الجزائر: لافتة تفضح كيف يستغل النظام العسكري الهوية الأمازيغية لمآربه

لافتة تفضح كيف يستغل النظام الجزائري الهوية الأمازيغية لمآربه

في 18/06/2025 على الساعة 14:45

روّج الإعلام الرسمي الجزائري، بشكل احتفالي، لما اعتبره « إنجازا كبيرا » في مدينة باتنة، يتمثل في إضافة لافتة مكتوبة باللغة الأمازيغية في مدخل المدينة للترحيب بالزوار، إلى جانب لافتتين باللغتين العربية والإنجليزية. وجرى تسويق هذا « الإنجاز » عبر منصات التواصل الاجتماعي على أنه انتصار للغتين الوطنيتين (العربية والأمازيغية) مع الإشادة باستبدال اللغة الفرنسية بالإنجليزية، على خلفية التوتر القائم منذ مدة بين الجزائر وباريس. بيد أن المفارقة تكمن في أن هذه اللافتة سرعان ما تحوّلت إلى مادة للسخرية والاحتجاج، بعدما تبيّن أن النسخة الأمازيغية لا تحمل أي معنى على الإطلاق، بل تشكّل فضيحة لغوية تكشف مدى التناقض والسطحية في تعامل النظام الجزائري مع القضية الأمازيغية.

إنه مشهد يكشف عن نفاق فجّ يتقنه النظام العسكري الجزائري. في مدخل مدينة باتنة، التي تقطنها أغلبية ناطقة باللغة الأمازيغية الشاوية، رُفعت لافتة ضخمة ترحب بالزوار بثلاث لغات: بالعربية (مدينة باتنة ترحب بكم)، الأمازيغية (ⵡⵍⵛⴰⵎ ⵜⴰ ⴱⴰⵜⵏⴰ ⵛⵉⵜⵢ) والإنجليزية (Welcome to Batna City).

وهرولت وسائل الإعلام الرسمية إلى التطبيل لهذا « الإنجاز » بوصفه خطوة في مسار الاعتراف بالتعدد اللغوي والثقافي، وبأن الجزائر « تتحرر » من الفرنسية لصالح الإنجليزية. لكن ما لم يُحسب له حساب، هو أن النسخة الأمازيغية التي ظهرت على اللافتة لم تكن إلا فوضى حروف بلا معنى، لا تمت بصلة لا للغة الأمازيغية، ولا لأي لغة حية.

🔴باتنة :تزيين مدخل مدينة باتنة بالألوان الوطنية واعتماد اللغة العربية ، الإنجليزية والأمازيغية بدل #الفرنسية في اللافتات ، تثير تفاعلا إيجابيا واسعا من المواطنين عبر مواقع التواصل . #صوت_باتنة #sawtbatna

Publiée par ‎صوت باتنـة / Batna‎ sur Dimanche 8 juin 2025

إذ أن العبارة التي كُتبت بالأمازيغية ليست سوى نسخا للصوت الإنجليزي لعبارة « Welcome to Batna City »، عن طريق مقابلتها بحروف « تيفيناغ ». ونتيجة هذا « التركيب » اللغوي الهجين كانت ما يشبه النطق المشوه « Wlcham ta Batna Chity »، وهي صيغة لا تنتمي إلى أية لغة، ولا تحمل أي دلالة مفهومة، لا بالأمازيغية، ولا بالعربية، ولا حتى بالإنجليزية.

وهكذا أظهرت هاته اللافتة، التي بدت محاولة ساذجة للزينة اللغوية، أن تعامل النظام مع الأمازيغية ليس سوى استغلال سياسي موسمي، يُوظَّف في المناسبات الرسمية أو في سياقات دعائية من طرف السلطة العسكرية التي تبحث عن شرعية زائفة.

غضب شعبي ضد العبث الرسمي

ردّ الفعل الشعبي لم يتأخر، فقد اشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي في ولاية باتنة، حيث عبّر المواطنون عن غضبهم الشديد، واصفين ما جرى بـ« المهزلة » و« الإهانة المقصودة ».

#باتنة تستقبل زوارها بتيفيناغ #هوليوودي ....بلغة غريبة .. تشبه الأمازيغية ولا تمت لها بصلة !!!!! 😥ⵡⴻⵍⵇⵓⵎⴻ ⵜⵓ ⴱⴰⵜⵏⴰ ⵛⵉⵜⵉ...

Publiée par Farida Merdaci sur Lundi 9 juin 2025

وأجمع المنتقدون على أن هذا الخطأ اللغوي الفج لم يكن مجرد سهو، بل نتيجة طبيعية لسياسات تهميش ممنهجة، تعكس تعاطي النظام مع الأمازيغية باعتبارها مجرد زينة تجميلية في الخطاب الرسمي، تُرفع في المناسبات وتُهمّش في الواقع.

وأعاب رواد مواقع التواصل الاجتماعي عبر صفحات محلية، على سلطات النظام كيف لم تكلف نفسها عناء سؤال أهل الاختصاص، وكأن اللغة الأمازيغية مجرد ديكور لا يُرجى منه إلا تحسين صورة سلطته المتآكلة.

هذه الحروف المركبة بطريقة عشوائية عبثية تقرأ كما يأتي [[ ⵡⴻⵍⵛⵄⵎⴻ ⵜⵄ ⴱⴰⵜⵏⴰ. ⵛⵉⵜⵢ (!!!) Welchɛme T3 Batna chity ]]...

Publiée par Benguesmia Benguesmia sur Mercredi 11 juin 2025

وبادر عدد من المتخصصين في اللغة الأمازيغية إلى تصحيح العبارة اللائقة بحروف تيفيناغ، وهي:ⴰⵏⵚⵓⴼ ⵢⵉⵙⵓⵏ ⴷⵉ ⴱⴰⵜⵏⴰ / أنصوف ييسون دي باتنة

كما يقولو فالمثل عندنا جاء يكحلها عماها..!!! 😥ⵡⴻⵍⵇⵓⵎⴻ ⵜⵓ ⴱⴰⵜⵏⴰ ⵛⵉⵜⵉ = ولكوم تو باتنة شيتي 😥 رغم وجود قسم جامعي لتدريس...

Publiée par ⵎⴰⵣⵉⵖ ⵛⴰⵓⵉ ⵏⵍⵓⵔⴰⵙ sur Lundi 9 juin 2025

وطالب السكان الغاضبون السلطات المعنية بالتدخل الفوري لتصحيح اللافتة، والتوقف عن « العبث » باسم التعدد الثقافي.

وليست هذه الحادثة الأولى من نوعها، إذ سبق أن فشلت عدة لافتات رسمية في احترام التعدد اللغوي للجزائر. لكن في وقت يُفترض أن تترسخ فيه الأمازيغية في الفضاء العام، تُفاقم مثل هذه الأخطاء الإحساس بالتهميش أو الاستهتار الرسمي.

ولهذا، تُطالب أصوات عديدة في الجزائر بإشراك خبراء لغويين، وأساتذة جامعيين، وممثلين عن المفوضية السامية للأمازيغية (HCA)، في كل مبادرة تتعلق باستعمال الأمازيغية في الفضاء العام.

دسترة على الورق.. وتهميش في الواقع

يأتي هذا الخطأ في سياق أوسع من التناقضات التي تطبع تعامل النظام الجزائري مع المسألة الأمازيغية. فبعد عقود من الحراك الشعبي، انتزع النشطاء الأمازيغ مكاسب هامة: تم الاعتراف بالأمازيغية كلغة وطنية عام 2001، ثم لغة رسمية في تعديل دستوري سنة 2016، مع إعلان فاتح يناير الأمازيغي عطلة وطنية منذ عام 2017. كما أُسست « المحافظة السامية للأمازيغية » التابعة لرئاسة الجمهورية، وتم الشروع في تدريس الأمازيغية في عدد من الولايات.

لافتات باتنة الجميع تفاعل مع شق مكتوب بالتفناغ أقول مكتوب بحرف التفناغ المستحدث وفقط لا أحد قام بقرائتها ! لا أحد بتاتاً ⴰⵏⵚⵓⴼ ⵉⵙⵡⴻⵏ ⴸⵉ ⵁⴱⴰⵝⵏⵜ ✔️ ⵡⵉⵍⴽⵓⵎ ⵜⵓ ⴱⴰⵜⵏⴰ ⵛⵉⵜⵉ ❌❌❌

Publiée par Aurès Majestic ⵜⵛⴰⵡⵉⵜ sur Dimanche 8 juin 2025

غير أن هذه المكتسبات شكلت جزءا من سياسة ممنهجة يمارسها النظام العسكري، الذي لا يتحرك إلا تحت ضغط الشارع أو عند الحاجة إلى امتصاص الغضب، كما حدث بعد احتجاجات « الربيع الأمازيغي » (1980)، إلى « إضراب المحفظة » (1994)، و« الربيع الأسود » (2001)، وصولا إلى احتجاجات 2017، التي دفعت النظام للإعلان الرمزي عن إدماج الأمازيغية دون تطبيق حقيقي في مؤسسات الدولة.

النظام لا يخشى الأمازيغية.. بل يستغلها

لا تخشى السلطة العسكرية في الجزائر اللغة الأمازيغية لأنها تهدد وحدتها المزعومة، بل لأنها تُفضح هشاشة مشروعها « الوطني » القائم على الإنكار والإقصاء.

ولعل أكبر دليل على ذلك، هو تعاملها القمعي مع نشطاء الأمازيغية، خاصة في منطقة القبائل، حيث تُوجَّه لهم تُهم « الانتماء إلى منظمات إرهابية » لمجرد رفع راية الهوية.

وإلى غاية اليوم، في ظل العهدة الثانية لعبد المجيد تبون صاحب شعار « الجزائر الجديدة »، يواصل النظام اعتقال المناضلين الأمازيغ ورفض الاعتراف الحقيقي بثقافتهم، في تناقض صارخ مع ما ينص عليه الدستور، وما تروج له أبواق العسكر الإعلامية.

غياب الإرادة السياسية

رغم أن الدولة الجزائرية تتباهى بـ« مؤسسات أمازيغية » وترجمات شكلية للنصوص الرسمية، إلا أن التفعيل الحقيقي لا يزال يراوح مكانه. فالأمازيغية غائبة عن القضاء والإدارة، لا تُستخدم في المراسلات الرسمية، ولا توجد خارطة طريق واضحة لإدماجها الفعلي في المنظومة التربوية والإعلامية.

وقد عبرت أحزاب سياسية مثل « حزب العمال » و« التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية » عن انتقاداتها لهذا المسار، معتبرة أن النظام يقدّم تنازلات سطحية دون إدماج فعلي للهوية الأمازيغية.

تفرعن البرّاني فصار يحتقر الشاوي ويستهزأ بلغته في مدخل داره, هكذا تكون النتيجة عندما يوكل أمر اللغة الأمازيغية إلى...

Publiée par Ferhat Batna Tahar Belkacem sur Lundi 9 juin 2025

إن ما جرى في باتنة يختصر طريقة تفكير النظام: كل ما لا يخدم بقاءه في السلطة يُقصى أو يُشوَّه. واللغة الأمازيغية، رغم كونها مكونا أصيلا في هوية الشعب الجزائري، لا تُستحضر إلا حين يحتاج النظام إلى ورقة سياسية لمساومة الداخل أو الخارج. أمّا حين يتعلق الأمر بالتطبيق الفعلي، فالصمت، والتهميش، والمراوغة، والقمع، هي القاعدة.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 18/06/2025 على الساعة 14:45