وأوضحت هذه المنظمات غير الحكومية في رسالتها لرئيس مجلس الأمن الدولي أن "لكل من الجزائر و"البوليساريو" سجلا ثقيلا من الممارسات المشبوهة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وكرامته، مبرزين أن استعمالهما "اللاأخلاقي والبغيض لمعاناة إخواننا وأخواتنا المحتجزين في غيابات الظلم والإفلات من العقاب بتندوف، كمجرد أوراق للمراهنة السياسية، ينفي عنهما أية مصداقية".
وأكد الفاعلون الجمعويون أنه "بصفتنا منظمات صحراوية تعيش بكل حرية فوق ترابها وفي بلدها المغرب، فإننا نؤكد على الطابع العادي لوضعية حقوق الإنسان بالصحراء المغربية"، مبرزين أنه "لا شك أن هذه الوضعية تبقى قابلة للمزيد من التطوير والتحسين، ولكن الأكيد هو أننا نعمل في سياق واعد يتطور، كما أننا نتوفر على هامش كبير من الحرية ينظمه إطار وطني قانوني ومؤسساتي متطور وذي مصداقية".
وعبر رؤساء المنظمات غير الحكومية في هذه الرسالة "عن بالغ انشغالنا وإدانتنا الشديدة للأوضاع المزرية التي يعاني منها إخواننا وأخواتنا بمخيمات تندوف" (جنوب الجزائر)، حيث لا يزال "عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء محاصرين منذ أزيد من أربعة عقود في وضعية شاذة في مواقع زائغة عن أي نطاق قانوني حقيقي للحماية وتفتقد لأي شروط أو ضمانات تكفل لتلك الساكنة المكرهة على أمرها حفظ كرامتها وحقوقها، حيث زج بها في تلك الورطة من قبل "مجموعة مسلحة غير مسؤولة" ارتهنت لأهداف ومخططات تخدم بصفة حصرية مصالح دولة الجزائر "مهندسة وراعية هذه المأساة الإنسانية المشينة".
وأوضحوا أن ما يؤكد شذوذ هذه الوضعية كون اللجنة الأممية المعنية بحقوق الإنسان قد أعلنت في يوليوز 2018 عن قلقها إزاء قيام الجزائر بالتنازل عن اختصاصاتها القضائية لصالح جبهة "البوليساريو"، معتبرة هذه الخطوة منافية لالتزامات هذه الدولة الطرف بضمان احترام وحماية حقوق الإنسان لجميع الأشخاص المتواجدين فوق ترابها الوطني.
وذكروا بأن هذه اللجنة الأممية سجلت انشغالها، أيضا، بخصوص عدم قدرة الصحراويين ضحايا خروقات حقوق الإنسان بمخيمات تندوف على الولوج إلى سبل الإنصاف والعدالة أمام محاكم الدولة الطرف، كما عبر أعضاؤها عن قلقهم إزاء اعتبار الجزائر أن ارتكاب أعمال، يعتقد أنها حدثت فوق ترابها، خارج ولايتها، وأنه يتعين على "البوليساريو" والمنظمات الدولية تسليط الضوء على هذه الادعاءات ومحاسبة المسؤولين.
وأشار هؤلاء الفاعلون الجمعويون والحقوقيون إلى أن شهادات ناجين صحراويين أفادت بوقوع "عدد كبير من الضحايا" نتيجة الإعدامات الميدانية والإعدامات خارج نطاق القانون والاعتقالات التعسفية والاختفاءات القسرية، والتعذيب والاغتصاب التي طالت الرجال والنساء وحتى الأطفال، من طرف ميليشيات ترهن التمتع بالحقوق بالخضوع والانصياع السياسي والأيديولوجي الكامل.
وأكدت الرسالة أن "البوليساريو"، تماما مثل عرابتها الجزائر، تعتمد نهجا متناقضا حيال مسألة حقوق الإنسان حيث توظفها لأهداف سياسية ولا ترى فيها سوى أداة للدعاية والضغط من أجل الترويج لمشروعها الانفصالي، موضحة أنه في الوقت الذي تتبنيان خطابا دعائيا-تهجميا ضد المغرب وتروجان لادعاءات كاذبة حول الوضعية الحقوقية بالصحراء المغربية، تمتنعان، في مفارقة غريبة، عن الإدلاء بأبسط المعطيات حول وضعية الحقوقية في مخيمات تندوف.
وتساءلت الرسالة في هذا الصدد "هل يمكن تصور أن الجزائر و "البوليساريو" أكثر دراية منا نحن المنظمات غير الحكومية التي تتواجد وتنشط في الميدان، وتعيش وسط الساكنة الصحراوية، بوضعية حقوق الإنسان في الصحراء المغربية؟ وهل يعقل التسليم، بالمقابل، بتمتع الساكنة المحتجزة في مخيمات تندوف بجميع حقوقها وحرياتها؟".
كما تساءل أصحاب الرسالة بالقول "ألا يعتبر مثيرا للشبهات أن تتطرق (البوليساريو) وبإيعاز من محرضتها الجزائر لموضوع حقوق الإنسان، حصريا في الصحراء من أجل مهاجمة المغرب بشتى أشكال الافتراءات دون أي اشارة أو تقييم لوضعية حقوق الإنسان بمخيمات تندوف؟"، معتبرين أن كل هذه العناصر تدل بشكل دامغ على أن تعامل الجزائر و"البوليساريو" مع مسألة حقوق الإنسان تحدده بالدرجة الأولى اعتبارات الدعاية والضغط السياسي في إطار النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
وأكد الفاعلون الجمعويون والحقوقيون انخراطهم في تفاعل وثيق وبناء مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كمؤسسة وطنية متطابقة تماما مع مبادئ باريس، تتوفر على لجان جهوية يشرف عليها مناضلون صحراويون مشهود لهم بالكفاءة وتعمل على أرض الواقع وتواكب وتدعم عملهم من أجل تعزيز تمتع جميع المواطنين بحقوقهم، مثمنين "التجاوب الكبير لمخاطبينا من المسؤولين الوطنيين والمحليين والجهويين وإرادتهم الصادقة من أجل الارتقاء بحقوق الإنسان وحمايتها، على الرغم من بعض الإشكاليات الموضوعية والثغرات التي قد تقع أحيانا".
وأعربوا عن الأسف لكون أطراف النزاع الأخرى لا تتوانى عن محاولة زعزعة استقرار الأقاليم الجنوبية للمملكة عبر "التغرير ببعض الشباب من أخواتنا وإخواننا" والدفع بهم إلى المواجهة العنيفة مع قوات الأمن، حتى يتسنى لهم توظيفها في حملات إعلامية دنيئة مستغلين في ذلك حرية التعبير والتنقل داخل وخارج أرض الوطن دون أية عراقيل التي يتمتع بها جميع الصحراويين ببلدهم المغرب.
وذكرت الرسالة في هذا الصدد بحقيقة أن بعض اخواننا من مناصري "البوليساريو" المتواجدين في الصحراء المغربية، يسافرون بكل حرية الى الخارج بجوازات سفر مغربية وينظمون هناك أنشطتهم المعادية للمملكة المغربية قبل أن يعودوا للمغرب دون التعرض لأي مضايقة، متسائلة في هذا الإطار عن "عدد المعارضين من داخل مخيمات تندوف الذين أتيحت لهم نفس الفرصة".
وحسب الرسالة ذاتها، فإن الحقيقة على الأرض لا تقاس بحجم الدعاية ولا بتناسل الادعاءات التي يتم الترويج لها من أجل التأثير، أو بالأحرى، تضليل الرأي العام. كما ان الخدعة التي تدعي بموجبها "البوليساريو" أنها الممثل الوحيد للصحراويين لم تعد تنطلي على أي عاقل ولا حتى على من بالمخيمات حيث ظهرت مؤخرا حركة مناهضة للبوليساريو أكدت على أنه حان الوقت للتخلص من خرافة ادعاء البوليساريو أنها الممثل الوحيد للصحراويين.
وحسب رؤساء المنظمات غير الحكومية صاحبة الرسالة، فإنه، "وبالنظر إلى ما نستقيه من آراء بحكم قربنا من حقيقة الواقع المعاش ونبض المجتمع المحلي، فإن مشروع الانفصال لم يعد يغري، وهناك قناعة واسعة وراسخة بأن مصلحة ومستقبل شعوب المنطقة يتطلب العمل على تقوية اللحمة الوطنية والاندماج والتكامل بين الشعوب والبلدان المغاربية".
وشددت الرسالة على أنه "قد حان وقت الوساطة والمصالحة ولم شمل عائلاتنا"، معربين في هذا الصدد عن دعمهم بشكل تام لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة المغربية، "كحل كفيل بوضع حد لهذا الصراع المفتعل بين الأشقاء وضمان كرامتنا وحريتنا جميعا".
من جهة أخرى، أكد أصحاب الرسالة بالغ اعتزازهم وارتياحهم للمقاربة الاستباقية والفعالة التي اعتمدتها السلطات الوطنية في تدبير جائحة فيروس كورونا، مثمنين عاليا الجهود المتواصلة التي بذلتها هذه السلطات والتدابير الحكيمة والفعالة التي اتخذتها من أجل وقاية المواطنين في كافة أرجاء التراب الوطني وعلى الخصوص في الأقاليم الجنوبية للمملكة، مسجلين في المقابل "باندهاش واستهجان عميقين الادعاءات المغرضة" التي تسوقها قيادة "البوليساريو" التي انبرت دون استحياء لتوظيف هذه الجائحة من أجل تمرير دعايتها الكاذبة، في حين كان الأجدر بها أن تجزع للظروف المزرية السائدة بمخيمات تندوف بالجزائر".