قافلة جزائرية نحو غزة: حافلات محملة بالبشر والشعارات الجوفاء.. بلا طحين ولا دواء!

قافلة جزائرية نحو غزة، تحت راية من الشعارات الرنانة والزغاريد.. ولكن دون حمولة تُذكر من المساعدات الفعلية

في 09/06/2025 على الساعة 20:50

في مشهد أقرب إلى مهرجان فولكلوري منه إلى مهمة إنسانية، أطلقت الجزائر العنان لما سُمي بـ«قافلة الصمود» نحو غزة، تحت راية من الشعارات الرنانة والزغاريد.. ولكن دون حمولة تُذكر من المساعدات الفعلية!

انطلقت القافلة صباح الاثنين 9 يونيو من العاصمة الجزائرية محملة بأكثر من 200 ناشط ومتضامن، من بينهم نواب برلمان ودبلوماسيون – نعم، دبلوماسيون – في محاولة فريدة لإيصال رسالة مفادها: « نحن هنا... وإن لم نكن مفيدين ».

وفيما كانت دول أخرى تنطلق بثقل الأغذية والمضادات الحيوية وأجهزة الإنعاش، خرجت القافلة الجزائرية مزهوة بـ200 بشري، على متن حافلات يبدو أنها استعارتها من مهرجان محلي، مزينة بالأعلام واللافتات، ولكن خالية من أي معنى عملي.

مغامرة غير محسوبة

هاته القافلة، التي يُفترض أن تتجه نحو معبر رفح مرورا بتونس وليبيا، تبدو أشبه برحلة جماعية إلى المجهول منها إلى مهمة إنسانية، ذلك أن المنظمين أطلقوا عقال القافلة حتى قبل أن يحصلوا على التأشيرة الخاصّة بالدخول إلى مصر، ثم إلى سيناء ورفح.

رئيس القافلة، الناشط يحيى صاري، تحدث إلى وسائل الإعلام وكأنه يحرر القدس شخصيا، قائلا إن المبادرة رسالة قوية إلى العالم. لكن « العالم » يبدو أنه مشغول بأمور أخرى أهم، مثل إيصال الأدوية والغذاء إلى غزة.. فعلا وليس فقط قولا.

وبينما تنقل طائرات مغربية وأردنية وإماراتية ومصرية الأطنان من المساعدات في صمت، تكتفي الجزائر بإرسال عشرات الأشخاص محشورين في حافلات متداعية كأنهم في رحلة مدرسية متجهة نحو مهرجان شعبي.. قافلة مليئة بالتصريحات الرنانة واللافتات المكتوبة بخط كبير ومحتوى فارغ.

سخرية عارمة من القافلة

لم تمر سوى دقائق على نشر صور «القافلة الاستعراضية» حتى انفجرت منصات التواصل الاجتماعي بنوبات من السخرية والتهكم، إذ لم يفوت رواد مواقع التواصل الفرصة، فسخروا من المبادرة بـ«حُرقة وطنية».

كتب ناشط جزائري معلقا: «هل هذه قافلة إنسانية أم فرقة موسيقية؟ ضجيج بلا مضمون!» ليعقب عليه آخر ساخرا: «بل يتعلق بالأمر بحلقة جديدة من مسلسل (من سيربح آخر علبة سردين؟)»

وكتبت إحدى المعلقات على صفحة إخبارية جزائرية تعليقا بليغا يلخص كل شيء، تقول فيه: «غزة لا تحتاج حناجر تصيح، بل شاحنات صامتة محمّلة بالدقيق والدواء.»

والحقيقة أن هؤلاء المعلقين قد اختصروا المأساة. فحين تتحول المبادرات الإنسانية إلى عروض مسرحية أمام الكاميرات، يفقد الفعل التضامني قيمته، ويتحول التضامن إلى ديكور سياسي للاستهلاك الداخلي.

نفاق النظام الجزائري

لطالما برع النظام الجزائري في عزف سيمفونية « نصرة فلسطين »، لكن خلف الستار، تتكشف الحقيقة الصادمة: علاقات تجارية مستترة مع إسرائيل، ومشاريع اقتصادية مشتركة تحت أسماء وهمية، في حين يُمنع المواطن الجزائري البسيط حتى من رفع لافتة في ساحة عامة تأييدا لغزة.

ففي الوقت الذي تُمنع فيه الوقفات التضامنية وتُطارد الشعارات في شوارع الجزائر، يُسمح فقط لما يتماشى مع الديكور الرسمي، أما من يخالف الإخراج العسكري، فمصيره التوقيف أو التكميم.

ناصر بوريطة يختصر المشهد

ولعل أصدق توصيف ينطبق على حالة النظام الجزائري، الذي لا يفتأ يتباهى بدعم القضية الفلسطينية، ما جاء على لسان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الذي انتقد من وصفهم بالمتاجرين بالشعارات تحت مسمى مساندة الشعب الفلسطيني، حيث قال: "بعض من يدّعون نصرة الشعب الفلسطيني، لم يقدموا له حتى كيس أرز… لأنهم ببساطة يفضلون راحة المعارضة على مسؤولية الفعل."

وكأن بوريطة كان يقرأ سيناريو القافلة الجزائرية سلفا، ويضع إصبعه على الجرح: دعم شكلي، حشود بلا تأثير، وشعارات تصدح في الفراغ.

قافلة بلا بوصلة

إن قافلة الجزائر ليست أكثر من فاصل دعائي طويل في مسرحية سياسية باهتة، حيث تتحول المأساة الإنسانية إلى منصة لالتقاط الصور، ويصبح دعم غزة وسيلة لتلميع صورة نظام يخشى حتى من تجمّع سلمِي في شوارع العاصمة.

ثم إن غزة لا تحتاج إلى « قوافل استعراضية »، بل إلى مساعدات حقيقية تصل بصمت من دون ضجيج ولا شعارات. أما من يرسل مئات الحناجر لتصوير مقطع دعائي على معبر رفح، فربما عليه أن يراجع تعريفه للإنسانية.. أو على الأقل، أن يملأ حافلته بشيء آخر غير الكلام.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 09/06/2025 على الساعة 20:50