ومن بين أكثر المقاطع إثارة للسخط، ظهر بالعاصمة الجزائرية وهو يعرض طفلين رضيعين من ذوي البشرة السمراء للبيع في الشارع مقابل 10 دنانير فقط! في مشهد موثق ينضح بالعنصرية والانحدار الإنساني. كما انتشر مقطع آخر يُظهر جزائريا يوجه إهانات لفظية لمهاجر مالي، مطالبا إياه بالعودة إلى بلاده.
هذه السلوكيات الشاذة ليست معزولة عن سياقها السياسي، إذ يرى مراقبون أن النظام الجزائري، الذي يتقن استخدام الأزمات كأوراق ضغط، قد سعى إلى تجييش الرأي العام ضد المهاجرين من دول الساحل، كوسيلة للرد الانتقامي على مواقف الحكومات المجاورة، لاسيما حكومة باماكو التي أعلنت مؤخرا رفضها للتدخل الجزائري في الشؤون الإقليمية، وقررت إنهاء «اتفاق السلام» الذي ترعاه الجزائر منذ 2015.
وتزامنًا مع هذا التصعيد، نفذت السلطات الجزائرية حملة ترحيل جماعي استهدفت آلاف المهاجرين الماليين، حيث قامت قوات الأمن بمداهمات واعتقالات في أوساط المهاجرين الأفارقة، ثم اقتادتهم نحو معسكر اعتقال أقيم على عجل قرب الحدود مع النيجر، وسط ظروف إنسانية مزرية.
ووصفت منظمات حقوقية هذه العمليات بأنها « إجراءات انتقامية »، جاءت كرد فعل على مواقف الحكومة المالية الأخيرة التي رفضت التدخل الجزائري في ملفات إقليمية حساسة.
الحملة لم تقتصر على الترحيل القسري، بل رافقتها موجة خطاب كراهية متصاعد على الإنترنت، تخللتها دعوات علنية لـ »تطهير الجزائر من الأفارقة »، في حين انتشرت مشاهد لحافلات ترحل مهاجرين جنوب صحراويين نحو الصحراء القاحلة، وسط صمت رسمي مطبق.
ورغم محاولات النظام الجزائري الترويج لما وصفها بـ«إجراءات وقائية لحماية المهاجرين»، فإن الوقائع على الأرض تعكس نوايا مغايرة. إذ كشفت تقارير إعلامية عن اختفاء الأطفال المهاجرين من شوارع العاصمة، وتوقف شبان مهاجرين عن الظهور في ورش البناء والأشغال العامة، وتواري النساء الإفريقيات عن الأنظار، بعد أن كنّ يشكلن جزءا من المشهد الحضري.
ورصدت التقارير نقل مئات المهاجرين إلى مراكز خاصة قيل إنها «للرعاية»، في حين يراها الحقوقيون مراكز احتجاز مقنعة تمهيدا للترحيل.
ولا تستبعد المنظمات الحقوقية أن تكون هذه الحملة جزءا من سياسة ممنهجة توظفها السلطات الجزائرية للضغط على الدول الإفريقية المجاورة، إذ بات واضحا أن ملف الهجرة يُستخدم كورقة ابتزاز دبلوماسي، خاصة تجاه مالي، التي اتهمت الجزائر بإسقاط طائرة مسيرة تابعة لقواتها المسلحة داخل أراضيها، في حادثة زادت من تعقيد العلاقة بين البلدين.
وفي هذا السياق الملتهب، تبدو الممارسات العنصرية المتصاعدة ليست مجرد سلوك فردي شاذ، بل امتدادا لخطاب رسمي متوجس من المهاجرين، يضعهم في موضع المتهم الجاهز في كل أزمة.
كما أن تسويق مشاهد «المن والأذى» بحق المهاجرين، عبر فيديوهات يظهر فيها مواطنون يتفاخرون بتقديم بقايا الطعام لهؤلاء المستضعفين، يؤكد أن الوضع يتجه نحو وصم جماعي قد يُفضي إلى عنف ممنهج.
وفي ظل هذه التطورات، يبقى المهاجرون من دول الساحل في قلب العاصفة، محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية، ومهددين في وجودهم، لا لذنب سوى أنهم وجدوا أنفسهم في قلب صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل، بين نظام جزائري يُتقن توظيف الأزمات الخارجية لتغذية الاحتقان الداخلي، وسلطات إفريقية بدأت تتمرد على وصايته الإقليمية.
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا