الجزائر: تبون يطلق عبر لقائه الإعلامي أكاذيب بالجملة وتناقضات بلا حدود!

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال لقائه الإعلامي الدوري مساء السبت 22 مارس 2025

في 23/03/2025 على الساعة 12:45

فيديومرة أخرى، أطل علينا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بلقائه الإعلامي الدوري، محاولا أن يُقنع شعبه – أو بالأحرى نفسه – بأن الجزائر في طريقها نحو المجد، وأن كل شيء على ما يرام، حتى لو لم يكن هناك ماء في الصنابير أو مواد غذائية أساسية –كالحليب والزيت- في الأسواق. مساء السبت 22 مارس 2025، أطل تبون عبر وسائل الإعلام الجزائرية، لا ليوضح الحقائق، بل ليمنح شعبه جرعة جديدة من التخدير.


بخلاف ما روجته وسائل الإعلام الجزائرية بشكل مبالغ فيه خلال الأسابيع الماضية، حول الإنجاز « الأسطوري » الذي قام به الرئيس عبد المجيد تبون بتدشين 5 محطات لتحلية مياه البحر في ظرف 5 أيام، أبى تبون، في لحظة صدق نادرة، إلا أن يحطم هذا الصرح الإعلامي المبني على الوهم، مصححا أن العدد الحقيقي لمحطات التحلية التي دشنها هو أربع فقط، أما الخامسة في بجاية، فهي غير جاهزة.

ولكن لا داعي للقلق، فقد تماهى تبون مع حماسه الزائد كعادته حين تشتعل الكاميرات، حيث استطرد مضيفا: « نخطط لإنشاء ست محطات أخرى، بحجم مماثل أو أقل بقليل، حتى نتمكن من تلبية احتياجاتنا المتبقية سنعتمد على المياه الجوفية والمياه السطحية مثل مياه السدود وغيرها. »

قال ذلك متناسيا، ربما، أن المياه الجوفية التي يتحدث عنها قد جفت، والسدود التي يراهن عليها تعاني من التبخر أكثر مما تعاني الجزائر من تبخر الوعود الرسمية!

ولم ينسَ الرئيس تكرار نظريته الذهبية حول مشروع « ربط السدود »(ربما يعتقد أنه هو من ابتكرها)، والتي يبدو أنها أصبحت الحل السحري لكل مشاكل المياه في البلاد. وبحسب منطقه الفريد، يمكن نقل المياه الفائضة بين السدود وكأنها بضاعة تُشحَن من سوق إلى آخر، متناسيا أن أزمة العطش في الجزائر ليست مجرد مشكلة نقل، بل أزمة بنية تحتية وإدارة فاشلة.

الاكتفاء الذاتي من القمح؟

تحدث تبون عن القمح الصلب وكأنه إرث مقدس، مؤكدا التزامه بتحقيق الاكتفاء الذاتي منه في 2025، بينما اعتبر أن القمح اللين « دخيلا جاء مع الاستعمار ». ومع ذلك، لم يجد أي حرج في التناقض مع نفسه عندما قال: « حتى وإن لم نحقق الاكتفاء الذاتي من القمح اللين فهذا ليس إشكالا لأنه متوفر في السوق الدولي ».

بعبارة أخرى، الاستيراد حرام إذا كان اختيارا، لكنه حلال عندما يكون اضطرارا!

أزمة الحليب.. ثغرة وليس كارثة!

وفي خطوة أخرى من خطوات التقزيم اللغوي، وصف تبون أزمة الحليب بأنها مجرد « ثغرة » وليست مشكلة حقيقية بالنسبة لبلد يعتبر أكبر مستهلك لهاته المادة، لكنه استطرد مقترحا الحل السحري لهذه « الثغرة »: مشروع ضخم مع « أشقائنا » القطريين في أدرار، لإنتاج مسحوق الحليب!

ويبدو أن تبون نسي أن « بودرة » الحليب تحتاج إلى مزجها بالمياه، التي تشكل هي الأخرى أزمة حادة في البلاد، فهل سيحل أزمة الحليب بتعميق أزمه المياه؟

فتوى اقتصادية جديدة!

في حديثه عن أزمة اللحوم، كشف تبون عن الحل الأمثل: يجب على الفلاحين التحلي بالقناعة بدل بيع الأغنام بأسعار باهظة! نعم، يبدو أن الرئيس يريد أن يقتنع الجزائريون بأن الغلاء مجرد اختبار لصبرهم وإيمانهم، متجاهلا أن الأزمة إنما سببها توالي السياسات الفاشلة لحكوماته المتعاقبة.

وهنا نزع تبون بذلة المسؤول السياسي واستبدلها بعباءة الفقيه المفتي، عندما أعلن أن بيع الخروف بسعر 17 مليون سنتيم « حرام »، لافتا إلى أن الدولة بصدد سن « قوانين صارمة » تجرم ذبح إناث الأغنام واستغلال لحومها، بهدف الحفاظ على الثروة الحيوانية، وتوعد تبون من يمس « الرخلة » (أنثى الخروف) بأنه سيدفع الثمن غاليا!

لكن، في انتظار تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأغنام على الطريقة التبونية، يخبرنا بأن الحل البديل موجود: الاستيراد من مالي والنيجر بدل أوروبا وحدها.

رغد العيش رغم الطوابير

في قمة التناقض، أكد تبون أن « الجزائري لن يعرف يوما الجوع »، رغم مشاهد الطوابير اليومية التي يواجهها الجزائري للحصول على أبسط المواد الأساسية. ولكي يضيف التوابل إلى حديثه المزعوم عن « الرغد » الذي يعيش فيه المواطن الجزائري (رغم الطوابير) أكد أن الجزائريون يلقون بآلاف الأطنان من الخبز في النفايات، وهو ما قدر قيمته بـ350 مليون دولار في السنة.

وهنا، يبدو أن فخامته يعيش في بُعدٍ زمني موازٍ، حيث الأسواق ممتلئة، والناس سعداء، والجميع يشبع من تصريحات الرئيس قبل أن يشبع من الطعام نفسه.

حرية التعبير لدى تبون!

وبعد أن انتهى من توزيع الأحلام الوردية على الجزائريين، قرر تبون ارتداء عباءة المدافع عن الحرية. «الجزائر بلد الحرية الاقتصادية وحرية التعبير»، قالها دون أن يرف جفنه، رغم أن مئات الصحفيين والمعارضين يملؤون السجون الجزائرية.

أما عن انتقادات المنظمات الحقوقية الدولية لوضعية حقوق الإنسان في الجمهورية، فقد رد تبون بفلسفة جديدة: « لا يوجد بلد فيه حرية مثل الجزائر »، مضيفا أن حرية التعبير مكفولة، بشرط ألا تشمل «الشتم والتشويه والمساس بالوحدة الوطنية». والحقيقة أنه يريد أن يقول: يحق للجزائريين التعبير بحرية، طالما أن ما يقولونه يطابق الرواية الرسمية للنظام!

وبطريقة ملتوية، لمح إلى قضية الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال، المعتقل بالجزائر منذ أشهر بسبب تصريحات صحفية اعتبرت مسيئة لوحدة الوطن.

وبدا واضحا من نبرة حديث تبون الغاضبة أن صنصال سيدان فعلا بالعشر سنوات سجنا التي التمستها النيابة العامة في حقه، خلال آخر جلسة من محاكمته، ذلك لأن حرية التعبير في بلاد « القوة الضاربة » مسموحة فقط إن كانت تتماشى مع «وحدة الوطن» وفق هوى النظام العسكري المستولي على الحكم.

السياسة الخارجية: بين الغموض والعبثية

فيما يخص العلاقات المتوترة مع فرنسا منذ إعلان الأخيرة دعمها لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء الغربية، حاول تبون التظاهر بأنه لا يبالي بالأزمة المشتعلة بين البلدين، مشيرا إلى أن « التنسيق يتم مباشرة مع الرئيس الفرنسي أو من يمثله »، وكأن السياسة الخارجية تُدار وكأنها مجموعة دردشة على « واتساب ».

أما سبب مقاطعته لقمة الجامعة العربية الأخيرة المنعقدة في القاهرة، فقد رفض تبون حضور الاجتماعات لأنه «لا يحب البصم فقط»، رغم أن الجزائر تقاطع تلك الاجتماعات منذ عقود. لكن بالطبع، لا شيء يمنعه من قول إن فلسطين «تجري في دماء الجزائر»، وكأن شعارات الحماس تكفي لحل مشاكل الفلسطينيين، دون نسيان أن الدبلوماسية الجزائرية لم تحقق شيئا يذكر على الساحة الدولية.

متى تنتهي المسرحية؟

من تصريحات تبون، يتضح أن الرجل بارع في خلق التناقضات. فهو يرفض الاستيراد لكنه يعتمد عليه، يعد بالحوار الوطني لكنه يؤجله إلى أجل غير مسمى، يتحدث عن حرية التعبير بينما يقمع الصحفيين، ويصرّ على أن كل شيء على ما يرام، رغم أن الواقع يكذبه بالدليل والبرهان.

وهكذا، خرج تبون مرة أخرى من لقائه الإعلامي / المسرحي محمّلا بحزمة جديدة من الأكاذيب، تاركا الجزائريين أمام حقيقة واحدة: لا جديد سوى مزيد من الوعود، التناقضات، والواقع الذي يزداد سوداوية.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 23/03/2025 على الساعة 12:45

مرحبا بكم في فضاء التعليق

نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.

اقرأ ميثاقنا

تعليقاتكم

0/800