدأ المصالحة (باعتبارها أداة للعلاج الاجتماعي طويل الأمد) الذي هو أساس العدالة الانتقالية. كما تم استخدام مفهوم "المأساة الوطنية" بشكل تعسفي في إطار هذا "الوئام المدني" من أجل التهرب من المسؤوليات وتبييض صفحة المسؤولين العسكريين بشكل خاص.

بعد ست سنوات من "الوئام المدني"، اقترح الرئيس بوتفليقة ... "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية"، الذي تمت المصادقة عليه في استفتاء 29 شتنبر 2005. وهو يعترف بالحق في "التعويض" لأسر المختفين (بدون معرفة مصيرهم!) وفي الوقت نفسه نص على عفو عن أفراد قوى الأمن. تخلى أكثر من 6000 إسلامي عن حمل السلاح. كما نص الميثاق على تقديم المساعدة لأرامل وأيتام أعضاء الجماعات المسلحة الذين قتلوا.

تميز القانونان اللذان اقترحهما بوتفليقة بمقتضيات غير دقيقة.

وقد رأى البعض أن قانون "الوئام المدني" سعى أيضا إلى "تبييض صفحة الإسلاميين الزائفين الذي حملوا السلاح" وأن "الميثاق" لم يكن سوى مصالحة خادعة. واستهدفت إصدار عفو عام عن قوات الأمن، بتشكيلاتها المختلفة.

وفضلا عن ذلك، بعد الموافقة على "الميثاق"، تقرر أن أي تصريح مخالف للرواية الرسمية لـ"المأساة الوطنية" سيعرض أصحابه للسجن.

ظلت قوانين بوتفليقة "سطحية" حتى ولو أنها مكنت من وقف العنف. لم يسمح هذه القوانين من تضميد الجروح أو تهدئة الضحايا أو أسرهم. لا يمكن اعتبارها أدوات "للعدالة الانتقالية". إن المأزق دائما هو مصير المختفين والاغتيالات المشبوهة لشخصيات مثقفة كبيرة خلال العشرية السوداء.

كيف يمكن الإيمان بمقاربة اجتماعية سياسية صادقة وحقيقية عندما نتذكر أن بوتفليقة قال خلال اجتماع عام 1999: "المختفين ليسوا في جيبي، (...) تجعلونني أشعر بالخجل أمام العالم، مثل المعزين، بصوركم".

هذا التصريح نقلته صيرة ديتور (2008)، رئيسة تجمع عائلات المفقودين في الجزائر والفيدرالية الأورومتوسطية لمناهضة الاختفاء القسري شكلت حتى الآن 5400 حالة فردية من حالات الاختفاء القسري أحيلت إلى فريق عمل الأمم المتحدة المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي!

عاود بوتفليقة الكرة مرة أخرى في عام 2004 خلال تجمع جماهيري، إذ قال حينها بعدما سئل عن مصير المختفين: "ما مضى قد مات. لن نتطرق لذلك مرة أخرى".

لذلك، في ظل كل هذا التعقيد وهذا الإرث الثقيل، قام شنقريحة وتبون يوم 4 غشت 2022 بـ"تكريم" استفزازي لنزار وتوفيق دون إبداء أي اهتمام تعاطف مع الضحايا وفي تناقض تام مع كل ما تم القيام به، حتى ولو كان غير كامل، من أجل التهدئة والمصالحة. لقد نكأ الجراح، وأيقظا الشعور بالظلم وقضيا على المكاسب الصغيرة التي حققتها مبادرات زروال وبوتفليقة.

عاجلا أم آجلا، ستضطر الجزائر إلى الانخراط في العدالة الانتقالية، والتي يجب تنفيذها في إطار انتقال حقيقي إلى الديمقراطية. لكن بالتأكيد ليس تحت القيادة العسكرية للنظام الحالي.

تحرير من طرف جلال دريسي
في 10/08/2022 على الساعة 17:05