يوم الاثنين 2 ماي، الذي هو يوم عطلة رسمية في إسبانيا، دعا وزير الرئاسة الإسبانية، فيليكس بولانوس، إلى مؤتمر صحفي حيث كشف أن الهواتف المحمولة لرئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، ووزيرة دفاعه، مارغريتا روبليس، تعرضا في ماي ويونيو 2021 للإصابة ببرنامج التجسس بيغاسوس، الذي طورته شركة إن إس أو الإسرائيلية. واستنكر وزير الرئاسة الإسبانية "وقائع بالغة الخطورة"، وأعرب عن "يقينه المطلق في أن هذا الهجوم هو هجوم خارجي".
تساءلت الصحف الإسبانية الكبرى، مثل إلبايس وإلموندو وأ. بي. سي عما حدث في ماي ويونيو 2021، وهي الفترة التي من المفترض أن تكون هي فترة إصابة هواتف بيدرو سانشيز ومارجريتا روبليس. وهكذا كتبت صحيفة إلموندو قائلة: "ماذا حدث في بلادنا في ماي ويونيو 2021؟ في ذلك الوقت، كانت السياسة في إسبانيا منقسمة بشكل أساسي على محورين. من ناحية أخرى، كان التحضير للعفو عن زعماء حركة استقلال كاتالونيا، والذي تم بعد بضعة أسابيع، في يونيو 2021. ومن ناحية أخرى، كانت إسبانيا في ذروة الأزمة الدبلوماسية مع المغرب التي أثارها دخول زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، إلى إسبانيا، لتلقي العلاج من فيروس كورونا في مستشفى في لوغرونيو".
إذا احتفظت الصحف الإسبانية بحدثين تصدرا الأخبار خلال تلك الفترة في إسبانيا، فإن الوسيلتين الإعلاميتين الفرنسيتين اللتين كانتا ضمن ما يسمى كونسورتيوم "بيغاسوس" وجهتا نظرهما فقط إلى المغرب.
وفي هذا الصدد، أقرت فرانس أنفو، وهي إحدى إذاعات القطب العمومي الفرنسي، بأن الحكومة الإسبانية لم تذكر أي دولة أجنبية. "لكننا نفكر بشكل عفوي في المغرب، أحد البلدان الرئيسية التي تم اتهامها في فضيحة التنصت على الهواتف، والتي تم الكشف عنها في الصيف الماضي من قبل مجموعة من وسائل الإعلام الدولية بما في ذلك خلية التحقيق في راديو فرنسا". وأوضحت قائلة: "في وقت اختراق هاتف بيدرو سانشيز، كانت إسبانيا والمغرب على خلاف حول ملف المهاجرين: لقد سمحت الرباط عمدا لثمانية آلاف شخص بالدخول إلى الثغر الإسباني في سبتة. إلى جانب المكسيك والهند والمملكة العربية السعودية، يعد المغرب من أكثر البلدان استخداما للبرنامج".
وأقامت صحيفة "لوموند" الفرنسية نفس العلاقة بين موعد التجسس على الهواتف المحمولة لرئيس الحكومة الإسباني ووزيرة دفاعه وتفاقم الأزمة بين الرباط ومدريد. وكتبت الصحيفة الفرنسية: "في وقت الإصابات التي رصدتها الاستخبارات الإسبانية، كانت البلاد قد دخلت في أزمة دبلوماسية عنيفة مع المغرب. في 20 ماي 2021، خففت الرباط من رقابتها على حدودها مع ثغر سبتة، وسمحت لأكثر من 8000 مهاجر من أجل الوصول بشكل غير قانوني إلى هذه الأراضي الإسبانية". ثم تابعت بالقول: "السيدة روبليس وصفت بعد ذلك هذا التدفق "بالعدوان على الحدود الإسبانية وكذلك حدود الاتحاد الأوروبي" ونددت بـ"ابتزاز" المغرب الذي اتهمته بـ"استخدام القصر".
بالنسبة لهاتين الوسيلتين الإعلاميتين، تم التعرف بسرعة على المتهم: المغرب. ومع ذلك، لم تعد لا صحيفة لوموند ولا فرانس أنفو، منذ الضجة المفتعلة في يوليوز 2021، إلى الطبيعة الانتقائية لـ"التسريب"، التي كشفت عنه منظمة فوربيدين ستوريز، والتي تخص 11 دولة فقط، بما في ذلك دولة أوروبية واحدة فقط: وهي هنغاريا.
بعد بضعة أشهر انهار هذا التسريب الانتقائي. دولتان أوروبيتان رئيسيتان تستخدمان برنامج بيغاسوس: ألمانيا وإسبانيا. ووفقا لما قاله المدير العام للشركة التي تصنع هذا البرنامج التجسسي، فإنهما ليسا البلدان الوحيدان اللذان يستعملانه. في مقال نشر في المجلة الأمريكية ذا نيو يوركر (The New Yorker)، ألقى شاليف هوليو، المدير العام لشركة إن إس أو، بهذه القنبلة: "جميع حكومات أوروبا تستخدم تقريبا برامجنا". من بين جميع الدول الأوروبية تقريبا التي تستخدم المنتوج الرئيسي للشركة الإسرائيلية تم ذكر هنغاريا فقط من قبل منظمة فوربيدين ستوريز وكونسورتيوم الوسائل الإعلامية الدولية التي صدقت رواية هذه المنظمة. هل السبب يتمثل في كون الملياردير جورج سوروس، أحد الداعمين الماليين الرئيسيين لفوربيدين ستوريز، هو عدو لدود لرئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان؟ على أي حال، لم تعتبر الوسيلتان الإعلاميتان الفرنسيتان بعد أنه من المفيد شرح الطبيعة الانتقائية لرواية منظمة فوربيدين ستوريز.
على العكس من ذلك، سارعت لوموند وإحدى المحطات الإذاعية العمومية الفرنسية إلى توجيه أصبع الاتهام للمغرب، بعد وقت قصير من دعوة وزير الرئاسة الإسبانية لعقد مؤتمر صحفي للكشف عن التجسس الذي تعرضت له هواتف بيدرو سانشيز ومارجريتا روبليس. يمكن للمرء أن يطرح سؤالا مشروعا عن أهداف هذه الرغبة المريبة في توجيه أصابع الاتهام إلى المغرب.
تسرع مثير للشكوك خاصة وأن الصحف الإسبانية الكبرى ربطت حادثة التجسس المفترضة على هواتف رئيس الحكومة الإسبانية ووزيرة دفاعه بحدث آخر استأثر بالاهتمام في إسبانيا: النقاش بشأن العفو عن قادة حركة استقلال كاتالونيا الذين كانوا في السجن. ويبدو أن الاستقلاليين الكاتالونيين يؤثرون بشكل كبير على توقيت ما كشفه وزير الرئاسة الإسبانية.
في 18 أبريل الماضي، كشف تقرير صادر عن منظمة سيتيزن لاب (Citizen Lab) الكندية أن أكثر من 60 شخصا من الحركة الاستقلالية الكاتالونية يعتقد أن هواتفهم المحمولة تم اختراقها بين عامي 2017 و2020 بواسطة برنامج بيغاسوس. أدى ما كشفته المنظمة الكندية إلى إحراج الحكومة الإسبانية في مواجهة حلفائه الاستقلاليين في كتالونيا الذين يتهمون جهاز الاستخبارات الإسبانية بالتجسس عليهم.
المركز الوطني للاستخبارات، الذي يزعم أنه تجسس على الاستقلاليين الكاتالونيين، هو نفسه الذي كشف عن إصابة هاتفي بيدرو سانشيز ومارجريتا روبليس. ويعمل هذا المركز تحت إشراف وزارة الدفاع الإسبانية.
يشك الاستقلاليون الكتالونيون بشدة في ما كشف عنه وزير الرئاسة الإسبانية. وندد جوسيب ريوس، المتحدث باسم جونتس (معا لأجل كاتالونيا)، وهو حزب استقلالي كاتالاني يتزعمه كارليس بويجديمونت، بـ"الحيلة"، من أجل تحويل سانشيز وحكومته في غضون أيام قليلة من وضع "الجلاد" إلى وضع "الضحية". وحتى رئيس الحكومة الكتالونية، وهو شخصية معروفة تنتمي لليسار الجمهوري الكاتالوني (حزب ينتمي للأغلبية الحكومية)، طالب باستقالة وزيرة الدفاع.
من الواضح أن بعض الأطراف، بما في ذلك في فرنسا، تسعى إلى تحويل شأن إسباني-إسباني نحو المغرب. إن إعادة العلاقات بين مدريد والرباط على أسس متينة لا تروق للجميع. لقد فشلت الضجة الإعلامية الأولى لبيغاسوس التي كانت تستهدف المغرب. ومن الواضح أن هذه الأطراف تريد أن تحقق النجاح في ملف التجسس الإسباني.